رفع الثقة بالحريري من الإمارات..
روزانا رمّال
في الوقت الذي تتوجه فيه الانظار حول محاولات جدية لإسقاط رئيس الوزراء سعد الحريري أبرزها من محيطين فيه من تياره وخارجه ممن يعتقدون انه سلم البلاد الى حزب الله وحلفائه، توجه التركيز بالامس نحو زيارة الحريري الى الإمارات العربية المتحدة والحفاوة التي حظي بها لبنان من المسؤولين الإماراتيين وهم الذين لم يتأخروا عن بث رسائل الثقة بالاقتصاد اللبناني وإمكانية إنعاش ما وصلت اليه الامور من انهيار.
يجزم مصدر سياسي متابع لزيارة الحريري لأبو ظبي لـ»البناء» ان الإمارات العربية المتحدة حسمت امرها في شأن وديعة مصرفية خاصة بلبنان سيعلن عنها قريباً جداً. والحريري وضع في أجوائها منذ فترة عبر دبلوماسيين إماراتيين وما هي الا مقدمة سيتبعها الإفراج عن هبات سعودية – خليجية مقبلة. وبهذا الإطار يؤكد المصدر ان «السبب في هذا الحسم هو منعاً لوقوع البلاد سياسياً واقتصادياً بيد قوى اقليمية ابرزها إيران في الوقت الذي تجد فيه بعض القوى الساحة خالية تماماً لطهران وحلفائها، لكن هذا السبب ليس هو السبب الوحيد، بل ان الرغبة في العودة الخليجية من البوابة اللبنانية تحمل في طياتها نفحات من تقبّل حجم التغيير المقبل على المنطقة الذي يفترض القبول بالتسوية الرئاسية الحالية التي يتشارك فيها عون والحريري مع خلفية وجود نافذ لحزب الله».
الاكيد ان الخيارات التي تحمل اي قلب للمعادلة السورية قد انتهى وأن الخليج مقبل وبحماس واضح حيال إعادة الإعمار في سورية. الامر الذي يعني مزيداً من تعزيز حضوره في لبنان. فالملف السوري الذي كان بيت قصيد الخلاف والتباعد الحاصل بين اللبنانيين هو في الأساس الركن الاساسي الذي اخذ نحو انقسام عمودي اقليمي حيال لبنان أفرغ منه الحضور الخليجي فيه وتدهورت على أثره العلاقات مع كل فريق لبناني مؤيد للرئيس السوري بشار الأسد وعلى أن دمشق تتوجّه نحو مرحلة من التفاوض بترحيب عربي كشفت عنه الممكلة العربية السعودية بدعمها اللجنة الدستورية، فإن لبنان لن يكون خارج هذا الفلك العربي، بل هو يعيش اليوم تحديداً مرحلة انتقالية قوامها التمهيد للدخول في مشهد تعود فيه سورية الى الجامعة العربية من الباب العريض. وما مبادرة الامين العام للجامعة العربية للسلام على الوفد السوري في نيويورك إلا اعتراف بشرعية مَن يمثلون سورية وهي الدولة السورية الحالية.
الأهم اليوم ان الحريري نجح بالحصول على ثقة الإماراتيين رغم الالتباس الحاصل حياله، وما يلومه عليه بعض المقربين لجهة تأمين مساحة هادئة لحزب الله وحلفائه يؤكدون من خلالها الفوز بالانتخابات النيابية بأكثرية غيّرت وجه البلاد صار الحريري جزءاً منها وليس صانعاً للأدوار فيها، لكن وبالمقابل تدرك الإمارات برؤيا اكثر عقلانية أن الحريري هو ضمانة الحضور الخليجي في لبنان لأنه من غير المؤكد إمكانية استبدال الحريري بأي اسم آخر يتم قبوله لبنانياً بعد تغير ميزان القوى السياسي في مجلس النواب، وبالتالي فإن التطبيع مع الحريري مطلوب هو الآخر.
المشهد من الزاوية الإماراتية هو استكمال لنموذج قيادي في الخليج تحجز له مكانة واضحة بين الدول الخليجية يسمح لها بلعب دور مقبول ومرحّب فيه لبنانياً من دون ان يكون ذلك متاحاً للسعودية التي كانت رأس حربة في السنوات الماضية في انقسام المشهد السياسي لقوى عرفت بـ 8 و14 آذار تبدو اليوم غائبة عن السمع بالكامل لصالح التغيير الجديد الذي عبره الحريري بامتياز.
تدرك الإمارات أهمية الدخول من البوابة اللبنانية والتوسع بدعم بيروت من جهة، لكنها من جهة أخرى تؤكد مسارها الذي سلكته منذ أشهر في حماية امنها الاستراتيجي الذي تمثل بلقاءات مع مسؤولين إيرانيين لتنظيم وبحث الامن في مياه الخليج. وهو الشوط الأصعب والذي سبقه تقدم نحو سورية لإعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق عبر استئناف أعمالها وها هي الخطوة الاقتصادية نحو لبنان تحسب في رصيدها كدولة سبّاقة في تأمين أرضية تكرّس سياساتها وتعزّز حضورها.
ينتظر اللبناينون أن تكون الآمال التي وعد بها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري وما وصفت بـ»إعلان طيّب» بعد لقاء ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد أن تكون أخباراً جدية وهي بدأت بإعلان وكالة الأنباء الإماراتية «وام» أن « الإمارات سمحت لمواطني الدولة بالسفر إلى لبنان اعتباراً من اليوم». وهي خطوات لا شك في أنها ستمكّن لبنان من خلالها الخروج من هذه الأزمة الكبيرة التي يعيشها عبر ضخ امل جديد ان الثقة في هذا البلد ليست معدومة كما يُشاع. وهذا ما أكد عليه وزير الاقتصاد الإماراتي بقوله امام الحريري «نؤمن أن لبنان لديه القدرة ليصبح قوة اقتصادية صاعدة في المنطقة ونحن على استعداد لنكون شركاءكم في ذلك»..