العقوبات الاقتصادية إرهابٌ شرعي

ثائر أحمد إبراهيم

لم تكن السلطة التشريعية الرقابية الإرشادية، غير الملزمة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، في أي وقت من الأوقات ذات جدوى في إحلال السلام العالمي، إلا وفق ما ترتئيه القوى المسيطرة على المشهد الدولي في كلّ مراحل عملها.

هذا ما أثبتته وقائع الحال المتردّي للسلام العالمي، وإننا لا نتجنّى على أحد، إذا اعتبرنا أنّ قرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وخاصة تلك التي أوجدت وابتكرت مصطلح الجزاءات الدولية، هي الأكثر إرهاباً في حقيقتها وفحواها، فأسوء القرارات الهدّامة للبشرية، تضمَّنها ميثاق الأمم المتحدة بوضوح في المواد 39، 40، 41، 42، من فصله السابع الذي أعطى صلاحية مطلقة لما يسمى مجلس الأمن لتحديد الجرائم والمجرمين، ثم توصيف الواقعة الجرمية المزعومة وتكييفها بما ينطبق مع تفسيرات الدول المستغِلة للضبابية المكللة لتلك المواد.

إنّ العقوبات الاقتصادية، التي ليس الحظر أولها ولا الحصار أو المقاطعة آخرها وأخطرها، هي إرهاب شرعي يفضي في خواتيمه إلى القضاء على المجتمعات بكليتها ويحولها من مجتمعات منتجة، واهبة، ومشاركة في بناء الإنسانية، إلى مجتمعات مستهلكة تمتصّ النتاج البشري وتشكل عالة عليه.

فما الحظر الذي يعني المقاطعة الاقتصادية الجزئية أو الكلية، وفق ما جاءت به الصكوك الدولية والذي لا يجوز تطبيقه إلا عند وجود عدوان خارجي يهدّد أمن الدول من قبل غيرها، سوى إرهابٍ تفضحه الاستخدامات السياسية عند تطبيقه على من يعارض سياسات القوى المتسلطة في العالم، وكذلك هو الحصار البحري أو الجوي أو البري، إجراءٌ لا علاقة له بالشرعية حتى في نصوص اتفاقيات الأمم المتحدة وباعترافها، وفق ما تضمّنته المادتين الثانية والثالثة من تعريف العدوان الذي أطلقته لجنة الأمم المتحدة الخاصة عام 1974 في قرارها رقم 3314، والأمر ذاته قائم بالنسبة إلى المقاطعة الاقتصادية التي لا تعدو كونها عملاً إرهابياً بلبوسٍ تجاري ترفضه الطبائع الإنسانية الرحمانية.

إنّ الواقع يؤكد أنّ هدف العقوبات الاقتصادية لا يتعدّى كونه رغبة في الإيلام والتشفّي من الشعوب المناهضة للإمبريالية العالمية، فجميع تلك العقوبات إجراءات عشوائية مدمّرة للتنمية البشرية، ولم تكن بهدف الردع كما كان يروج لها، بل لإجبار الدول السيدة في نطاقها على تغيير سياساتها بالمطلق، وبما يتوافق ومصالح وغايات القوى المستبدة.

نصّت المادة 51 من القرار 242 المؤرخ 1997 في فقرتها الخامسة، على أنّ العقوبات الاقتصادية تهدف إلى تعديل سلوك الطرف الذي يهدّد السلم والأمن الدوليين، وليس لمعاقبته أو أذيته، كما نصّت على أنّ فرض تلك العقوبات لا يجوز أن يكون مفتوح المدة، بل لا بدّ من تحديد الفترة التي تفرض فيها، غير أنّ التنفيذ على أرض الواقع، وفق التأويل الفضفاض لمعاني العقوبات، الغالب فيه الجنوح نحو التسييس، جعل هذا التعريف وسيلة للتغطية على الإرهاب العسكري الذي تمارسه قوى البغي متى شاءت.

وفي ظلّ الاستبداد الدولي والإرهاب المغطى بقرارات الشرعية الدولية، لا يجوز لأحد أن يغشّ الشعوب المقهورة ويجبرها على تصديق كذبة سلمية العقوبات الاقتصادية وتجميل ظاهرها المخالف لباطنها غير المحدّد التداعيات، كما لا يجوز أن يخجل أحد أو يوارب، إذا ما قال أنّ العقوبات الاقتصادية الدولية لا تعدو كونها شكلاً من أشكال الحرب ضدّ الإنسانية، لإلحاق أكبر قدر من الأذية بالشعوب ذات السيادة.

إنّ عشرات التفاسير لماهية العقوبات الاقتصادية على اختلاف أشكالها، وبغضّ النظر عن تلطيف أسمائها بين عقوبات تقليدية وعقوبات ذكية، هي أخطر أشكال الإرهاب الدولي سواء أكان اسمها حظراً أم قهراً أم عدواناً أم عزلاً أم حصاراً، فهي المعادل الاقتصادي لما يسمى في المعارك العسكرية القصف الشامل لا أكثر ولا أقل.

وعلى السواء، فإنّ فرض العقوبات الاقتصادية التقليدية التي تستهدف بنيان الدولة ومؤسساتها، أو العقوبات الاقتصادية الذكية التي تستهدف قيادات الدولة المديرة لشؤونها، هو طريقة إرهابية لتدمير الأوطان الآمنة، لا تختلف، إلا في كون الأولى منهما تسحق العظام، أما الثانية فتقطع الأوتار العصبية لجسد الدولة.

إنّ مسؤولية الشعوب أن ترفض بالمطلق هذه الجزاءات الدولية، لما فيها من انتهاك للإنسانية وإحباط للنهضة البشرية في الدول المستهدفة بها في تعليمها ومأكلها ومشربها وبناها التحتية ومستقبل أبنائها وسياساتها وثقافتها.

إنّ العقوبات الاقتصادية الدولية جريمة كبرى يوافق عليها القاتل الباغي والمقتول الساكت عن الظلم الواقع بمن سبقه من مظلومين، وهي، وإن كانت أعلى مرتبة من الاحتجاجات الدبلوماسية وأقل من الحرب الشاملة كما يروج لها، فإنها تبقى اتفاقاً شيطانياً يقوم بين قابيلين أو أكثر ضدّ هابيل واحد.

إنها إفصاح عن حقيقة نوايا القوى المستبدة ودول العالم المُدّعية الحضارة تجاه من يخالفونها، لتقول لهم: لست آبه بكم.

محام

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى