مَن يضع حداً لأزمة النظام السياسي في العراق؟
إبراهيم العبادي
شهد العراق تظاهرات دامية خلال عهد ما بعد صدام، منذ عام 2009، ابتدات بما سُمّي بتظاهرات الكهرباء، لتنطلق بعدها تظاهرات الخدمات عام 2011، ثم تظاهرات 2015 – 2016 التي اقتحمت البرلمان وأسقطت رمزيته مروراً بحراك البصرة السنوي لغاية تشرين الاول الحالي.
وفي كل هذه التظاهرات كان يحدث صدام مع القوات الأمنية ويسقط ضحايا من الطرفين، وتتعطّل مصالح الناس وتدخل البلاد في حالة هلع وخوف وفوضى أمنية ويهرب المستثمرون على قلتهم وتخرج رؤوس الاموال من البلاد وأكثرها فاسد أنتجه الاقتصاد الموازي المافيوي.
وفي كل هذه الأحداث كان رد فعل الطبقة السياسية انتهازياً وفوقياً ومتعالياً، فهي لا تعترف بالخطأ ولا تقرّ بالتقصير، وتسعى لركوب الموجة الغاضبة عبر تشكيل لجان للتحقيق، أو استبدال بعض الوزراء، وتعليق جلسات البرلمان أو تعطيلها دون إقرار بفشل النظام السياسي وتعمق أزمته البنيوية، بل تسعى بعض الأطراف السياسية لاستثمار غضب الناس وإحباطهم بزيادة المناكفة السياسية وتسخين الخطاب الإعلامي وتحميل مسؤولية الفشل للمسؤول التنفيذي الأول رئيس الوزراء .
هكذا كانت تجري الأمور، ولم تعدم القوى الحاكمة المسوغات التي تجعلها لا تنتبه الى أصل المشكلة وأساس العطل الذي يحرض الناس على الخروج المسالم والعنيف. ففي كل مرة تُلقى المشكلة على عاتق تحريض خارجي وتدخل دول الجوار وجيوش السفارات الالكترونية وصراع المدنيين ضد الدينيين، وبقايا حزب البعث، وناشطي العلمانية ضد الإسلام السياسي.
إن التعامي عن الجذر الأساسي الذي كان يشعل غضب الناس وهو عجز النظام عن حل المشكلات المعقدة وتدوير القضايا والوجوه التنفيذية وتبديد الأموال الطائلة واستفحال الفساد والمحسوبية والاستيلاء على المال العام بالقوة والحيلة. كل ذلك جعل النظام السياسي يمارس التمويه ويستبدل وجوهاً بأخرى، دون ان يمس التغيير العلاقات الزبائنية بين اهل السلطة واهل المال وجماعات السلاح وحيتان الدولة العميقة، وتوظيف علاقات الولاء مع الجيران للبقاء في السلطة والاستيلاء على مواقع التربّح والثراء منها، لقد تسمّمت بنية النظام السياسي الى درجة لم يعد ممكناً علاجها، وبات رئيس مجلس الوزراء رهين القوى التي تتوافق على منحه الثقة، ثم تحاصره برجالات يسيطرون على مفاتيح الحل والعقد والقرار السياسي والاقتصادي والإداري والعسكري، ومستشارين يعيشون أوهامهم وهواجسهم ومنهجهم العبقري في معاينة الأمور وتحليل التحديات والأزمات وتشخيص علاجاتها، وفي كل مرة يصل صوت المطالب الجماهيرية الى مستوى إراقة الدماء، تظهر المعالجات الترقيعية للأزمة، ويمارس الساسة الانتهازيون دور المرشد والموجّه والناصح وراكب موجة الإصلاح والدفاع عن مصالح الجمهور المحقة، والأعم الأغلب من الطبقة السياسية لم يعد جديراً ولا مؤهلاً لاقتراح الحلول وتقديم الاستشارات.
الحقيقة المرة أن أزمة النظام بنيوية وأن مؤسساته صارت عالة على الشعب والدولة، الحل يكمن في إعادة النظر بقانون الانتخابات وبتنقيح الدستور وتعديله وإلغاء الامتيازات غير المشروعة، واجتثاث جذور المحاصصة الحزبية، ومخالب المكاتب الاقتصادية، وقوى الابتزاز المسلح والنفوذ المالي.
إن بقاء البنية التي أنتجت هذا النظام العاجز والمترهل، يعني الغاء التفاؤل بنجاة العراق من مشاكله المعقدة والمتراكمة. الحاجة ضرورية ومصيرية الى نظام سياسي وأحزاب ووجوه غير التي ألفناها وسمعنا خطابها وحلولها. فالمشكلة في منهج التعامل مع المشكلات أي في العقل السياسي الذي لم يمتلك الوعي الجاد ولم يحسن قراءة المشهد ولم يعِ عمق الأزمة، ولم يتعلّم من دروس الأيام.
إصلاح النظام السياسي هو بداية الحل وليس المزايدات السياسية.
يُنشر بالتزامن مع صحيفة الصباح العراقية اليوم