«تحالف الأمل» و«مبدأ نيكسون»: هل تقبل السعودية بالشراكة؟
عامر نعيم الياس
لا تعمد إيران إلى رمي أوراقها دفعةً واحدة، ولا تعتمد سياسةً قائمةً على المواجهة فقط، وهي لا تغلق أياً من السبل الدبلوماسية الأخرى لإدارة أمن الإقليم، هكذا يمكن رؤية إيران الإسلامية التي تتحدث دوماً عن «الشيطان الأكبر»، دولةً تجيد اللعب والمناورة على الهوامش الدبلوماسية المتاحة والتي تتوسع يوماً بعد يوم مع بناء عوامل القوة الذاتية الإيرانية.
هل نتوافق مع السياسة الإيرانية في المنطقة بشكلٍ كامل؟ وهل المقصود هو الترويج لها؟ بالطبع لا، هناك ملاحظات واعتراضات ليست بالقليلة على العديد من الملفات التي تمس المنطقة، لكن الدبلوماسية الإيرانية نشطة ومنفتحة على المجموعة الدولية من موقع قوة، وهذا هو الفرق بين طروحاتها وطروحات الآخرين.
في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة طرح الرئيس الإيراني حسن روحاني فكرة «تحالف الأمل» و«مبادرة سلام لمضيق هرمز» تشمل كامل الدول المتشاطئة عليه، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فهل تتحرك المملكة، وهل يعدّ الطرح الإيراني الفرصة الأخيرة للتعايش بين المحورين المتصارعين في المنطقة منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، وماذا عن علاقة المبادرة مع مبدأ نيسكون الذي طُرح لملئ الفراغ الناشئ عن الانسحاب البريطاني من الخليج العربي عام 1973؟
نشير إلى أن مبدأ نيكسون يقوم على الاعتماد على المملكة السعودية وإيران «كشرطيي الخليج» حيث يتولى «أصدقاء الولايات المتحدة مسؤولية حماية أنفسهم، وإيران قادرة على توفير الحماية لكل إمارات الخليج العربي»، هذا المبدأ كان في الوقت الذي كان فيه التحالف مع إيران الشاه متقدماً على التحالف مع السعودية استناداً إلى قدرة إيران الأكثر تفوقاً في الجانبين الأمني والعسكري وحتى الجغرافي، لكن لم يكتب لهذا المبدأ النجاح، واليوم يتم التعويض عنه «بتحالف أمل!»، فهل تلتقط السعودية هذا الطرح؟
مما لا شك فيه أن الظروف تغيّرت في المنطقة بشكلٍ كامل، والقوى الإقليمية لا تقبل اليوم أن تكون مسيّرة بشكلٍ مطلق من جانب القوى الكبرى، فضلاً عن تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة، وحتى فقدان الدول الكبرى الأخرى الأوروبية القدرة على فرض تسوياتها في ما يخص الشأن الإقليمي، وتحديداً أمن الخليج، خاصةً بعيد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران الموقع عام 2015، ويمكن رفد هذه الاستنتاجات من سلسلة أحداث وتطورات أهمها:
أولاً، الموقف الأميركي من الهجوم على آرامكو، هذا الهجوم الذي يحسب لصالح المحور الذي يضم إيران بين جنباته وقول وزير الخارجية الأميركية «مايك بومبيو» حرفياً إنه «يفضّل الرد غير العسكري» على إيران.
ثانياً، التطورات العسكرية الأخيرة في اليمن وفي صلبها أيضاً الهجوم على آرامكو، وعملية «نصر من الله» داخل نجران وأسر مئات الجنود والمزتزقة من القوات السعودية، وتراجع الإمارات عن القتال في الصفوف الأولى في اليمن، وهذا التراجع ليس مجرد قرار إماراتي بحت، على الرغم من يقيننا من الردع الذي بات بحوزة «أنصار الله» في اليمن والذي يخيف دولة بحجم الإمارات.
ثالثاً، الوساطة الفرنسية بين إيران والولايات المتّحدة، والتي على الرغم من فشلها على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتّحدة، إلا أنها لا تزال قائمة وباعتراف الإيرانيين أنفسهم، وهي تفتح الطريق لحوارٍ مستقبلي بين إيران والولايات المتّحدة إن أرادت الأخيرة ذلك.
رابعاً، التطورات في مجمل الإقليم من العراق إلى سورية مروراً بلبنان واليمن وحتى الكيان الصهيوني، التي تجعل التعايش الذي كان قائماً بين المحورين المتصارعين في الشرق على شفا هاوية، ولا بد من الوصول إلى صيغةٍ جديدةٍ قبيل انفجار الموقف.
خامساً، محاولة الصين إطلاق مباردات إقليمية ودولية مشابهة لمبادرة الرئيس الإيراني تركز على الربط بين آسيا وأوروبة وأفريقيا دون الاعتماد على القيادة الأميركية للعالم.
مما لا شك فيه أن النفوذ الأميركي لم يعد كما كانت الحال إبان «مبدأ نيسكون» وعلى الرغم من التشابه في الشكل العام للطرح بين مبادرة الرئيس الأميركي آنذاك، ومبادرة الرئيس الإيراني حالياً، إلا أن نقطة الافتراق في ما يخص الدور الأميركي هي المقدمة لبناء عالم جديد متعدد الأقطاب، يؤسس لمساكنة من نوع جديد بين الدول الإقٌليمية، فهل تتحرك الرياض وتنزع فتيل المواجهة غير المتكافئة التي ستحرق الخليج، وهل يعي «محمد بن سلمان» أن الجغرافيا هي علم المساكنة.