لقاء بكركي حذّر من تحويل الانتفاضة حركةً انقلابيَّة: لبدء رئيس الجمهورية بمشاورات بشأن المطالب

دعا اللقاء الروحي المسيحي الموسّع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «المؤتمن على الدستور إلى البدء فوراً بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات الملائمة بشأن مطالب الشعب»، منبّهاً إلى «أن استمرار شلل الحياة العامة في البلاد سيؤدي إلى انهيار مالي واقتصادي ما يرتد سلباً على الشعب».

وكان مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان وبمشاركة بطاركة ومطارنة أرثوذكس، عقد اجتماعاً طارئاً في بكركي أمس، للبحث في الأوضاع التي تمرّ بها البلاد على وقع استمرار الاحتجاجات.

وصدر عن المجتمعين بيان تلاه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، شدّدوا فيه على وجوب «مواكبة التطورات منعاً لانزلاق البلاد إلى مآل خطير»، مؤكدين للشعب أن «الكنيسة لطالما وقفت إلى جانبه واحتضنت حاجاته، وهي تلتزم بطاقاتها ومؤسساتها تقديم المزيد من الخدمات، وأن ما يشهده لبنان هو انتفاضة تستدعي اتخاذ مواقف تاريخية وتدابير استثنائية لأن المسكنات لا تمر بعد الآن».

واعتبروا أن «الشعب لم يكن لينتفض لولا لم يصل إلى حدّه الأقصى ، و الدولة لم تعالج الأوضاع بالجديّة اللازمة، بل أمعنت في الفساد حتى انتفض الشعب، والواقع المتفجّر يفرض علينا جميعاً التوقف أمام الوضع ومعالجة أسبابه».

وحيّوا «الشعب المنتفض»، وأبدوا تقديرهم وتضامنهم مع انتفاضته السلميّة، معتبرين أن «هذا الشعب أظهر انه موحّد أكثر من قادته وأعطى الدليل على الحياة الوطنية، وأن شعب لبنان جسّد المحبة والشراكة».

ولفتوا إلى أن «هذا الشعب بعث برسالة تتخطى الانقسامات الطائفيّة والمذهبيّة ليطالب بدولة مدنية يقرها أصلاً الدستور»، ودعوا إلى «احتضان انتفاضة ابنائنا وحمايتها إلى ان يتجاوب الحكم و الحكومة مع مطالبها، ومنها حكم ديمقراطي وحكومة ذات صدقية وقضاء عادل وحياد عن الصراعات وتطبيق اللامركزية وبسط الشرعية لا سواها، واستعادة الأموال المنهوبة بقوانين نافذة، وتوفير الضمانات الاجتماعية لمختلف أنواع الناس، وهذه أبسط الحقوق بعد 100 سنة على إنشاء لبنان».

كما دعوا السلطة إلى «معرفة حجم الحدث للحفاظ على لبنان، ولا تتعاطى معه على أنه حدث عابر، ولاتخاذ خطوات جديّة وشجاعة لإخراج البلاد من هذه الأزمة، واعتماد الحوكمة الرشيدة، فبئس دولة تخاف شعبها ونُخَبَها»، ودعوا رئيس الجمهورية «إلى البدء فوراً بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرار المناسب بمطالب الشعب»، منبّهين إلى أن «استمرار الشلل في البلاد قد يؤدي إلى الانهيار … وقد حان الوقت كي تلبي الدولة المطالب المحقة».

ودعوا الشعب المنتفض في لبنان وفي بلدان الانتشار، إلى المحافظة على نقاء تحرُّكه وسلميّته، وأن يمنع أيّ طرف من أن يستغلّ صرخته ويحوّلها حركةً انقلابيَّة، ويشوّه وجهها الديمقراطيّ». كما أكدوا أنه «بعد أسبوع من هذه الانتفاضة الشعبيَّة المستمرَّة التي جسّدت حريَّة التعبير»، لا بدَّ أيضاً من احترام حريَّة التنقّل للمواطنين لتأمين حاجاتهم ولا سيَّما الصحيّة والتربويّة والمعيشيّة والاقتصاديّة، فيبقى الرأي العامّ محتضناً هذه الانتفاضة».

وفي هذا السياق، دعا المتظاهرين إلى التوافق فيما بينهم على مَن يُحاور باسمهم مع المراجع المعنيَّة للوصول إلى حلول ناجعة. وثمّنوا «جهود الجيش اللبنانيّ خصوصاً والقوى الأمنيّة عموماً لاحتضان هذا التحرُّك وحمايته، طالبين من الجميع التعاون مع هذه المؤسَّسات والتجاوب مع تدابيرها الأمنيَّة والحياتيَّة».

وطالبوا المجتمع الدولي بـ»دعم أول ديمقراطية في الشرق، للمحافظة على أول تجربة شراكة مسيحية إسلامية ومساعدة لبنان لحل المشاكل الناجمة عن حروب دول المنطقة، وما انتفاضة الشعب اللبناني سوى دليل إضافي نقدمه للعالم لندرك أن شعب لبنان يستحق الحياة الحرّة والاستقرار والازدهار».

وأجرى الرئيس عون اتصالاً بالبطريرك الراعي، وتداول معه في مضمون البيان الصادر عن الاجتماع الروحي. ونوّه عون بـ»مضمون البيان وبالدعوات التي أطلقها الكاردينال الراعي».

وهذا الاتصال هو الثاني خلال 24 ساعة، بعد اتصال حصل الليلة قبل الماضية بين الرئيس عون والبطريرك الراعي، وبعد زيارة رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب إبراهيم كنعان إلى بكركي صباح أمس، في إطار التشاور بين بعبدا وبكركي.

إلى ذلك، أعلنت «الرابطة المارونية» «تأييدها الكامل لنداء بكركي وضمّت صوتها إلى صوت المجتمعين «في المطالبة بتدابير استثنائية وجذرية لمعالجة الوضع المتردي، والناتج عن السياسات الخاطئة التي انتهجتها الدولة منذ ثلاثة عقود، والفساد المستشري، والمحسوبية الضاربة أطنابها، ونهب المال العام والإثراء غير المشروع، وعدم اعتماد سياسة واضحة تعمّم العدالة الاجتماعية والمساواة في إطار الانماء المتوازن».

وإذ اعتبرت أن «صوت الانتفاضة المدوّي وصل إلى مسامع الجميع، ويجب أخذه بما يستحق من جدية»، أكدت أن «محاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة يجب أن يكونا في رأس أولويات الدولة إذا كانت راغبة فعلاً بإصلاح حقيقي وإذا كان لا بد من تنفيذ مشاريع «سيدر»، فمن الحكمة أن يتم ذلك بإشراف الدول المانحة».

وتمنّت على الرئيس عون استلهام نداء بكركي لتحقيق الخطوات الإصلاحية المنشودة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى