الامتحان الصعب
المهندس خالد الرواس
يعيش لبنان اليوم حالة من انعدام الوزن على الصعد كافة، وبالأخص على المستويين الاقتصادي والمالي، وذلك بسبب طبيعة نظامه السياسي الطائفي الذي يجعل منه بلداً غير قابل للإصلاح، ولو ظنّ البعض بعكس ذلك، فانعدام مرجعية القرار السياسي المركزي في هذا البلد، وانعدام وسائل التغيير فيه، قد وضعه في مهبّ التجاذبات السياسية التي أرهقت اقتصاده بفعل عوامل الفساد والمحسوبيات والمحاصصة، المتجذرة أساساً في الإدارة، بما يجعل التوافق حول مسألة الإصلاح في لبنان مشكلة بحدّ ذاتها، لن يتمكّن هذا الطاقم السياسي الحاكم، بكلّ مكوّناته، من أن يتخطّاها، ليس لأنه لا يستطيع، بل لأنه لا يريد، لكونه المسبّب الأساسي في حصول الفوضى السياسية والاقتصادية والعجز الحاصل في الاقتصاد والمالية العامة للدولة، بسبب إصراره على تغييب الهوية الوطنية الجامعة من جهة، ولانعدام الكفاءة السياسية والاقتصادية في إدارة شؤون البلد من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة، لاستمرار رهان كلّ طرف من أطرافه على أجندة خارجية بوجه الأطراف الأخرى، طمعاً بمكاسب فئوية ضيقة، من شأنها أن تلغي إمكانية التوصل الى تفاهمات داخلية تساهم في عودة الاستقرار على الصعد كافة.
انّ لبنان كان ولا يزال يشكل خاصرة رخوة لسورية، بسبب الخلل الحاصل في بنيته السياسية منذ نشأته، فقد عجز اللبنانيون على مدى العقود الماضية – في بناء دولتهم في ظلّ غياب مفهوم موحد للمواطنية، لتمسكهم بنظام طائفي استعماري منذ العام 1920، وقعوا في فخه، فبدأوا بتسويقه منذ ذلك الحين، على أنه مفتاح الحرية والتعايش، فعاشوا تداعياته وإخفاقاته، وظهرت نتائجه على النحو البائس الذي وصلنا إليه اليوم، وبعد أن تنكّروا لطبيعة وأهمية العلاقة الأخوية مع سورية وموقعها الجيوسياسي، والتي طالما شكلت على الدوام، الحاضنة الأساسية للكيان اللبناني.
فقد أظهرت سورية خصوصاً خلال فترة الأحداث – نموذجاً فريداً في تمسك السوريين بوطنهم فدولتهم، وليس العكس، فكان هذا، سرّ صمود سورية وتخطيها المؤامرات، الأمر الذي ينبغي على اللبنانيين التوقف عنده، لتحديد أولوياتهم ولأخذ العِبَر، ولو بعد مرور قرنٍ على «إهدائهم» دولة تحت مسمّى «دولة لبنان الكبير» لكي يبنوا وطناً في ظلها، في معادلةٍ معكوسة أنتجت هويات متعدّدة بعدد الطوائف، بما عطّل عملية البناء، لأنّ الإجابة على سؤال «أيّ لبنان نريد» كوطن – لم تتوفر حتى الساعة، فلا الدولة بُنيت ولا الوطن استقرّ.
ولقد شكلت الأعوام 1920 و 1943 و 1948 و 1958 و 1967 و 1970 و 1973 و 1975 و 1982 و 1989 و 2000 و 2006، محطات متراكمة أظهرت هشاشة النظام السياسي اللبناني في قدرته على استيعاب أحداثها، سلباً أو ايجاباً، فأدّى هذا العجز إلى استفحال الداء الذي أوصل لبنان اليوم الى حالة مَرَضيّة يصعُب معها بل ربما يستحيل – التعافي منها أو تدارك عواقبها في المستقبل القريب أو المنظور، خصوصاً مع استمرار تحكّم الطبقة السياسية الحالية بمقاليد السلطة، هذه الطبقة لا تريد إزالة عوامل العجز والتخلف في الدولة، عبر تطبيق دستور الطائف، خصوصاً لجهة إلغاء الطائفية السياسية وإقرار قانون عصري غير طائفي للانتخابات، إضافة الى إصدار قانون لاستعادة الأموال المنهوبة، وتفعيل أجهزة الرقابة في الدولة، وتحريك النيابات العامة المالية، وتسليح الجيش بما يمكّنه من حماية الحدود الجنوبية مع الكيان الغاصب، لكي لا يبقى كحرس حدود لإسرائيل – وذلك خوفاً من خسارة امتيازاتها الفئوية الخاصة على حساب المصلحة الوطنية العليا، الأمر الذي يضع لبنان اليوم أمام امتحان صعب، تبقى الإجابة بخصوصه مرهونة عبثياً بضمير السياسيين أصحاب السلطة والنفوذ، والاّ بالظروف وبالتطورات وبموازين القوى الخارجية التي من شأنها أن تفرض طريقاً داخلياً ربما، أو مرحلياً، للخلاص.