لبنان ينتفض في يومه الخامس: وينيّ الدولة «الغيمة كبرت» وللصبر حدود
اعتدال صادق شومان
إرهاصات عقود من الزمن، فاقت الثلاثين من الأعوام، والناس تحت قبضة الفساد والمفسدين «المكرسون» على رقابهم كحالة قدرية ابتلي بها اللبنانيون ولا مناص منها ولا انفكاك..
حتى جاء الإنفجار الكبير الحتمي للناس، يقودها الغضب، والغضب فقط، المنبلج من أعماق وجعهم وصبرهم ومن يأسهم الذي تسلل الى أعماق روحهم من هذا الطبقة السياسية الفاسدة المتمادية في تحقير الناس، ومش قصة رمانة «واتس اب» ولا قصة قلوب مليانة، بل قصة جيوب مليانة، من كيس الناس ورزقهم ورزق ولادهم.
هذه هي حال اللبنانيين اليوم بمداهم وتعدادهم الزاخر يفيض بهم كل الوطن بتدفقهم العابر للجهات الأربع الخارق للطوائف والمناطق والاصطفافات السياسيّة والحزبيّة، ناس وحّدتهم «المصيبة» فنزلوا الى الشارع في لحظة لم تكن مفاجئة وإن تأخرت إلا أنها فاقت التوقعات. بثورة شعبية عارمة غير مسبوقة بكل المقاييس. تصدّرت المشهد في أرقى صوره رفضاً لسياسة الإفقار والتجويع الممنهج، فانحازت لهم الساحات على وسعها، تنتصر لعيشهم بكرامة، ولاسترداد الحقوق المستباحة بالصفقات الوهمية والسمسرات والتجاوزات القانونية، والأموال المسروقة، ومن المكر على الناس بمحاصصة طائفية ضيقة لحساب الفاسدين على حساب المصلحة العامة..
«نزلوا الكلّ».. على حد سواء من ضاقت بهم الأوضاع المعيشية وصاروا تحت خط الفقر، ومن شباب البطالة، من طلاب الجامعات يتأبطون شهاداتهم العالية امام ابواب السفارات، من العمال العاطلين عن العمل، من كبار السن المتروكين لعجزهم بغير غطاء أمان. الموجودين على أبواب المستشفيات، للمنغصين والمنغصات من أصحاب الدخل المحدود، من أصحاب الأقلام في الصحف المفلسة، نزل المحتاجون كما الميسورون، ومن ومن.. ومن.. وطن بكامله نزل الى الشارع، كل الناس طالها القهر وأصابها الضيق ونغصت عليهم حياتهم وهدرت حقوقهم فاجتمعت قلوبهم بالساحات بصولة ليست ككل الصولات..
بحجم الوجع الكاسح نزلوا، وبحجم المعاناة كانت صرخة «الغضب،» وصيحات القهر، لا يملكون ألا سواعدهم يلوُحون بها في الهواء، فاهتزت لقبضاتهم كل أركان الدولة،… وماجت أساساتها وتصدّعت أعمدتها وكادت توشك على الانهيار من خبط صيحات الناس المهدورة كرامتهم بمذلّة السؤال على أبواب دولتهم، والمستفرد بهم وكل الظن أنهم في ظلّ دولة تحميهم لا تغدر بهم أو تتواطأ عليهم أو تغفل عن الفسادين، فاختلط الأمر على الناس، وما عادوا يعرفون الدولة معهم أو لهم، أم أنها ضدهم ومع الفاسدين، أو «مين مع مين أو ضد مين».. فانبثق الشعار «كلهن يعني كلهن».
و«هالمرة مش متل كل مرة»،… ثورة مختلفة لا تهادن، لا تساوم، لا تتنازل، ذاك زمن مضى، لبنان بعد اليوم.. ليس كما بعده..
والناس لم تعُد على نيّاتها تقبض الوعود وتسمع الاتهامات المتبادلة، التي في مجملها انتهازية على مبدأ «مرقلي لمرقلك» ولم تعد تنطلي عليهم البيانات الفارغة التي لا تعدو لكونها جعجعة بلا طحين لا تُغني ولا تُسمن من جوع.
للناس اليوم صوت واحد «بكفي. انزلوا بقى» حملناكم على أكتافنا وأكتاف أولادنا.. «تعبنا» وما عاد عنا «كتاف» وأنتم لم تكتفوا بعد من تخم الوليمة على أجسادنا وما عدتوا تشبعوا ولا مبين إنكم رح تشبعوا.
شو عملنا معكم من قلة منيح، أوسعنا لكم المطارح أجلسناكم في سدرة بيوتنا ذات انتخابات، يومها صدّقناكم وأودعناكم آمالنا وأحلامنا وأمناكن على البلد فـ»حرقتو سلسفيلنا على سلفسيل البلد»، وصدعتم قلوبنا، و»ضيقتوا علينا الهوا حتى خنقتونا»، و»سرقتونا يا حرامية وبعثرتوا أولادنا» في جهات ابواب السفارات، ليش ولادنا «حيالله» يا «ولاد الكلب»، و»ليك ولادنا مربّيين بكل شبر بندر بدموع العينين»، و»هني أحق بهالبلد من ولادكن». أي «بكيتونا.. وبكيتوا» أمهاتنا و»قهرتوا ولادنا يا ولاد الأفاعي. خليتونا نمدّ إيدنا ليلي بيسوى ويلي ما بيسوى».
«خلص باي باي يا حلوين».. من بعد اليوم الكلمة كلمتنا والموقف موقفنا.. ونحن نحذّركم فصول المواجهة ستبقى مفتوحة، الكشف عن المستور صارت مهمتنا نحن «اي بدنا نراقب أموالنا حتى ما تنهبوها»، سنرصدكم واحداً واحداً و»حرامي حرامي» و»أرطة وأرطة». ونسترجع أموالنا منكن ليرة ليرة.
لن نبقي هذا الوطن منكوباً بكم.. ولن يبقى المواطن مستفرداً به تحت رحمة إجراءاتكم القاسية من ضرائب جديدة على الناس، هي من حصتكم من حصة سرقاتكم، وليست من حصتنا نحن المواطنون. «الدين العام يلي ضرب ثمانين ملياراً وأكثر عليكن مش علينا، المصاري وصلت لإيديكم، لجيابكن، لفجوركم، لفخفخة نسوانكن. لسفراتكم ومأدبكم».
نحن من شفنا من هالمديونية الا المعيشة الشائكة والبطالة، لا «ما في شي ماشي. لا مي شربنا ولا كهربا قشعنا، ما منعرف إلا واقع مؤلم ومرير وتوالي الأزمات، منّام على التهويل ومنوعى على الأهول، ما تركتوا أزمة تعتب عليكن. أزمة تنطح أزمة، تلاعبتم بكل شي، بسعر صرف الدولار وبالبنزين، بثمن الأدوية من حتى خبزنا مسّه فسادكم».
أيها المارقون. لقد طفح الكيل. ستبعثركم الثورة شرَّ بعثرة. ورشاقتكم الثقيلة عاجزة عن مواجهتنا بين كرّ وفرّ.