ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة ليست عسكرية فقط
ناصر قنديل
– يخشى الكثيرون من المؤمنين بالمقاومة أن يتحول الحراك الشعبي إلى منصة لاستهداف المقاومة. وهذه الخشية من محاولات الاستخدام والتوظيف تستند إلى خبرات ومعلومات ووقائع كثيرة لا حاجة لذكرها، لكن السؤال حول قدرة أصحاب هذا المشروع على الفوز به شيء مختلف عن وجود المشروع وتسخير إمكانات إعلامية ومالية وتنظيمية واستخبارية لإنجاحه، وما يصحّ في البلدان التي لا وجود للمقاومة فيها لا يصحّ حيث للمقاومة تاريخ عريق وبعد شعبي عميق، وجذور راسخة في الوجدان الجمعي للبنانيين يجعلها بمنأى عن الخطر، وسيكتشف كل مَن يحاول تصعيد خطاب بحجم التأشير على المقاومة بصفتها مصدر الأزمة وعنوان الاستهداف أنه يفقد صدقيته في الحراك، أو يدفع بالحراك للجفاف الشعبي ويصير الانفضاض من حول الحراك إذا صعدت عناوين تستهدف المقاومة تحصيل حاصل، ولذلك تصير المبالغة بالتحذير من هذا الخطر كتجاهل وجوده سيفاً ذا حدّين.
– الخشية الثانية الواقعية أيضاً هي سعي بعض الذين يتربصون بالمقاومة ويرون في الحراك منصة مناسبة لاستهدافها، هي تحويل الحراك إلى رافعة لتوريط الجيش في وحول السياسة، كالدعوات لانقلاب عسكري وحكومة عسكرية، ومناشدة قائد الجيش إعلان البلاغ رقم واحد وإلقاء القبض على السياسيين لسحب أموالهم، ويراهن أصحاب هذا الطرح على تصادم مفترض بين الجيش والمقاومة، وهذا رهان وهميّ قد يتردّد صداه في الساحات وترتفع الأصوات تنادي به بحثاً بريئاً عن حل بعصا سحرية، أو ترداداً لمقولة مشبوهة مدبّرة، لكنه لن يتعدى بصداه حدود أمتار من مصدره. فالجيش خليط الشعب اللبناني بتكوينه جنوداً وضباطاً، وفي لبنان درجة الوعي السياسي في الجيش ومستوى الثقافة وتقدير المسؤوليات، وفهم ضمانات وحدة المؤسسة العسكرية وصلتها بحدود مسؤولياتها، تكفي للثقة بأن ما بين الجيش والمقاومة عميق جداً وكبير جداً، أنتجته سنوات من التكامل في الأدوار في حماية لبنان بوجه العدوان والاحتلال والإرهاب، وليس في الثنائي العسكري الذي يصنع قوة لبنان من يفكر بغير تعميق التعاون والتناغم.
– يظنّ البعض أن ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة هي ثلاثية عسكرية فقط. وهذه الأزمة فرصة لإدراك أنها ثلاثية إصلاحية. فالناس التي تردّد شعار كلن يعني كلن كي لا تتهم بالتحييد والتمييز وتتم دعوتها لتحييد وتمييز موازيين، تدرك ان الجيش والمقاومة فوق الشبهات، وأنهما السند للشعب، ويقومان بما عليهما، وأن الساحة الآن للشعب ليقوم بما عليه، ويتكامل معهما. فالمقاومة التي هدّدت لأجل الإصلاح بالنزول بمؤيديها وشارعها إلى الساحات وجدت في الشعب الموحّد فوق الطوائف ضالتها، والجيش الذي عانى من الظلم والافتئات على حقوق عسكرييه وجد في الشعب صوته. والآن الجيش يحمي الحراك لكنه معنيّ بحفظ الأمن لكل اللبنانيين وفتح الطرقات أمام تنقلهم، وهنا سيسعى البعض لجعله خصماً بعدما كانوا يعتبرونه خلاصاً قبل أيام، فينكشفون ويسقطون. والمقاومة تضغط على الحكومة لتلبي بعض مطالب الشعب، ولا تطلب من الشعب تأييدها، بل الضغط لتطبيقها، ولو عبر التشكيك بصدقيتها. والمسيرة الطويلة التي ستجمع الشعب والجيش والمقاومة مؤسسة على ثقة عميقة في وجدان الأطراف الثلاثة، التي لن يفرّط أحدها بشريكيه، مهما كانت الخطط وأيًا كان المخططون.