هل يسير لبنان على خطى مصر؟

هتاف دهام

يتفق الخبراء الاقتصاديّون على أن الأزمة الاقتصادية التي مرّت وتمرّ بها جمهورية مصر العربية هي أزمة ذات جذور سياسية. وعلى الرغم من ضخّ صندوق النقد الدوّلي 12 مليار دولار أميركي في الاقتصاد المصري، وعلى الرغم من المؤشرات الإيجابية، يُعاني الاقتصاد المصري من تضخمّ هائل يرفع من أسعار السلع الأساسية بشكل كبير. وهو نتاج أمرين بحسب الباحث الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة: الأول تراجع الجنيه المصري والثاني رفع الدعم عن السلع الأساسية.

بعد أن كان سعر صرف الجنيه المصري يُقارب الـ 2.8 جنيه للدولار الواحد، أصبح اليوم بحدود 16.3 مع قمّة وصلت إلى 20 جنيه للدولار الواحد، يقول عجاقة لـ»البناء». وإذا ما أضفنا على هذا التراجع في العملة سحب الدعم عن المواد الأساسية مثل المحروقات والمواد الغذائيّة، فإن الارتفاع في الأسعار وصل إلى مستويات عالية في تشرين الثاني 2018 مع 18 تضخم! واليوم ومع رجوع مستوى التضخم إلى 7.5 في شهر آب من هذا العام، إلا أن هذا الأمر جعل من ثمن البضائع ترتفع أكثر من 400 خلال سنة!

الضغوط المالية والنقدية التي يتعرّض لها لبنان والسوق السوداء التي ظهرت على الدولار الأميركي، تطرح السؤال عن مدى تشابه الواقع المصري مع الواقع اللبناني، وإذا ما كان لبنان سيشهد ارتفاعاً بالأسعار كما في مصر؟

يقول عجاقة: نعم، هناك أوجه تشابه بين لبنان ومصر، لكنها أوجه تشابه سياسية ومالية لا نقدية أو اقتصادية. فعلى الصعيد المالي تُعاني مصر من عجز في موازناتها رغم أنها بلد مُنتج للغاز. فالفساد المُستشري في مصر يمنع الدوّلة من الاستفادة من قدراتها المالية كاملة، يضيف عجاقة. أمّا سياسياً فهناك شبه غياب كامل للثبات السياسي مما يُفقد المستثمرين الأجانب ثقتهم بالاقتصاد المصري رغم أن عائدات الاستثمارات في مصر من الأعلى عالميًا نظراً إلى ديموغرافية هذا البلد مع ما يُقارب 100 مليون شخص. وبالتالي، فإن الطلب الداخلي هائل ويكفي الاستثمار في مصر من دون مُشكلة تصريف الإنتاج.

أما لبنان فيعاني أيضاً من عدم ثبات سياسي كبير، حادثة قبرشمون خير دليل وإن كان بعض الحكماء نجحوا في تطويقها ، أضف إلى ذلك الفساد المُستشري والذي يأكل من مال الدولة ويمنع من الاستثمار الأجنبي المباشر من القدوم إلى لبنان. وفي ما خص الديموغرافية، فإن عدد سكان لبنان هو 4 ملايين، يضاف اليهم 1.5 مليون نازح سوري و500 ألف لاجئ فلسطيني. لذا لا يُمكن المقارنة بين الدوّلتين، إلا أن وجه المقارنة، بحسب عجاقة، يصحّ في حالة الاستيراد المفرط الذي يقوم به لبنان والذي يبلغ سنويًا أكثر من 20 مليار دولار أميركي! وبالتالي، أي استثمار في لبنان يطال البضائع التي نستورد مثلها، ستكون عائداته مرتفعة جدًا.

الاختلاف أو أوجه عدم المقارنة بين لبنان ومصر هي على الصعيد الاقتصادي والنقدي، يؤكد عجاقة. فمصر اقتصاديًا دولة شبه صناعية مع قدرات زراعية كبيرة، وقلّة الأجور في مصر تجعل من البضائع المصرية بضائع ذات تنافسية في الأسواق الإقليمية ومنها السوق اللبناني. ويبقى أن عدد السكان المُرتفع وهيكلية الاقتصاد غير كافية على استيعاب اليد العاملة المصرية التي بنسبة كبيرة جدًا منها يد عاملة شابة، وهذا الأمر يدفع بالعديد من الشبان المصريين إلى الهجرة إلى الدول العربية للعمل.

أمّا لبنان، فاقتصاده شبه ريعي، فصناعاته ومنتوجاته الزراعية ضعيفة، وهي حتى غير كافية لسدّ حاجة السوق. أضف إلى ذلك أن الاقتصاد اللبناني يُعاني من نقص حاد في الاستثمارات الأجنبية المباشرة بسبب الواقع السياسي اللبناني. وتأتي مضاربة اليد العاملة الأجنبية لتزيد من صعوبة الوضع اجتماعياً، يقول عجاقة.

وعلى الصعيد النقدّي، المقارنة بين لبنان ومصر لا تصح من ناحية أن القطاع المصرفي اللبناني هو قطاع مُتطوّر جدًا كما أن المصرف المركزي يستخدم أدوات نقدية لم يستخدمها المصرف المركزي المصري. وحتى إذا قرّر استخدامها، فهي بحاجة إلى ثقة المجتمع الدولي بها، بيد أن حاكم البنك المركزي رياض سلامة استطاع الاستحصال على هذه الثقة منذ وقت طويل. ويُمكن القول إن القطاع المصرفي اللبناني وبمعزل عن أداء الدولة اللبنانية ما زال يستقطب الودائع بشكل كبير على مثال الوديعة الأخيرة بقيمة 1.4 مليار دولار أميركي مما يعني أن المجتمع الدّولي لا يزال يثق بالقطاع المصرفي اللبناني.

في مصر، كان المصرف المركزي المصري، يُعاني من تآكل احتياطاته بالدولار في بداية الأزمة قبل أن تتخذ السلطة السياسية في مصر قرار طلب مساعدة صندوق النقد الدولي الذي تعهّد بمساعدات بقيمة 12 مليار دولار أميركي. أما في لبنان فالمصرف المركزي اللبناني ورغم وضع المالية العامّة، لا يزال يزيد احتياطه. وهذا أمر جوْهري نظراً إلى أن تراجع الاحتياط هو مؤشّر أساسي في عملية الثبات النقدي.

على كل الأحوال، يبقى أن الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان سيئ نظراً إلى غياب الإصلاحات الأساسية لا سيما في قطاع الكهرباء والجمارك. وبفرضية عدم القيام بإصلاحات على هذا الصعيد، فإن الطريق التي سلكتها مصر، سيسلكها لبنان وهذا أمر محتوم. لذا يتوقّع من الحكومة اللبنانية أن تُسرع في إجراء هذه الإصلاحات حتى لا تكون التداعيات الاجتماعية بابًا لـ»ربيع» لبناني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى