بوتين: نؤيد التوصل إلى تسوية سياسية ودبلوماسية طويلة الأجل للأزمات وسلمان يؤكد العمل مع القيادة الروسية في جميع القضايا
خلال السنوات الماضية، قطعت روسيا والمملكة العربية السعودية طريقاً طويلاً في مجال تطوير العلاقات الثنائية، من الاستثمارات المشتركة والتعاون في مجال الطاقة إلى المشاريع الثقافية وتخفيف الإجراءات المتبادلة في مجال التأشيرات.
وتعتبر زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض تتويجاً لهذا الجهد الكبير، مع وجود إمكانات أكبر للتعاون اللاحق. ووصل بوتين، أمس، إلى الرياض في زيارة رسمية للمملكة العربية السعودية، وتعتبر هذه الزيارة الثانية للرئيس بوتين، منذ شباط 2007، وستتوّج بالتوقيع على 30 اتفاقاً ومذكرة في مجالات عدة.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن «موسكو والرياض تؤيدان مواجهة التهديدات الإرهابية وحلّ الأزمات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالطرق السلمية». وأضاف بوتين في مؤتمر صحافي في مستهل زيارته إلى السعودية «نؤيد معاً التصدّي للتهديد الإرهابي، من أجل التوصل إلى تسوية سياسية ودبلوماسية طويلة الأجل للأزمات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».
فيما قال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إن «المملكة العربية السعودية تثمن الدور النشط الذي تلعبه روسيا في المنطقة والعالم».
وأشاد العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، بـ»الدور النشط الذي تلعبه روسيا في المنطقة والعالم»، مؤكداً سعي بلاده إلى «العمل مع القيادة الروسية في جميع القضايا».
وقال العاهل السعودي في افتتاح مباحثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الرياض، أمس، «المملكة العربية السعودية تثمّن الدور النشط الذي تلعبه روسيا في المنطقة والعالم»، وأضاف العاهل السعودي، أن «الرياض تسعى إلى العمل المشترك مع القيادة الروسية في جميع القضايا، التي يمكن حلها أن يعزز الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب والتطرّف».
وأعرب العاهل السعودي عن ثقته في «النتائج الإيجابية العظيمة لتنفيذ الاتفاقيات المشتركة في قطاع الطاقة». كما أعرب الملك عن دعمه لـ»التعاون في مجال الاستثمار بين البلدين من خلال صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي».
ووصف العاهل السعودي العلاقات بين البلدين بأنها «ودّية»، مؤكداً أن «المملكة العربية السعودية ستسعى إلى تعزيزها في جميع المجالات».
ميثاق تعاون طويل الأمد في إطار «أوبك+»
من جهة أخرى، وقعت موسكو والرياض، أمس، على ميثاق تعاون طويل الأمد في إطار «أوبك+»، وهو الذي يهدف لبث الاستقرار في سوق النفط العالمية.
وتمّ التوقيع بحضور الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي وصل إلى العاصمة السعودية الرياض أمس، في زيارة استمرت يوماً واحداً.
ووقع ميثاق التعاون من الجانب الروسي وزير الطاقة ألكسندر نوفاك، ومن الجانب السعودي وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان.
وجاء التوقيع على الميثاق، ضمن أكثر من 20 وثيقة تم توقيعها على هامش زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى الرياض.
وصرّح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن «العمل المشترك بين موسكو والرياض في أسواق الطاقة يؤدي إلى تسوية الوضع ويأتي بثماره في العموم».
وقال الرئيس الروسي خلال لقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أمس: «نولي أهمية كبيرة للتنسيق الروسي السعودي للوضع في سوق الطاقة العالمي. فمن خلال المشاركة النشطة لبلداننا، تمكّنا من تمديد اتفاق أوبك+ إنتاج النفط».
وأضاف بوتين: «يهدف تعاوننا يا صاحب السمو إلى تعزيز السلام والأمن في المنطقة وتحقيق الاستقرار في قطاع الطاقة العالمي. وكل هذا يأتي بثمار إيجابية».
كما وقّع الجانبان الروسي والسعودي، بيان نيات بين مؤسسة الفضاء الروسية «روسكوسموس» ولجنة الفضاء السعودية، حول التعاون في تمويل استكشاف الفضاء، ونظام غلوناس للأقمار الصناعية للملاحة العالمية.
وعقد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، قمة ثنائية في الرياض، بحثا فيها العلاقات الثنائية بين البلدين وأهم الملفات الإقليمية.
ويتوقع أن يعزّز هذا اللقاء التاريخي الشراكة المتعددة الأوجه بين البلدين في مجالات صناعة الطاقة والاستثمار والصناعة والزراعة والبنية التحتية والنقل والموارد الطبيعية والتكنولوجيات الحديثة.
وتمّ وضع أساس هذه الشراكة وترسيخها خلال زيارة العاهل السعودي إلى موسكو في تشرين الأول 2017، وهو حدث تاريخي مهّد الطريق أمام البلدين لتعزيز تحالفهما.
تاريخ العلاقات
وكان الاتحاد السوفياتي أول دولة تعترف بمملكة الحجاز ونجد المستقلة، والتي أعيدت تسميتها إلى المملكة العربية السعودية في عام 1932. أقامت موسكو علاقات دبلوماسية مع مملكة الحجاز ونجد في عام 1926، ولكن لاحقاً تم قطع هذه العلاقات في عام 1938 بسبب أزمات داخلية في الاتحاد السوفياتي الداخلية وتغيير سياسة المملكة العربية السعودية لصالح تعاون أوثق مع الغرب.
وتمّت إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفياتي والمملكة العربية السعودية في عام 1991 تبعه اعتراف الرياض بروسيا الاتحادية كخليفة قانونية للاتحاد السوفياتي.
ويذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قام بزيارته الرسمية الأولى إلى المملكة العربية السعودية في شباط 2007، وكانت هذه هي الزيارة الأولى لرئيس روسي إلى شبه الجزيرة العربية.
وظهرت فرص الارتقاء بالعلاقات المتبادلة إلى مستوى جديد في عام 2015، عندما التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبيل الاجتماع السنوي لمجلس خبراء صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي الدولي RDIF. يمثل هذا الاجتماع بداية الاستثمارات في روسيا، والتي لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلاقات الثنائية.
الاستثمارات الثنائية
بدأ التعاون بين البلدين من خلال اتفاقية الشراكة بين الصندوق الروسي للاستثمار المباشر، والصندوق السعودي للثروة السياديّة Public Investment Fund PIF ، التي تمّ توقيعها في منتصف عام 2015، حيث وافق الصندوقان على استثمار 10 مليارات دولار في الاقتصاد الروسي، لدعم مجالات البنية التحتية، والمشروعات الزراعية.
وفي إطار هذه الشراكة الثنائية بين البلدين، فإن الصندوق الروسي للاستثمار المباشر، وصندوق الاستثمار العام السعودي، وافقا بالفعل على تغذية الاستثمارات بما يفوق مليارين ونصف المليار لإنشاء صندوق الاستثمار الروسي السعودي.
وفي إطار هذا التعاون، تمّ توظيف استثمارات بقيمة ملياري دولار من خلال الصندوق الروسي السعودي جرى ضخّها في روسيا عام 2019، ومن المتوقع أن تتضاعف قيمة الاستثمارات الثنائية خلال السنوات القليلة المقبلة، وذلك بسبب نجاح البلدين من خلال مجموعة «أوبك +».
ووفقًا للمدير العام لصندوق الاستثمارات المباشرة الروسي كيريل دميتريف، هناك 20 مشروعاً استثمارياً روسياً – سعودياً بقيمة إجمالية تتجاوز 10 مليارات دولار قيد الدراسة حالياً، وفي أوائل تشرين الأول، زار دميتريف الرياض وناقش دور RDIF في التعاون المشترك بين روسيا والسعودية والاستعدادات للزيارة المرتقبة للرئيس فلاديمير بوتين.
وخلال لقائه مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والوزراء السعوديين، نال دميتريف أعلى جائزة من المملكة العربية السعودية، وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثانية كتقدير لإسهامه في تعزيز التعاون المتبادل.
وقال دميتريف: «إن اللقاء مع قيادة المملكة العربية السعودية وشخصيًا مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود عشية الزيارة الرسمية لرئيس الاتحاد الروسي أظهر إمكانات كبيرة للتعاون بين بلدينا».
واضاف: «أدت الجهود المشتركة للرئيس فلاديمير بوتين وولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى تحوّل كبير في العلاقات الروسية السعودية. يسرني أن أشير إلى أن ليس فقط تعزيز التعاون الاقتصادي، بل وأيضاً التعاون الثقافي سيكون له تأثير مفيد وطيب على سكان روسيا والمملكة العربية السعودية وسيتيح لنا تحقيق الإمكانات الهائلة للتعاون وزيادة عدد المشاريع المشتركة بشكل كبير في المستقبل».
من بين أكثر الأمثلة المذهلة للتعاون المثمر بين روسيا والمملكة العربية السعودية – الاتفاق على خفض إنتاج النفط بين منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك والبلدان غير الأعضاء في أوبك. وتنص اتفاقية «أوبك +»، الموقعة في كانون الأول 2016، على خفض إنتاج 1.2 مليون برميل يوميًا حتى نيسان 2020.
وعلى الرغم من الانتكاسات التي وصلت إلى حد الأزمة في العديد من دول أوبك – بما فيها ليبيا وفنزويلا وإيران – ومحاولات الولايات المتحدة الاستحواذ على حصة المجموعة في السوق، يمثل البلدان دائماً جبهة موحدة في مواجهة التحديات الكثيرة التي تشهدها صناعة الطاقة. ومؤخراً، وعلى هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا اليابانية، في شهر حزيران الماضي، اتفق الرئيس بوتين وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على اتخاذ موقف موحد بشأن مستقبل اتفاق أوبك+ ، حيث قررا تمديد الاتفاق وفق الشروط ذاتها حتى قبل أن تلتئم مجموعة دول أوبك+ في فيينا بشكل رسمي.
من جانبه قال تيودور كاراسيك، المستشار بمجموعة GulfStateAnalytics لتقييم مخاطر الاستثمار بدول مجلس التعاون الخليجي، ومقرّها واشنطن: إن «تقارب الرؤى بين ولي العهد السعودي وبوتين، وتواصل المناقشات بين وزراء الطاقة يظهر أن موسكو والرياض سوف تنسقان بينهما في ما يتعلق بأسعار السوق. إلا أن اتفاق أوبك+ ليس هو ملفّ الطاقة الوحيد الذي يعمل البلدان عليه بشكل مشترك. فعلى الرغم من أن الرياض قد فاتتها فرصها المشاركة في مشروع Arctic SPG-2، فقد أبدت استعداداً لاستثمار نحو 5 مليارات دولار بالمشروع، وقد كان البلدان على وشك التوصل لاتفاق قبل أن يتمّ تعليق المحادثات التي استمرت لعام ونصف. إلا أن الرياض تظل مهتمّة بالاستثمار في مشاريع أخرى مشابهة».
وتدرس السعودية في الوقت الراهن المشاركة في تطوير مصنع للميثانول في روسيا، فيما تبدي الشركات الروسية اهتماماً بالغاً بالمشاركة السعودية في مشاريعها بمجال الغاز المسال.
وتدرس شركة «سيبور» الروسية، المشاركة في مشروع تشييد مصنع لإنتاج المطاط بالسعودية وذلك بالتعاون مع صندوق الاستثمارات الروسية المباشرة وأرامكو السعودية وتوتال الفرنسية وSinopec. وسيقام المصنع في منطقة الجبيل الصناعية.
وقال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك بعد الاجتماع الأخير للجنة الحكومية الروسية السعودية في موسكو في يونيو الماضي: «تدرس الشركة الروسية سيبور المشاركة في بناء مصنع للمطاط في المملكة العربية السعودية».
المبادارات في مجال الفضاء
قامت الصواريخ الناقلة الروسية بنقل أقمار الاتصالات السعودية وأقمار الاستشعار عن بعد في المدار منذ 2000، بينما تعمل وكالة الفضاء الروسية «روسكوسموس» ومدينة الملك عبد العزيز السعودية للعلوم والتكنولوجيا KACST معاً في استكشاف الفضاء واستخدام نظام «غلوناس».
ويعتبر نظام «غلوناس» واحداً من أربعة أنظمة عالمية للملاحة عبر الأقمار الصناعية، كالأنظمة الأخرى مثل نظام «بيدو» في الصين ونظام «جي بي إس» للولايات المتحدة، ونظام «غاليليو»، التابع للاتحاد الأوروبي. ويضم نظام «غلوناس» كوكبة تضم 27 قمراً صناعياً، بما في ذلك 24 جهازاً تشغيلياً.
في اجتماع عُقد مؤخراً للجنة الحكومية الدولية الروسية – السعودية، اعتبر الطرفان المملكة العربية السعودية كموقع محتمل لنشر لمحطات الأرضية GLONASS.
وجاء في الوثيقة الختامية للاجتماع: «أعرب الجانبان عن استعدادهما لمواصلة المشاورات بشــأن آفاق ومجالات المنفعة المتبادلة للأنشــــــطة الثنائية في قطاع الفضاء: الملاحة عبر الأقمار الصناعية ونشر المحطات الأرضية GLONASS في المملكة العربية السعودية».
في وقت سابق من هذا العام أعلن مدير وكالة الفضاء الروسية «روس كوسموس» ديمتري روغوزين، أن روسيا والمملكة العربية السعودية قد وضعتا برنامجًا للتعاون الفضائي. وفي إطار هذا البرنامج ناقش الطرفان بالفعل إمكانية قيام روسيا بإرسال رائد فضاء سعودي إلى الفضاء في رحلة قصيرة المدى.
وأضافت الوثيقة الختامية: «أعرب الجانبان كذلك عن استعدادهما لمواصلة المشاورات بشأن آفاق وأنشطة المجالات الثنائية ذات المنفعة المتبادلة… وقد خلص البروتوكول الصادر عن الاجتماع لإجراء «رحلة فضائية مأهولة والاستعداد لرحلة قصيرة المدى لرائد فضاء سعودي».
كما وتنظر «روسكوسموس» أيضًا للمملكة العربية السعودية، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة والبحرين، كموقع يمكن من خلاله نشر محطة بصرية لنظام الإنذار المسبق الأتوماتيكية التي ستتبع الحالات الخطيرة في الفضاء القريب من الأرض، والتي سيقوم بإدارتها البلدان المعنيان معاً.