ماذا لو انسحبت الولايات المتّحدة من سورية؟
عامر نعيم الياس
رفعت قوات الاحتلال الأميركي في سورية الغطاء عما يسمّى قوات سورية الديمقراطية في منطقة الشريط الحدودي السوري التركي، وبدأت عملية الانسحاب من تل أرقم في ريف رأس العين، مانحةً الضوء الأخضر للاحتلال التركي بالتوسع في سورية في إطار عمليةٍ عسكريةٍ تبدو حتى اللحظة مرحلتها الأولى تشمل كلاً من رأس العين وتل أبيض، من الواضح أنّ العمل العسكري التركي لن يقف عند منطقة واحدة، ولم يكتفِ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بالتوقف عند مدينتين، بل هو يجيّر العملية العسكرية في سياقين الأول، داخلي يتعلق بصراعه من أجل الحفاظ على موقع حزب العدالة والتنمية في السلطة، والثاني، يخصّ سورية وما يمكن أن تحصّله أنقرة من أيّ تسوية سياسية في سورية.
صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية نشرت قبل يومين، في تعليقها على احتمال قيام تركيا بعملية عسكرية في شرقي الفرات، مع فشل اتفاق المنطقة الآمنة الموقع في 7 آب الماضي، «من المحتمل أن تدفع الخطوة إدارة ترامب إلى سحب حميع القوات الأميركية من سورية لتجنّب أيّ صراع»، ما ذُكر ليس نابعاً من صراع أجنحة فقط داخل الإدارة الأميركية، فرفع الغطاء عن وحدات الحماية الكردية في الشريط الحدوي ليس قراراً يُستهان به، وهو يشكل ضربةً كبرى لطموحات بعض الأكراد التي تتكرّر تاريخياً بالانفصال عن البلد الذي استقبلهم، واليوم يأتي الدور على سورية، حيث أدّى الحلم الكردي الانفصالي من مجموعة من النازحين الذين استقبلتهم سورية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي إلى تقديم الشريط الحدودي السوري التركي على طبقٍ من ذهب للرئيس التركي أردوغان. وهنا يحق لنا أن نضع احتمال الانسحاب الأميركي الشامل من سورية في الحسبان، خاصةً أنّ الرئيس الأميركي ألمح قبل أشهر إلى إمكانية ملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي من قبل الأتراك، وهو بذلك يراهن على وقف شهر العسل الروسي التركي في سورية، وفرز الجبهات، بمعنى أننا بتنا في مواجهة مناطق سورية محتلة بالكامل تحت السيطرة العسكرية التركية المباشرة أو غير المباشرة، من إدلب في شمال غرب سورية، إلى بعض مناطق ريف حلب في شمال سورية، وصولاً إلى شرق الفرات، وهذا الأمر يضع الدولة السورية في مواجهة مباشرة متعدّدة الجبهات مع تركيا تستلزم توزيع القوات بين شمال غرب، وهي موجودة أساساً، وشمال شرق، وصولاً إلى أرياف دير الزور ومناطق حقول النفط والغاز في حال الانسحاب الأميركي منها ، وهو أمر يتطلب القيام بخطوات عاجلة لمواجهة المعطى الجديد، فاليوم نحن لسنا أمام خيار استكمال إدلب والالتفات إلى شرق الفرات وفق منطق الأولويات السائد، فالعدو واحد إنْ حصل الانسحاب الأميركي، وحتى في حال لم يحصل فإننا اليوم أمام تغيّر في المشهد في الشمال الشرقي، يتعلق بحيثية رفع الغطاء عن الأكراد الذين راهنوا بكلّ ما لديهم للابتعاد عن الدولة السورية، وبالتالي فإنّ التحرك العسكري الميداني اليوم، في ظلّ الصمت الروسي عن الخطوة التركية في شرق الفرات، وعدم وجود رغبة في كسر مسار أستانا وسوتشي، مع تشكيل اللجنة الدستورية، وتجميد عملية إدلب بانتظار تنفيذ تركيا التزاماتها، هذا التحرك يجب أن يستند على استعادة السيطرة الكاملة على مدينتي الحسكة والقامشلي التي تسيطر القوات الكردية الانفصالية على غالبية أحيائهما، وقطع الطريق أمام تمتين التمركز الكردي فيهما بعد خسارة الشريط الحدودي، هذا التمركز الذي ربما يدفع الأكراد في لحظة رهانٍ إضافيٍ على واشنطن لمواجهة الدولة السورية في المدينبتن الحيوتين في الجزيرة السورية.
كما أنّ مدينة منبج يجب أن تكون في صلب أولويات الجيش السوري وذلك لأهميتها الاستراتيجية، فالمدينة مركز اقتصادي يربط مدينة حلب بالمنطقة الواقعة غرب نهر الفرات، وكذلك بالمنطقة الواقعة شرق النهر أيّ الجزيرة السورية، وقطع الطريق أمام وصل النفوذ التركي في شمال سورية. دون إغفال الخنق الذي مارسته وحدات الحماية اقتصادياً على سورية الدولة والشعب بالسيطرة بالوكالة على حقول النفط والغاز الحيوية في محافظة دير الزور.
إنّ الوضع المعقد في شمال سورية الشرقي والغربي، والتنافس الدولي على كسب ودّ تركيا، والالتزامات التي تضبط إيقاع وأولويات الجيش العربي السوري، لا تلغي هامش المناورة أمام الوضع المتغيّر نتيجة غياب الاستراتيجية الأميركية الواضحة وتقلبات الرئيس ترامب الذي يبدو أنه قرّر عدم خوض المواجهة المباشرة، وترك المنطقة أمام استحقاقات مختلفة ومعقدة.