الخجل اللبناني والدور العربي المفقود
د. رائد المصري
بهدوء… هي علاقة تبادلية نفعية بين المافيات المنتشرة بقوة وحماية المؤسسات الطائفية والدينية وبين السّلطة الحاكمة والقابضة على رقاب الناس منذ العام 1992 تاريخ أول مؤامرة في تقديم الأضاحي الشعبية للرأسمال المعولم الناهب والسارق والمعمّم ثقافة الفساد والسّمسرات، فلن يشفع ويحمي الشعب اللبناني من الإذلال الذي يمارسه بحقّهم هؤلاء الفاسدون والسارقون والمحتكرون ومعهم بعض رموز السّلطة وأدواتها الطيّعة بيد الحاكم المصرفي الأميركي. فهم طبقة واحدة لهم شركاؤهم وممثّلوهم في الحكم المشوّه. فهذه السّلطة التي تقدر على استيراد النفط والقمح والدواء عبر مؤسّسات الدولة لكسر احتكار الشركات الخاصة تبدو عاجزة عن هذا الخيار، رغم الوعود الفارغة بالتنطّح لتحمّل مسؤولياتها، بسبب أنّ هذه الطبقات الحاكمة بأغلبيتها هي صورة وشكل لهذا النموذج العالمي في تركيب الحكّام والنّخب السياسية وجعلهم كأدوات تنفيذية أو قل موظّفين من الفئة الأولى لدى النّظام المالي العالمي المعولم والروتشيلد الأميركي الجديد، فهم غير قادرين على انتهاج واتخاذ سياسات استقلاليّة بالحدّ الأدنى لخدمة شعوبهم التي كوتها منظومات الاحتكار المعمّمة وتوسّع دوائر الفساد في كلّ القطاعات الاقتصادية العاملة في الدولة.
وبحكم هذا المنطق صارت المافيات المنتشرة في لبنان والعراق مثلاً كبلدين تتشابه فيهما منظومات اللادولة والفساد أقوى من الدولة ورموز الحكم، لأنّها تحتكم وتستند الى الخارج الأجنبي وتستمدّ قوّتها من هذا الحاكم الفعلي والمايسترو الحقيقي في الإدارة المالية والبورصة والاحتياطي النقدي والذهبي وقوّة العملة الوطنية واستيراد السلاح والتسلّح وقوة الجيش وسائر الأجهزة الأمنية. وأيّ قرار فيه الحدّ الأدنى من ممارسة الأصول السيادية لأيّ حاكم مهما علا شأنه فمصير قراراته سيكون حتماً في سلّة المهملات تبعاً لما يمليه مبعوثو الإدارة الأميركية ومندوبوها الساميون والماليون والمراقبون لحسن سير وتنفيذ السياسات الأميركية والغربية على حساب الشعب ومن قوته وعرقه.
إنها إجراءات مقصودة لمسؤولين في الحكم يبدو أنّهم مرتبطون بالخارج ويشكّلون مع مافياتهم أدوات ابتزاز وسرقة، وأيّ معالجة لوقف الهدر ومحاسبة المرتكبين سيهدم الهيكل على رؤوس الجميع. فماذا يعني كلّ ذلك من تصريحات لمسؤولين كبار في الحكومة اللبنانية؟ ألن تكون هذه التطوّرات وتراكم الأحداث التي تذلّ المواطن في كلّ يوم فيها الأسباب الكفيلة بإشعال ثورة حقيقية؟
ـ رغم إجراءات المصارف والحاكم المركزي لمصرف لبنان ومعالجته لأزمة الدولار تبدو غير مكتملة وتتوسّع المضاربات وينتشر السماسرة أكثر في الأسواق.
– أزمة جديدة تتعلّق بالقمح والخبز وأصحاب الأفران وتهديداتهم بالإضراب بسبب شحّ الدولار.
– أزمة البنزين والمحروقات ومخازن الاستيعاب والدفع بالدولار الذي لم يعالج إلاّ ظرفياً.
– إجراءات الموازنة ومحاولة تمرير ضريبة عشوائية ومضرّة بأخذ حسوم من العسكريين في الخدمة الفعلية والمتقاعدين بغير وجه حق. وهو ما يعدّ سرقة علانية، وهذا يدفع للاندماج والتكامل بين الفريقين العسكري في الخدمة ومن هو متقاعد للوقوف في وجه السّلطة التي يصفونها بالجائرة.
– إجراءات وزارة الداخلية بحقّ الفانات العاملة على المازوت وتعطيل الناس وقطع الطرقات… والسؤال: إذا كان هؤلاء مخالفين فلماذا انتظرت الدولة الى اليوم لتقوم بحجزهم، فكلّ محضر ضبط وحجز بقيمة 3 ملايين ليرة لبنانية، حيث تمّ حجز 80 فاناً للأجرة في يوم واحد.. فما الهدف من كلّ ذلك التضييق؟ ضبط الهدر والميزانية؟
هناك من يريد من أهل الحكم والحلّ والربط إسقاط الدولة وليس السّلطة أو النظام… والتضييق على الناس التي كفرت في معيشتها، فلا تنتظروا الخارج ليركب موجاتها وتتّهموها لاحقاً بالارتباط بأجندات تآمرية.
الأساس من هذه الاستهدافات المالية والعقابية هو رأس المقاومة التي انتصرت في لبنان والمنطقة. وتقييد حركة ودور رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون، لمواقفه من سورية وأزمة النازحين وضرورة إعادة العلاقة بين الدولتين، لنجد المفارقة الغريبة في دنيا العرب اليوم وهم يتداعون لاجتماع الجامعة العربية بغية إدانة الغزو التركي للأراضي السورية من دون أن تدعى سورية لملء مقعدها على الأقلّ، وهذا يوضح أجندة بعض الزعماء العرب وخبثها ومكرها، فليس القصد الإدانة والحرص على سورية بقدر ما هو التصويب على نظام الحكم التركي وأردوغان لاعتبارات إيديولوجية باتت واضحة ويعتبرها السعودي والمصري في المقام الأول ضرورية في هذه المرحلة لتقليص الدور التركي الإخواني الذي تقدّم كثيراً على الحلبة العربية والسورية وتراجع قبالتها دور كلّ من الرياض والقاهرة. فنحن هنا أمام البحث عن أدوار إقليمية وأوزان عربية بالحدّ الأدنى هي مفقودة وضعيفة أو غير صالحة لهذه المرحلة، وإلاّ لكانت دمشق في عمق العمل العربي المشترك وفي استعادة الدور الإقليمي وهي التي تشكّل الظهير والسّند الحامي للدور العربي السعودي ومعه المصري، فمن دون سورية لا دور لأيّ بلد عربي وازن في الإقليم، ومن دون سورية ستبقى سطوة وسيف الإخوان مسلطين على رقاب النظام الرسمي العربي رغم تعفّنه وتكلّسه، ومن دون سورية سيضعف وهج القضية الفلسطينية وتتآكلها مافيات السلطة وموجات المستوطنين.
لا يجب أن يحكم من الآن فصاعداً إلاّ الجرأة في استكمال الصمود، فكما ظهر خطاب وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في الجامعة العربية حاسماً حول سورية وأزمتها ودورها، يتوجّب إقران هذا الخطاب بعمل حقيقي حكومياً وشعبياً صوب سورية في معالجات لأزمة النازحين القاتلة اقتصادياً، وإجراءات فتح الحدود وتفعيل العمل اللبناني السوري الرسمي علانية ودون مواربة أو خوف من الأميركي والأوروبي، ويجب فتح البلد مالياً واقتصادياً من دون الالتفات لما يريده الأميركي ومفوّضوه الساميون في مراقبة الحركة المالية والمصرفية. وهذا يتطلب تطهير الأزلام والمحاسيب وكاتبي التقارير الإستخبارتية للأميركي عن حال الأوضاع الإقتصادية وملاءة البنوك اللبنانية وكشف داتا المودعين لديها أمام الأجنبي، لأنّ شرايين حياة الناس قد سدّت وانقطعت بهم سبل العيش الكريم.
لا تخافوا من الأميركي وغطرسته رغم امتلاكه مفاتيح القوة الدولارية وحركة المال العالمية، فهو يتعاطى بحسب الأمر الواقع المتاح، فضعوه تحت الأمر الواقع وافتحوا البلد وأعيدوا شرايين الحياة المالية إليه ولا تنتظروا إشارة الغرب ووزارة الخزانة الأميركية. فهذه الخطة فيها مصلحة لكم أيّها الحكام، وفيها مصلحة للشعب ولضرورة العلاقة بين لبنان وسورية كمنطلق ودافع للعمل العربي المشترك وللدور الإقليمي المتكامل الذي بدأ في معبر البوكمال ولن ينتهي بالحوار الإيراني السعودي لفرض واقع أمني في منطقة الخليج وحركة الملاحة فيها…
أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية