أين كنتَ؟
عندما كنتُ.. هناك؟
منذ زمن.. ما لامس.. حبك شغاف قلبي..
وما أصاب وابل عطائك.. أو طلّ منه..
أرض احتياجاتي..
منذ زمن.. ما لملمت يداك بقايا الشعر عن عيني..
وما داعبت.. أطراف أناملك.. شفاهي..
منذ زمن.. ما نادى شوقك.. صدى الوله..
في جنباتي..
وما أعلن الوداد عن الرغبة في عناقي..
حتى باتت أيامي.. حبلى..
بأشواق لقائك..
وساعاتي.. ثكلى.. بفقدك..
وأنت جواري..
أطير كفراشة حرة.. في أركان وجودك..
أتنقل بين قسمات ملامحك.. وأجزاء عباراتك..
قد أقف على أنفك.. أو أتسلل إلى كلماتك..
ثم أطير برقة تثير كل من حولي..
إلا أنت.. لا تراني..
لا تبصر طيفي.. وكأن حفيف أجنحتي..
لا يداعب مطارق مسامعك..
وكأن صخب ألواني.. لا يصرخ بقوة حضوري..
مبعثراً في أرجاء حضورك..
حتى الصغار.. ثاروا لرؤيتي..
وطاردوا.. ظلالي..
لعبوا.. مع ألوان مرحي..
صنعوا.. برسمي.. جمال المكان..
وأنت هنا.. وهناك.. تقبع في زاويا أركاني..
تعدو بأفكارك.. تطير بمخيلتك..
تسبح على شطآن أحلامك..
ولكن.. بعيداً عني..
منذ زمن.. وأنا أسجل.. حضورك الغائب.. في دفاتر وجداني.. وأحسم عليك.. لحظات الحنين إلى بقائك..
حتى بات الفتور ملازماً.. الرغبة في لقائك.. والبرود.. لا ينفك عن مصادقة الشوق إليك..
وأنا في أوج قمتي.. وانتشاري.. أعيش في رحاب عزتي… أتربّع على أرض كبريائي..
والكل يرنو إليّ.. يطلب وصالي..
حتى لم تعد أكبر اهتماماتي..
ولا بؤرة انتصاراتي..
فأوقاتي مشحونة بقضايا شتى.. ودقائقي الكثيرة لم يبق فيها متسعٌ.. للقليل من حبك..
وبعد زمن.. غير بعيد.. تنتبه من غفوتك.. تستيقظ على صدى وجودي..
تبحث عني.. تتحسس أطراف ثوبي.. تشمّ بقايا عطري.. تنهب الأرض جرياً خلف آثار أقدامي..
تلهث.. وتلهث.. ورائي..
ثم تجدني هناك.. في الأعلى.. متشحة ثوب القمة..
أرنو بطرف بصري إليك.. أرمي إليك.. أطرافاً من خصلات شعري.. لتلمسها.. وتلمسها بإعجاب..
وفجأة.. تهب رياح ناعمة باردة..
تداعب وجهي وشعري.. وتطيّر خصلات شعري..
من بين يديك..
وأنت مازلت.. واقفاً فاغراً فاك..
مشدوهاً إليٌ.. بإكبار..
تحلم بعودتي..
بظلال رسمي..
على أرض واقعك..
وأنا..
وسؤال.. وقف حائراً..
يتردد.. على منبر شفاهي..
أين كنتَ؟
عندما كنتُ.. هناك؟
ميساء الحافظ