منفذية الشوف في «القومي» نظمت ندوة في المكتبة الوطنية في بعقلين حول كتابين جديدين «المليون الضائع» و «سقط سهوا» للأديب القومي سعيد تقي الدين أصدرهما حديثاً الباحث جان دايه
أقامت منفذية الشوف في الحزب السوري القومي الإجتماعي ندوة في المكتبة الوطنية في بعقلين حول كتابين جديدين للأديب القومي سعيد تقي الدين أصدرهما حديثاً الباحث جان دايه، «المليون الضائع» و «سقط سهوا» وتخللها حفل توقيع.
حضر الندوة عميد الثقافة والفنون الجميلة د. زهير فياض، ناموس المجلس الأعلى توفيق مهنا، منفذ عام الشوف غازي أبو كامل، الوزير السابق عادل حميّة، وكيل داخلية الشوف في الحزب التقدمي الإشتراكي الدكتور عمر غنّام ممثلاً رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط، طلعت حمادة ممثلاً النائب مروان حمادة، جنان البستاني ممثلاً الوزير السابق ناجي البستاني، رئيس الحركة اليسارية منير بركات، رئيس مجلس امناء الجامعة الحديثة للادارة والعلوم MUBS الدكتور حاتم علامة، مدير المكتبة الوطنية غازي صعب، مسؤول فرع بعقلين في الحزب التقدمي الاشتراكي نهاد الغصيني، رئيس بلدية بعقلين عبدالله الغصيني، وعدد من رؤساء وأعضاء المجالس البلدية وفاعليات.
جميل راجح
أدار الندوة عضو المجلس القومي جميل راجح، وألقى كلمة ترحيب وتعريف جاء فيها:
بفرح وسرور أرحب بكم أجمل ترحيب وأشكركم جزيل الشكر لتلبيتكم دعوتنا ومشاركتكم لنا في هذه المناسبة الفريدة والسعيدة باكتشاف مؤلفين جديدين يضافان الى مؤلفات وإبداعات أديبنا الألمعي العبقري الكبير رفيقنا سعيد تقي الدين.
هذه المناسبة المميزة تحقق ما قاله اديبنا المبدع الخلاق «الرجل العظيم لا ينتهي بمأتم» وسعيد تقي الدين عظيم كبير وسيظل يكبر مع الزمن ولن يشيخ.
مع أن الحديث عن رفيقنا القدوة سعيد تقي الدين مشوّق ومميز لكني لن استرسل في سبر أغواره وإبداعاته حيث أن هذه الباقة المختارة بعناية لن تألو جهداً بتحقيق ما نصبو إليه. ولكن اسمحوا لي عند تقديم كل مشارك في هذه الندوة أن أتلو عليكم ما قاله بعض المفكرين والأدباء عن سعيد تقي الدين.
لا يسعني في هذه المناسبة إلا أن استذكر العمل النبيل الذي نفذه رفيقنا الأغر الأمين أمل إبراهيم بإقامة ساحة لرفيقنا المتلألأ دائما سعيد تقي الدي في بلدتنا بعقلين بعد موافقة المجلس البلدي الكريم انذاك وبالتحديد في السابع عشر من ايار 2010 وصدق اصولاً بتاريخ الخامس والعشرين من تموز من قبل معالي وزير الداخلية.
كذلك اودّ أن اتقدّم بخالص الشكر والامتنان من الأستاذ غازي صعب مدير المكتبة حيث أتاح لنا فرصة تحقيق هذا النشاط ومن على هذا المنبر بالذات داخل هذا المسرح الذي كان حلماً فأصبح حقيقة بمتابعة حثيثة وصبر مديد حتى تحقق الحلم، شكراً لك أستاذ غازي ولجميع العاملين في المكتبة.
الشكر العميم لكلّ من ساهم وعمل وساعد على تحقيق هذه الندوة المميّزة وما تهدف إليه وخصوصاً الصديق الكريم المهندس الشيخ سامي علم الدين حيث كان على تواصل دائم معي وبكلّ التفاصيل، ولم لا فهو ابن شقيقة رفيقنا سعيد المتأثر كثيراً بعقيدة وإرث وسياسة خاله مما حفزّه لترؤس فرع خريجي كلية الهندسة في A.U.B مكملاً العمل الخاص للخريج المميّز سعيد في جمعية خريجي A.U.B. شكراً لك شيخ سامي فأنت سعتقي بامتياز ولهذا أنت بحاجة أن ترفع يمناك زاوية مستقيمة وفي القريب العاجل لتؤدّي القسم الذي أقسمه خالك، وكما قيل أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً نحن بانتظارك وأحييك.
مسك ختام الشكر لهذه الكوكبة من المشاركين الذين وافقوا على المشاركة وبالتالي تجشموا عناء الانتقال وأعطونا الكثير من وقتهم الثمين.
المنفذ العام غازي أبو كامل
أولى الكلمات لمنفذ عام الشوف في الحزب السوري القومي الاجتماعي غازي أبو كامل ومما جاء في كلمته:
أرحب بكم وأشكركم على تلبيتكم دعوتنا والشّكر أيضاً للقيّمين على هذا الصّرح الذي أمسى معلماً من معالمِ الثقافةِ والمعرفةِ في لبنان. والشّكر لمن أغنى هذه المناسبة بأبحاثهِ وأخصّ الباحث الرّفيق جان دايه الذي أولى مُبكراً متابعةً مضنيةً وإهتماماً مميزاً بتراثِ الأديب سعيد تقي الدين.
أطلق أديبنا عام 1954 لجنة «كل مواطن خفير» وبرنامجها الإذاعي، وهي المحطة الأبرز التي من خلالها أعطى حال الصراع منحاً آخرَ من الوعي القومي ودوراً في كشفِ ومكافحةِ النشاط الصهيوني في تجنيد العملاء وزرعِهم في كياناتنا، فكانت هذه نُقطة تحوّلٍ في المواجهة.
ما نشهده اليوم من تغلغلٍ جديدٍ للعملاء تستدعي بعد خمسةٍ وستّين عاماً إعادة تكوين هكذا لجنة، وما عودة مئات العملاء في الأشهر الماضية إلّا تأكيداً على ضرورةِ قيام مجتمع «كلّ مواطنٍ خفير».
إنّ إقرار مجلس النواب بعد عامٍ من إطلاق هذه اللجنة في 30-05-1955 قانون مقاطعة «إسرائيل» الذي وضعه الأستاذ إدمون ربّاط وتبنّته الجامعة العربية آنذاك هو أحد الأشكالِ المتقدّمةِ في مقاومةِ التطبيعِ والتجسس الذي أصبح عند البعض وجهة نظر.
إنّ أدب سعيد تقي الدين هو أدبُ اليقظةِ القومية، وأدب الرؤيةِ والإلتزام، صاحب الثروة الحقيقية من الحروف المضيئة، إستلّ عباراتِه كالسّيف تاركاً بصمةً في التاريخ المسرحي الحديث.
تقديرنا مجدداً للرفيق جان دايه الذي أعاد الأديب سعيد تقي الدين إلى ذاكرة الأمّة والأحبّة مُخلَّداً بأدبهِ، وتقديرُنا أيضاً لمن أعادَهُ معلماً حيّاً في بعقلين في ساحةٍ تحمل إسمهُ ولوحةٍ من عباراتِ ذلك الأدبِ الفريدِ، أعني به الأمين أمل إبراهيم وعائلتِه من بعدِه.
فبإسم الحزب السوري القومي الإجتماعي، أتقدّم من الجميع بالتحيّة والشكر، وأيضاً لكلّ من أعطى هذه المناسبة دفعاً من النجاح.
د. إكرام الأشقر
الدكتورة اكرام الاشقر تحدثت عن أدب سعيد تقي الدين من الناحية الفنية ولا سيما المسرح وخصائصه وميزاته «السعتقية» وتناولت في كلمتها جوانب مختلفة من ادب سعيد تقي الدين والرسالة التي اراد ان يوصلها للناس من خلال أدبه واعماله المسرحية المختلفة والتي تملك خصائص مميزة تميزها عن غيرها من اعمال ادبية ومسرحية لادباء آخرين.
كما قاربت الدكتورة اكرام الأشقر بعض النصوص الادبية للكاتب تقي الدين من عدة زوايا واضاءت على خاصية النقد لدى سعيد تقي الدين وارتباط أدبه ولا سيما المسرح برسالة اجتماعية اصلاحية أراد تعميقها ونشرها ادبا ومسرحا.
كما تطرقت الدكتورة الاشقر الى سعيد تقي الدين الانسان وسعيد تقي الدين الوطني وسعيد تقي الدين العقائدي النهضوي الذي سار في طريق النهضة وشكل حالة تمرد على كل التقاليد البالية وعلى ارث من المفاهيم التي دعا للتحرر منها.
الفنانة نضال الأشقر
وألقت الفنانة نضال الأشقر كلمة جاء فيها:
تبلَّغوا وبلِّغوا أنّ الجواسيس والمخرّبين والعيون وعيون العيون والعملاء والمأجورين الذين ينخرون جسد هذه الأمة والمتاجرين بها كثر. يدخلون ويخرجون يتعاملون كما يشاؤون، ويتبخرون ويجدون من يدافع عن عمالتهم. مسؤولون ومستفيدون يدافعون بكل «عزة وكرامة» عن الخونة.
نخبَك يا سعيد
نخب العدو يا سعيد
نعم لقد استشرفت واستبقت بإلهامك وحدسك كل مواطن خفير حتى لا يتسلل العدو إلى الأرض من بواباتنا المشرعة ولا إلى الروح من بوابات التطبيع.
تبلَّغوا وبلِّغوا.
سعيد تقي الدين أنت لم تمت ها هو كل مواطن خفير يفرض اليوم نفسه.
فانتبهوا وبلِّغوا وتبلَّغوا أن سعيد حياً فينا.
«في الفيليبين عشتُ متُّ 22 سنة ونصف هناك استوردت كل ما يُعرفُ من اصناف البضاعة. فتحت محطة بنزين، فتحت سينما، كنت دواراً أي بائعاً متجولاً.
أبحرت، طرت، سافرت على الخيل، ركبت على الجاموس، أغتنيت، أفتقرت، لعبت بالبورصة، فتشت عن الذهب، كنت حانوتياً مستورداً مُصدراً، كومسينجيا، أتجرت بمخلفات الجيش، بمخلفات الحيوانات، سوكرت حياتي لأنتحر، افلست ودفعت ديوني، جعت، أتخمت، سجنني 53 يوماً و54 ليلة، خلال سنين الحرب واجهت الموت، في أكثر الأحيان مختبئاً، مليون مرة.
شاركت أميركياً، قوصت صينياً، آخيت فيلبينياً» سعيد تقي الدين.
يتهادى الشيخ سعيد تقي الدين في مشيته وبقامته الوارفة كسنديانة بعقلينية صلبة رائعة الجمال، يدخل ذاك الجلقامش بيننا في ديك المحدي فتّشرَّع له الأبواب يدخلُ وكأنه قادمٌ من انتصار كبير، وانتصارات الشيخ سعيد كانت دائماً على عدة جبهات، سياسية إجتماعية فكرية مسرحية فلا نعلم من أي انتصار هو قادم.
يتحلق الجميع حوله، يحبونه يمازحونه، أمي أول المعجبين به، لم يكن الشيخ سعيد يلبس بنطاله عند زيارات المحبين له إلا إذا دخلت أم غسان، أمي، إلى بيته وإلا الشورت للجميع .
والسجائر المتطايرة في كل إتجاه الذي ينفقها الشيخ سعيد ويطفئها اينما كان ينقفها إلى السقف، يطفئها بالكنباية على الأرض بعد أن يكون أخذ مجتين لا أكثر، لكن عشرات الكروسات تكون مكدسة على الطاولة، أحبه والدي كثيراً واحترمه وأجلَّه وكان رفيقه من نصف العمر إلى أخره.
هذه الشخصية الفذّة التي لم تأخذ حقَّها لأنها خرجت عن سِربِها، هذه الشخصية انطلقت من بعقلين من هنا عائلة الخمس شباب والسادسة الست أديل الملقبة بالوزيرة.
ابن العائلة المتعددة المواهب من دبلوماسيين وكُتاب، شعراء واساتذة كلهُم غرفوا من العلم والمعرفة، عائلة مميزة وآخرهم أبنة رمزي علم الدين أمال علم الدين المحامية العالمية، ورمزي والدها كان له العلاقة الخاصة بخاله سعيد تقي الدين وكان له مع خاله أسرار حياة ومعزّة حفظها رمزي علم الدين حتى الآن.
في الخمسين من عمره أكتشف سعيد عقيدة أنطون سعاده فانتزع أولاً لقب المشيخة وانتسب إلى فكر نيّرٍ مستقبلي لا طائفي فعكَّر مسار العائلة والعشيرة. لذلك لم يأخذ سعيد حقَّه رغم إعجاب الجميع به، لأن وجوده وانتماءه وفكره المتقدم وقلمه المشحوذ كسيف قاطع كان خطراً على الجميع.
كان قلم سعيد تقي الدين يقطع بخفة ونزق وشراسة فيشعر المتعصب والوصولي والإقطاعي بخطرٍ من سيفه المكتوب وإذا كان عميلاً أو جاسوساً وما شابه فكان يشعر بأن كل مواطن خفير يلاحقه أينما كان، إستهابه الجميع لأنه كان يفضح فخرج أبن بعقلين وترك وراءه كل شيء وتمرد خارج سربه وحلق في العالم الفسيح المعَّبد بالمشقة والعذاب والسجون والنضال، والحزب الذي أحبه ما زال حتى الآن يتعثر ثم ينهض من جديد، فحتى لو حاد الحزب عن الخط الصحيح فإن فكر انطون سعاده موجود كي يصحح المسار ويعيد الانطلاق.
نجح سعيد تقي الدين في أعماله الأدبية والفكرية والسياسية والمسرحية، وكتب ولأول مرة مسرحاً معاصراً شعبياً بعد حقبة التأسيس المسرحي في لبنان.
عالج المشكلات العائلية والاجتماعية والسياسية وانتقد كل ما هو بالٍ، وأدخل فكره الجديد إلى شخصياته.
ما زلت أذكر رضا كبريت وسليم جمال الدين على خشبة المسرح في احدى القرى يمثلون «لولا المحامي» والجمهور يقهقه ويصهصه بأعلى صوته لقد كانت المسرحية الاولى التي اشاهدها بعد كل محاولاتي المسرحية في كلية البنات الأهلية.
ثم شاهدت «المنبوذ» وفهمت أن هذا الرجل عنده رسالة كبيرة من خلال المسرح يؤمن بها، وأذكر أن الذي مثَّل «المنبوذ» كان الأستاذ أنيس أبي رافع رحمه الله. وأظن أن كل أدب سعيد تقي الدين يصلح أن يكون مادة فريدة لنصوص مسرحية وأقول بأسف شديد أننا لم نقم بعمل دؤوب يتناول عمل سعيد تقي الدين المسرحي وهذا يقع على عاتقنا نحن مدينة بعقلين ومسرح المدينة.
سعيد تقي الدين احبَّني وشجَّعني وهو من أقنع والدي على أهمية المسرح وأهمية أن يدعمني لأذهب إلى لندن للدراسة، فهذا من واجبي وأنا مدينة له ومن واجبنا جميعاً أن نقدم أعماله في مهرجان شعبي يُعطيه حقه في عالم المسرح.
د. زهير فياض
وألقى عميد الثقافة والفنون الجميلة في الحزب د. زهير فياض كلمة جاء فيها:
يوم طلب مني ان اشارك في هذه الندوة حول كتابين جديدين للاديب الرفيق سعيد تقي الدين، كان الامر برمته ملفتا لي.
راودتني اسئلة مشروعة. مسرحيتان جديدتان؟ كتابان جديدان؟ اصداران جديدان؟ ولمن؟ لسعيد تقي الدين؟كيف؟ وهو الذي غادر هذه الدنيا الفانية منذ عقود من الزمن، الى ان حصلت على الاجوبة المطلوبة.
مخطوطتان جديدتان، ابداع جديد، كاد ان يندثر او يضيع في طيات اوراق اكلها غبار الايام، لولا هذه النية الصريحة وهذا الفعل عن سابق تصور وتصميم الذي قام به رفيقنا وصديقنا الكاتب والباحث المجلي «الماراتوني الهوى»، صاحب اكبر محرك بحثي تجاوز باشواط محرك بحث غوغل واكبر محركات البحث على الشبكة العنكبوتية، ليؤسس لنا وللاجيال الاتية «انسيكلوبيديا» مكتوبة شاملة حقيقية حول جزء هام من تراثنا القومي، وحول انتاجات فكرية وادبية وشعرية أعاد تقديمها بحلة جديدة، ليتلقفها القارئون والمهتمون بشؤون الفكر والادب والتراث والمسرح. ولعل جمعه لتراث هذا العظيم الذي نلتقي الليلة في حضرته يعتبر من عظيم أعمال، اذ عرفنا نتيجة جهد استمر على مدى عقود على سعيد تقي الدين ونتاجه الفكري والادبي الذي جمعه ورتبه وطبعه ونشره ليصبح مرتكزا اساسيا لمذهب «السعتقية» الذي يندرج هو الاخر في دين القومية الاجتماعية العلماني الجامع والشامل لكل اطياف هذه الامة في حاضنة الهوية والانتماء والتاريخ والجغرافيا والحضارة الانسانية.
ان تكون في حضرة سعيد تقي الدين مسؤولية كبرى، تحدي اكبر، هو بمثابة سير على حبل رفيع وانت تحمل بيديك عصا وانت محاصر بكل هذه الخواطر والافكار ونكهة السخرية من كل ما يلف حياتنا العامة من مظاهر ونفاق وكذب وخداع وسطحية وتهافت على القشور.
ان تكون في حضرة سعيد تقي الدين فانت مسكون بتلك الروح « السعتقية» وهي تجمع بين السخرية والانتقاد والفكاهة اللطيفة التي تحمل في طياتها كل الالم والوجع من واقع الحال مع رؤية لكيفية التجاوز.
«السعتقية» ليست ماضوية، بل راهنية في مضامينها ومستقبلية في اشاراتها أو قل خارطة طريق تركز النهج والسلوك باتجاه المستقبل.
في عرضه المختصر لمسرحية «المليون الضائع» على الغلاف الاخير من الكتاب بقول جان دايه:«حين ابدع سعيد تقي الدين مسرحية «المليون الضائع» في العام 1950، كان عدد سكان لبنان مليون نسمة». ويضيف:«ولو ابدعها في العام 2019، لأصبح المليون الواحد ستة، اذا صحت المعلومة الغوغلية بأن عدد اللبنانيين بلغ نصف دزينة من الملايين» اذ أن لا احصاء رسمي نتيجة معادلات ال 6 وال 6 مكرر.
وأنا اضيف لكان اصبح العنوان ربما «ستة ملايين ضائعين معطوفين على 80 مليار دولار منهوبين، وكل ذلك، تحت سما «مرقد العنزة» حيث لا مراعي، ولا عنزة ولا من يرقدون.
لو انه قيض لسعيد تقي الدين ان يحيا في العام 2019 لكان ألف طنا من المسرحيات تحاكي كل هذا الهراء الذي يملأ أيامنا، حيث الوطنية قصيدة خواء، والبطولة تتساوى مع العمالة في ميزان شريعة هذه الغابة الطوائفية التي بدل ان تضخ الاوكسيجين في سماء الوطن، تبعث بثاني اوكسيد كربون مذهبي اين منه مكب الكوستا برافا او برج حمود.
في قراءة سريعة للمليون الضائع لفتني حوار بين سليمان افندي الحائز على ترقية للتو في سلك الدرك وبين كامل وهو يخبره كيف حصل على هدية عبارة عن ساعة من صاحب معمل البلاط كان قد اخذ من الطريق العام نصف متر، فيتساءل سليمان افندي :«ما الضرر؟»
ضروري تكون الطريق 8 امتار؟ لتكن سبعة ونصف.
صاحب معمل البلاط كان اخذ رخصة ببناء بناية اربع طوابق، يستطرد سليمان افندي «بنى خمسة.ليبن خمسين طابقا، خمسماية طابق، شو السما ملك جدي يضيف».
اما نحن فنقول:«في ال 2019 بلطنا البحر، بنينا الابراج، ردمنا الشاطئ، واقمنا المزابل وشارفنا ان نخسر الوطن.
لن اطيل كثيرا، اما في ما خص مسرحية «سقط سهوا»، فسني العمر سقطت سهوا، اجيال سقطت سهوا، وافكار كادت ان تسقط سهوا لولا المؤمنين بها، اوطاننا معرضة لان تسقط سهوا، لان الركن الاساسي لبنائها اي الاخلاق كادت ان تسقط سهوا.
ختاما، شكرا لجان دايه ولكل من ساهم في تجميع واخراج وتقديم هذا الكنز «السعتقي» الذي نامل ان لا يكون الاخير، وان ينبش جان دايه من جديد ايقونة جديدة من خزائن سعيد تقي الدين الغنية بالتحف الفنية الرائعة.
أمل تقي الدين فياض
وألقت المحامية أمل تقي الدين فياض كلمة جاء فيها:
سعيد تقي الدين، المناضل سعيد تقي الدين يا هذا المبدع لم يَغب.. يا هذا القلم لم يُعب.. يا ذا الفكر النيّر لم ينكفئ ضوء له أو يَخب.. يا فرحة الصفحات بالكتب..
يا صاحب المقالات والمسرحيات والمحاضرات تترى وتتوالى، لم تنضب ولم تُجدب… أنظر إلى محبيك الكثر قد أتوك من كل حدب وصوب…
أكرِم بهم من عاطرِ الذكرِ والنَسَب…
أما والله… لقد سهَّل سعيد تقي الدين علينا المهمة، فكتب عن نفسه ـ بقلمه ـ في مقال عنونه:»سعيد تقي الدين بقلمه»، حيث حاول تلخيص سيرة حياته باسلوبه الساخر المرح فاستهّل مقاله: «يؤلمني ان تكون الأيام قد اضطهدتني إلى حد أنني أحتاج أن أحدث الناس عن نفسي بدلاً من أن يتولى ذلك عني المؤرخون».
وها نحن ـ دون أن نكون مؤرخين بل أقرباء محبّين ـ نحدث عنه…
فقد ولد سعيد في 15 أيار من العام 1904 في بعقلين، القرية التي «لو أعطي له أن يتقمص ألف مرة لما نزل إلا بعقلين دار مولد»ـ على حد قوله ـ وكان والداه ينتميان إلى عائلتين عريقتين في الجبل يقول عنهما سعيد: «إن لم تكونا من ذروة الجبل فهما بدون ريب من أعالي سفحه». ولم تكن عائلته غنية بالمال، ولكن لقب «الشيخ سعيد» رافقه فترة طويلة حتى تاريخ دخوله الحزب السوري القومي الاجتماعي.
وقد نشأ على العسر أكثر منه على اليسر. فوالده ـ والكلام هنا لسعيد: «قد طهرت يداه في وظائف الحكومة فنظفت جيبه». وما أبلغ هذا القول! وما أحوجنا إلى مثل هؤلاء الموظفين في هذه الأيام!
كان سعيد يزخر بالحياة، كثير الأصدقاء، وفياً، ودوداً، واثقاً بنفسه، كثير المطالعة، واسع الإطلاع وفّكِه الحديث.
وقد تجلت فكاهته في بعض من «رفات جناحه»:
«الرجل المتفائل يدخل إلى الحمام، دون أن يصطحب معه منشفة»
«نحن في أشد الحاجة الى طاولة روليت، تغمز اللاعب التعس، وتدله على النمرة التي ستربح»
«صار لي 43 سنة أجمع 2 و 2 ولحد هلق ما طلعوا 4»
وقد عمل في التجارة عندما هاجر إلى الفيليبين عام 1925. فكان كثير الحركة، مغامراً، متفائلاً، سريع التنفيذ، كريماً، لا بل مسرفاً إلى حد التبذير: «يحسب أن المال قنينة ديناميت» ـ والتعبير له…
وهو مؤمن بقوله، الذي ختم به خطابه ـ أنا لبنان فأنا عربي ـ الذ القاه في المقاصد الإسلامية، «لئن جادت الحياة عليك بالطيبات فأنعم بها، بأن تشاطرها سواك».
وطوال حياته سأل نفسه: ما المال؟ وأجاب نفسه «قولة لا» … بها غنيت وغيري بالتراب غني.
وهو قد إستمد مبادئه من قلب عائلة نابضة بالتقوى والدين. وعندما انتسب إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي ـ بطبل وزمر كما يقول ـ حمل مبادئه ومبادىء الحزب معاً، ولم يكن له سند غيرها فلما حمل تلك المبادىء مجتمعة، غدت له السند، وقد أرّخ انتسابه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي بمقالة: حكاية دخولي الحزب.
وعلى كل حال فقد كان هذا الانتماء ـ وما كلفه إياه ـ هو ما دفع به ـ مجدداً ـ إلى الهجرة عام 1985، إلى كولومبيا. وكان قد بلغ الرابعة والخمسين.
هاجر في هذا العمر لأنه لا يسلك الطريق كما تسلكها الناس… هاجر بعد أن نعم بعز بيروت حيث كان بيته يزخر بالزوار وقد سموه دعاباً «بيت الضيافة» والخدم والكرايسلر، والتلفونات، وضربة كف بكف تأتيك بالطيبات.
ولكن سعيد لم يندم أبداً… وقد أكّد على ذلك في مقاله «أنا والتنين»: «في بيروت عشرات الألوف تأتيهم الطيبات كلما ضربوا كفاً بكف. ولكن ليس في جزيرة سانت اندرس إلا رجل واحد نزل بها بعد أن شردته قضية وجهاد».
وبعد أن اضطر إلى الاغتراب ثانية ظن البعض انه سيقول: إني قد رميت سلاحي.. من بعدما نل المشيب بساحي.. ولكن عنفوانه أبى إلا أن يجيب: خاب ظنهم.. تلك الخيوط البيض تكسو هامتي هي من غبار وقائعي وكفاحي.
هو سليل العائلة التي انغرست منها الجذور عميقاً في تربة الوطن فأينعت شجرة وارفة الظلال، خضراء باسقة جذورها في الأرض ضاربةٌ، وفروعها تتعالى إلى السماء.
يروي لنا والدي المرحوم كميل تقي الدين ابن عم سعيد الذي كان يقيم في منزل العائلة في بعقلين، أن سعيد كان مقيماً في بيروت عندما اغتيل رفيقه في الحزب المقدم غسان جديد عميد الدفاع وكان ذلك على أثر إغتيال العقيد في الجيش السوري عدنان المالكي، وقد اتهم الحزب آنذاك بالحادثة.. ونُصِح سعيد بأن يحيّد قليلاً فجاء إلى بعقلين وأقام في منزل العائلة حتى هدأت الأجواء، وكان ذلك عام 1957. وفي تلك الفترة كان بعضٌ من شبان القرية يتناوبون على حراسته ـ تحديداً في الليل ـ وقد كان المرحوم والدي في عداد الحرس.
لقد آمن سعيد بالعلمنة، وطبقها في حياته الخاصة، وقاتل من أجلها، وكان جريئاً، واقعياً صريحاً متحرراً من القيود الإجتماعية. فقد قال في إحدى مقالاته:
«لماذا لا تكون لنا الجرأة فنعلن أن السبيل الوحيد لقتل التعصب الديني وصهر العناصر في بوتقة الوطنية، هو «الزواج المدني» والتزاوج الحر بين الطوائف؟ هذه هي الرسالة التي حاولت أن أؤديها في مسرحيتي «نخب العدو» ولم يسمعها احد بسبب اني همست بها ولم ارعدها… أن الخوف يربط اللسان أحياناً».
وأما عن «خطيئة» ميوله الأدبية فقد إقترفها بتدخل من عمه الشاعر أمين تقي الدين الذي كان يعيش معه في البيت نفسه. فتأثر به، وبدأ الكتابة، الكتابة بأسلوبه الآسر والممتع.
لقد إبتدع سعيد الشخصيات مثل:»شمدص جهجاه». وإبتكر التعابير التي علقت في ذهننا ـ نحن القراء ـ حتى أصبحنا نستخدمها «بتصرف» ومنها: صرغز أي صرح عزام باشا ـ أمين عام الجامعة العربية، وكان يكثر التصاريح ، زحفطوني الزاحف على البطون والسعتقة وهي ليست بحاجة إلى شرح .
ولم يكن سعيد «الانسان» بعيداً عن سعيد «الفنان» يمكنك التعرف إلى اسلوبه من مخيلته الواسعة، وقدرته على استنباط الصور الكاريكاتورية والتعابير الساخرة. اسلوب ممتع نادر لأديب مبدع، يستطيع أن يسخر فتبتسم أنت بدل أن تمتعض. وهذه هبة… هبة «الأسلوب السعتقي» الذي يمزج الجد بالفكاهة تماماً مثل شخصيته.
وقد ظهرت شخصية سعيد في أسلوبه بشكل واضح، وأسلوبه ينسب إليه فقط… هو «الأسلوب السعتقي» الذي يمزج الجد بالفكاهة تماماً مثل شخصيته. فهو لم يكن ليرش العطور على المكان الذي يتكلم فيه ولا ينثر الأزاهير على جبين من دعاه للكلام. وكانت كلماته تفعل فعلها، لأنه مؤمن بما يقول « والكلمات لا تفعل في نفس السامع إن لم تفعل ـ أصلاً ـ في نفس القاتل».
أما الباحث «السعتقي» الأستاذ جان دايه، هذا المَعين الذي لا ينضب، ها هو يجمعنا اليوم بمناسبة ولادة نجمين من شهبه عن كوكب توهج في سماء الأدب.. مسرحية المليون الضائع التي يعالج فيها سعيد داء اللبنانيين ودوائهم، على الصعيد الإجتماعي والإقتصادي والسياسي. وكتاب سقط سهواً الذي يتضمن المقالات الأدبية والسياسية والرسائل والخطب ورفات الأجنحة، كلها بأسلوب ساخر بعقلين، كما يطيب له أن يسميه…
لقد كان سعيد رجل عمل وجهد وكان في الوقت نفسه خطيباً مفوهاً… حتى المنابر تفرح إذ يرتقيها، وهي جامدة… حتى خشبها، يسعد لقدومه، وهي عيدان… فخطاباته القيمة هي له عنوان… هو لم يُنس من كان قبله بأعماله الأدبية ولكنه ـ حتماً ـ قد أتعب من بعده. آمن بأن العمل الحزبي للجماعة أن تكون فريقاً متحداً متضامناً كلما تداعى أفرقاؤها ليعضدوا بعضهم بعضاً، واشتركوا سوياً كلما زاد إنجاز الجماعة وفعلها. مثلها مثل اصابع كف اليد هي خمسة في العد… لكنها في مقبض السيف واحد.
لقد حمل سعيد «الإنسان ـ الأديب ـ المناضل» أكثر من بطيخة في يد واحدة: هاجر وعمل في التجارة، و»اشتغل بالسياسة»، وأنتج: أنتج الأعمال المسرحية عندما كان لا يزال العرب يقتبسون هذا الفن وينقلونه نقلاً. كتب القصص القصيرة والمقالات الأدبية والخطب السياسية وبرع فيها جميعها. ولكن أعماله كانت قليلة مقارنة مع قدراته. فقد كلّف نفسه بمهمات حرمتنا من المزيد من الإنتاج الأدبي المتميز والنادر. فمِثل سعيد بين الناس صعبٌ نسيانهُ… وأقواله ـ أبداً ـ تذكرنا به: «من قضى حياته منحنيا أمام القوي لا تلمع الشمس على جبينه».
لقد قاتل هذا الرجل بكل ما أوتي من قوة من أجل تثبيت مفهوم «المواطنة» في لبنان، مفهوم الإنتماء إلى الوطن.. هذا المفهوم الذي يكثر الحديث عنه في النصوص ويندر ـ للأسف في النفوس.
كان مدركاً بأنه قد لا يصل إلى النتيجة المرجوة من خلال قتاله ذاك لكنه لم يستسلم… هو الذي كان على قناعة تامة بأن: «اليد التي توقع الصلح مع إسرائيل يجب أن تقطع من العنق».. كما أنه لم يتوانَ عن النقد حيث وجب، النقد البناء بهدف الإصلاح وليس النقد للنقد… فيقول في مقالته «لنصغِ الى همسة الضياء»: «عشنا ثلاثين عاماً نقول لليهود: لن نقبلكم فاتحين في أرض ورثناها، واليوم نضرع إليهم ان اقبلونا في أرض فقدناها. لماذا، لماذا!».
ونحن في لبنان نحن أعني بها أنا وأنتم سيداتي وسادتي، سنواصل قتالنا ولن نيأس حتى نصل إلى مرحلة نصبح فيها ـ فعلاً لا قولاً ـ مواطنين نؤيد الوطن والأمة فقط… قد ننجح وقد لا ننجح… ولكننا صادقون: «والصدق معدن لا يتلبسه الصدأ» ـ والعبارة دائماً لسعيد.
جان داية
وألقى الباحث جان دايه كلمة جاء فيها
نهاركم سعيد.. تقي الدين
بالامس، وبمناسبة تدشين ساحة سعيد تقي الدين وجداريته، التي تبرع بكل شيء فيها السعادي السعتقي أمل ابراهيم.. ألقيت الجزء الأول من المقابلة التي أجريتها في انطلياس مع ابي ديانا.
واليوم، ألقي الجزء الثاني، من المقابلة الانطلياسية في مكتبة بعقلين الوطنية، بمناسبة اصداري كتابين جديدين لساخر لبنان وعموم بلاد الشام: سقط سهواً والمليون الضائع. وهنا لا بد من التنويه بان الاجوبة على أسئلتي هي من نظم سعيد وتلحينه أحياناً بالمبنى وأخرى بالمعنى.
س – هل توافق على استئناف المقابلة أو المفاوضة على حد تعبير سليم سركيس صديق عمك أمين الذي ذكرته بصلاتك في الكتاب الجديد سقط سهواً؟
ج – الله يمحقك على هالسؤال.
س – لماذا؟
ج – اذا وجد مخلوق يرفض مقابلة أو مفاوضة، فيكون أحد اثنين، اما جبرائيل قيدوم الملائكة والقديسين، أو شمدص جهجاه كبير المنافقين. وانا تقي الدين بالاسم، وغير موهوب بالشمدصة. لذلك، اذا كنتَ قبضايا الغ المقابلة او اطرح اسئلة سخيفة من عيار: شيخ سعيد من أنت؟
س – على سيرة الشيخ سعيد، اخبرني الرفيق البعقليني عباس ابراهيم انه، في كل مرة كان يبشرك بأن الشيخ الفلاني استوى ولم يعد خايس عليه الا قسم اليمين، كنت تسأله: وهل قفز حضرته من فوق الست نقاقيط التي تطوق كلمة شيخ؟
هنا احور جواب المحقق الياباني في الفلبين الى سؤال: كيف تمكن فارس يزن 130 كيلو من العظم والشحم واللحم، و130 طناً من الشهرة والابداع، أن يقفز فوق النقاقيط الست؟
ج – لا تنس اني كنت كابتن فريق كرة السلة في الجامعة الاميركانية. ولعلك تتذكر اني خاطبت بيار الجميل بـ «السيد» في سياق كلمتي التي القيتها قُبيل انتمائي إلى حزب سعاده، في سينما روكسي بمناسبة تأسيس الفالانج. ولكي لا يأخذ على خاطره وخاطر قبضاياته، ذكّرته بعبارة «من ساواك بنفسه ما ظلمك». فضحك بعد ان فرنسها له جوزيف أبو خليل.
س – لقد اعتبرتُ قفزتك ظاهرة phenomene لأن الادباء المبدعين الذين تخطوا الاربعين، يعتبرون أنفسهم فوق الأحزاب، والذين منهم دخلوا الأحزاب وهم دون العشرين، وكانوا واعدين، أمثال صديقك أدونيس، طاروا بعد ان ريشوا؟
ج – الله لا يمحقك. الذين يعتبرون أنفسهم فوق الأحزاب هم تحتها بملايين الكيلومترات. والآن جاء دوري لطرح الأسئلة: هل تعلم اني كتبت لادونيس دزينة رسائل حيث نصحته في احداها بالكف عن «المنيرا» في مقالاته في الجيل الجديد أو القديم الدمشقية، ومقدمة ديوانه العظيم قالت الأرض حيث أكدت فيها ان الديوان فجر يطارد ليلاً؟
س – اما المقدمة، فقد طارت برفقة نصف صفحات قالت الارض حين طار الشاعر الكبير من النهضة التي دخلها شاعراً واعداً. ولكني أعدت نشر مقدمتك في كتابك غبار البحيرة. واما الرسائل، فقد سمح لي بتصويرها، وقد نشرتها في كتاب مستقل عنك عنوانه سعيد تقي الدين في الحزب القومي، جزء 2، وأعدتُ نشرها في كتاب لك عنونته «يدي الى قلبي» التي تذيل بها رسائلك. وبالمناسبة ما رأيك لو حورت للجمهور البعقليني شرحك المشبرح لمصطلح المنيرا كما فعل صديقك اسكندر الرياشي عندما وصفك بالغزال حين تبخرت ثروتك نتيجة مكرماتك؟
ج – كدت أقول لك أنك بحاجة لشوية رذالة لتصير ادمي. ولكني تذكرت أمرين يجيزان لك تخفيف كمية الدهن في المصطلح. الأمر الاول اني لم أنشره على الملأ حين نحتّه، كما نشرت رفة الجناح: أفصح ما تكون القحباء… وانما ضمنته رسالة خاصة لرفيق صديق. الأمر الثاني، ان بعض جمهور الحاضرين في بعقلين ربما يشبه أحد ضيفيّ الذي نسيت اسمه ولم أنس انزعاجي من عشقه للياقات الشكلية في اللبس واللقش وطقطقة القاف. ولأن البعض الاخر يشبه الضيف الاخر الشاعر الزجلي خطار بو ابراهيم الذي تخطى المظاهر وسبر غور الجواهر. لذلك، يمكنك ان تشرح المصطلح بحيث لا أطلع vulgaire لدى هؤلاء، ولا ابو عفيف كريدية لدى أولئك.
س – ما رأيك لو حورت الـ foot note التي شرحت بها مصطلح المنيرا، لتصبح: أدونيس بلا شمدصة وأكل هوا ؟
ج – جان بلا منيرا! اتستعير كلمة هوا من اسكندر الرياشي الخنشاري المتزحلن، وتغض الطرف عن كلمة حزا، وانت في عاصمة الدنيا بعقلين التي اخترتها دار مولد؟
س – عرفنا المصطلح، هلا أخبرتنا وقائع زيارة نقيب الزجالين خطار بو ابراهيم وصديقه؟
ج – حين عدت من الفلبين في ربيع 1948 بطبل وزمر على حد تعبير عرابي في الحزب الأمين عبدالله قبرصي، وهو يقصد سيل المقالات ورفات الاجنحة التي نشرتها في بيروت وبيروت المساء والصياد والصحافي التائه، واحتلت الصفحات الأولى من تلك الدوريات.. زارني العديد من الزملاء والأدباء، ومنهم الشاعر خطار بو براهيم الذي استظرفته، ورفيقه الذي استغلظته خصوصا حين شعرت انه منزعج من عدم ارتدائي كل ثيابي خلال استقباله، فكيف وانا استقبله بالقميص والكلسون. كانت زيارتهما اسبوعية. في الاسبوع الخامس، فتحت الباب، ففوجئت، أو بالأحرى لم أفاجأ، عندما وجدت خطار لوحده. سألته عن صاحبنا، فقال، وهو يضحك، انه قرر الغاء زياراته، لانك لا تستقبله بالسموكن، وحاولت اقناعه بأن ما يهمنا من ساخر بعقلين المِن فوق رقبته وليس المِن تحت زناره. ولكن عبثاً نفلح البحر! أجبته: شفت يا خطار احدى حسنات استقبالي الشمادصة الجهاجهة بالقميص والكلسون؟
س – على سيرة مقالاتك التي مهدت لعودتك من الفلبين بعد 23 سنة اغتراب – لن أقول انتشار ولو علقت مشنقتي – اخبرتني العصفورة انك كنت ترفق بعض مقالاتك بحوالات. وكان فرح سعيد فريحة واسكندر الرياشي وعبدالله المشنوق بالحوالة، يوازي فرحهم بالمقالة. ولكن محي الدين النصولي شذ عن القاعدة.. فهل لك ان تكشف السر؟
ج – لقد كشفه كاشف الاسرار نقيب الصحافة الراحل وأمير النثر اسكندر الرياشي، عبر مقال جاد – ساخر عتب فيه علي لأني بعثت الى صاحب جريدة بيروت محي الدين النصولي حوالة بمائة دولار اميركاني وهو الذي لا يعرف عدد البنايات التي يمتلكها في بيروت.. وعتب، في الوقت نفسه، على النصولي الذي أعاد الحوالة إليّ بدلاً من تحويلها اليه، بقوله: نحنا شو قاعدين نعمل هون!
س – في كتابك الجديد سقط سهوا مقال بعنوان دروبي الموحشة أعدت نشره نقلاً عن مجلة الاحد لنقيب الصحافة الراحل رياض طه في غرة تشرين الثاني 1953، تقول في مسك ختامه «سنتحدث على صفحات الأحد في كل أسبوع». ولكن المقالة الاولى كانت الاخيرة، فما هو السر؟
ج – السر يكمن في «مجزرة الأصدقاء» بعد الانتماء وفي طليعتهم عبدالله المشنوق وسهيل ادريس.
س – ولكن طه هو الذي نشر لك بيان الانتماء اضافة الى عدة مقالات ورفّات أجنحة؟
ج – وهو أيضاً الذي نشر غسيلي على صنوبر جريدته «الكفاح العربي» التي أصدرها بعد توقف مجلته «الأحد» عن الصدور.
س – تقصد، حين نشر لمندوب جريدته خبر خروجك من منزل السفير البريطاني ودخولك البنك البريطاني وترك لخيال القراء استنتاج سببَيْ الخروج والدخول؟
ج – يبدو أنك قرأت الخبر في مجلد جريدة «الكفاح العربي» !
س – بل قراته في مجلد الانسان الذي له عينان واذنان والاسمه انسان على حد تعبيرك.
ج – الله يمحقك، أحياناً اسلوبك غامض.
س – في العام 1977 توجهت الى نقابة الصحافة لأكحل عيني بمقالاتك التي نشرتها في «الاحد» قُبيل انتمائك وبُعيده. كان النقيب طه فرحاً لدرجة انه تولى شخصياً حمل المجلدات ووضعها بتصرفي وقال لي: بعد ان تعثر على كل مقالاته، اتولى تصويرها فوراً.
ج – هذا واضح، أكمل واختصره..
س – وفيما انا أفتش – لن أقول أقمش ولو غضب المطران الحلبي جرمانوس فرحات والشيخ البيروتي عبدالله العلايلي – عاد النقيب وأوصاني بك قائلاً: سعيد أديب مبدع قد لا يوجد مثيله كل مائة عام.
ج – مائة عام فقط ؟ الله يمحقه!
س – ثم عاد مرة ثانية يدعوني الى مكتبه لأشرب فنجان قهوة بن خفيف، ويروي لي وقائع الخبر المفبرك. وحين سألته عن غضبك الساطع منه، ضحك وأجاب: يا ليته غضب. فقد تلفن لي، وسألني عن صحتي وصحة جريدتي واكد اشتياقه لي مردداً عبارة خلينا نشوفك، ولكنه ختم بلمعته السعتقية: على فوقة، أنقل لمندوبك المتجول شكري العميق لتغطيته زيارات لم أقم بها.
ج – من رفّات الأجنحة التي احتلت المرتبة الثانية في لبنان بعد الرفة التي تمحورت على فصاحة الادمية، تلك التي تنص على ما حرفيته: اذا اردت ان تقتل انساناً فاطلق عليه اشاعة لا رصاصة. وقد نسيت ان أشكره على مساهمته مع زملائه من باعة الفحم، – لسعيد مقالة بعنوان الصحافة بياعة فحم كالسفاح فكتور عواد الذي كان يحترف بيع الفحم ويمارس هواية قتل زبائنه – على شائعاتهم التي أوحت لي بالرفة، ولم تنجح في اغتيالي رغم انها افعل من تلك الرصاصة التي اغتالت رياض طه.
س – لقد طبعتُ مسرحيتك «المليون الضائع» التي عثرت عليها في أرشيف ابنة أخيك السيدة جمانة تقي الدين صعب بعد ان أصدرت توأمها «المنبوذ». فهل تدعو الله لمحقي، باعتبار أنك نبذتها حين أصدرت «المنبوذ»؟
ج – الله يمحقني.. ليس فقط لأني لم أطبعها، بل أولا لأني أتلفت ثاني مسرحياتي «قضي الأمر» التي لعب فيها الرئيس تقي الدين الصلح دور «الكعب» الفكه وأضحك الحاضرين من غير أن يزكزكهم.
سؤال أخير: أتوجّه بعد قليل إلى عاصمة الدنيا بعقلين، أولاً لأشرب فنجان قهوة سكر خفيف عند ابن أختك سامي الذي لعب دور الجندي المجهول في الندوة التي ستقام في المكتب الوطنية بدعوة من منفذية الشوف ويشارك فيها مع رفع الألقاب: نضال الأشقر، زهير فياض، أمل تقي الدين فياض، إكرام الأشقر، جميل راجح، غازي أبو كامل والداعي. فهل من كلمة سعتقية للمنتدين في بعقلين التي اخترتها دار مولد؟
جواب غير أخير – الله يمحقك ما أفصحك!
س – لماذا؟
ج – لأني لست بحاجة إلى ساعي بريد لبعقلين التي اخترتها أيضاً دار تقمص.