ورقة الحكومة الاقتصادية:احذروا السمّ في الدسم
كمال ديب
انتبهوا أيّها الناس إلى ما يقدّمونه لكم على أساس أنّه
تنازلات وإصلاح، فيما هو في حقيقة الأمر سموم في قطعة الكاتو أو في كوب الشراب.
هناك مكر وتزوير في سلسلة الخطوات التي أعلنتها الحكومة أول أمس. وهي بالتالي لن تؤدّي إلى تنفيذ الحدّ الأدنى من المطالب. وهنا قراءة مختصرة لبعض ما يجب الحذر منه مع أنّ المطالعة المستفيضة تحتاج إلى كتاب.
1 ـ أخطر ما جاء في لائحة الخطوات الحكومية هو الإعلان عن بيع مصالح الدولة بالجملة وإقفال مؤسسات. بينما المطلوب بالعكس أيّ تكبير حجم الدولة لتخدم المواطنين والقضاء على الفاسدين داخل الإدارات. الورقة أعلنت أنّه سيتمّ بيع الأصول العامة كلياً او جزئياً، شركتي الخلوي وبورصة بيروت وطيران الشرق الأوسط وشركة الشرق الأوسط لخدمة المطارات ومؤسسة ضمان الودائع وشركة سوديتيل وكازينو لبنان وشركة انترا ومرفأ بيروت وإدارة حصر التبغ والتنباك ومنشآت النفط الخ… وكذلك بيع عقارات الدولة.
لقد ناضل الشعب وناضل معه الأخيار قبل عشرين عاماً لمنع حكومات رفيق الحريري خصخصة مؤسسات الدولة وبيعها لأشخاص يريدون السوء بلبنان وشعبه. والمساجلات تملأ الكتب بين الرئيس إميل لحود ورفيق الحريري حول بيع الخلوي والميدل إيست إلخ… ومنطق لحود كان أنّ مدخول هذه المؤسسات يكفي لسدّ العجز ولماذا بيعها، بل يكفي إصلاحها وضرب الفساد داخلها.
2 ـ أما إعلان الورقة إحياء مشروع «أليسار» في الأوزاعي وردم البحر «لينور» في ساحل المتن الشمالي لاكتساب عقارات جديدة واستثمارها من قبل المحظيين، فهذا هو السمّ الرخيص بعينه لأنّ «أليسار» و»لينور» هما «سوليدير 2» و»سوليدير 3»، أيّ إمبراطوريات عقارية لحيتان المال. أمّا تشريع احتلال الأملاك البحرية والنهرية ومخالفات البناء فيعني أنّ «شرش» الحياء قد طقّ فعلاً. والمطلوب أن ينزل الجيش ويضع يده فوراً على كلّ الأملاك البحرية والنهرية التي وضعت حيتان المال يدها عليها بتسهيل كبير من أهل السلطة.
3 ـ وتقول الورقة الحكومية إنّ مصرف لبنان سيساهم بمبلغ 3 مليارات دولار في الفوائد المستحقة على الدين العام، وهذه كذبة كبيرة لأنّ مصرف لبنان لا يقوى سوى على طبع العملة أيّ ضخ 4500 مليار ليرة في السوق ما يؤدّي إلى تضخم الأسعار وضرب الاقتصاد. ثم أنّ المبلغ سيسدّد للبنوك اللبنانية التي تملك سندات خزينة الدولة. أيّ أنّ مصرف لبنان سيغذّي بهذه العملية أرباح المصارف على حساب الشعب بينما المطلوب أن تقوم هذه المصارف بنفسها بمسامحة الدولة وشطب الفوائد أو الدين لأنّ استحقاقات الدين العام تلتهم ثلث الموازنة الحكومية.
4 ـ وتعلن الورقة شطب 1400 مليار ليرة من الإنفاق الاستثماري. وهو مخصّص للبنية التحتية والمرافق العامة، وكذلك تخفيض 70 بالمئة من موازنات مجلس الإنماء والإعمار وصندوق المهجرين ومجلس الجنوب. إنّ إنفاق الدولة الاستثماري يعادل 5 بالمئة من الموازنة وشطبه يؤدّي إلى أذية المواطنين والاقتصاد. أمّا تخفيض موازنات الصناديق فهو خدعة، لأنّ المطلوب إزالتها نهائياً وربط نشاطاتها بوزارات تخضع لمراقبة البرلمان وديوان المحاسبة.
5 ـ ثم كيف يستفيد المواطن عندما تلغي الحكومة دعم الكهرباء وتخفّض الإنفاق من 2500 مليار ليرة الى 1500 مليار ليرة؟ فلينتبه المواطن إلى أنّ هذا الإجراء يعني خفض ساعات التغذية الحالية من 15 ساعة إلى 10 ساعات يومياً ولجوء المواطنين أكثر إلى المولّدات الخاصّة. وهذا يعني أنّ فاتورة الكهرباء سترتفع إلى 150 أو 200 دولار.
6 ـ وتقول ورقة الحكومة إنّها سترفع الضريبة على أرباح المصارف استثنائياً لسنة واحدة فقط ما يحقق إيرادات للموازنة بقيمة 400 مليون دولار. هذه الضريبة لسنة واحدة يجري تقديمها كتضحية من أصحاب البنوك والمطلوب أن يصدر مدّعي عام الدولة قراراً بإلقاء القبض على أصحاب المصارف ليعيدوا إلى الدولة أكثر من 60 مليار دولار شفطوها مع كبار المودعين منذ 1993. ويكفي أن نذكر أنّ ما يسمّى «هندسات» رياض سلامة عام 2016 فقط منحت المصارف 6 مليارات دولار أرباحاً فورية فوق أرباحها العادية.
التظاهرات لا تصوّب فعلاً إلى ما يجب إسقاطه: دولة المحاصصة الطائفية ومغارات الفساد ومحميات اللصوص.