الانسداد كبير فهل هناك مَن يخترقهُ؟
د. وفيق إبراهيم
ينزلق المشهد اللبناني نحو انسداد مخيف بين حراك شعبي، اخترقته أحزاب داخلية من منظومة الفساد الطائفية التي تعمل بإيحاء خارجي وبين نظام سياسي يبدو وكأنه أصيب بصدمة جعلته لا يقوى على الحركة والابتكار.
هناك طرف ثالث هو حزب الله يمتلك تأييداً جماهيرياً هو الأرجح من نوعه في لبنان يستند الى دور اقليمي في مجابهة «إسرائيل» والإرهاب، لعلّ هذا الدور هو الذي يمنعه من التعامل المباشر مع القوى المتسللة التي ترسم الخطط لتحرك المتظاهرين وتحول دون التزامه بالاصلاح الاقتصادي فقط. وهذا لأن الحزب أصبح على دراية عميقة بأنّ هناك محاولة داخلية خارجية لإيقاع صدام بينه وبين المتظاهرين فاعتبر ان ابتعاده المباشر عن الميدان إجهاض للتآمر الداخلي عليه، لكن هذا الابتعاد الإيجابي له أضراره في اخلاء الساحة لبعض الاحزاب الطائفية الداخلية المتعاملة مع السفارات والخارج والتي نجحت نسبياً في إحكام قبضتها على قيادة المتظاهرين.
إلا أنّ هذا الوضع هو جزء من انسداد اعمق يرتكز على تحذير أميركي للدولة واجهزتها العسكرية والامنية طلب منها مباشرة عدم التصدي للمتظاهرين بما يعني تركهم يقفلون الطرقات محتلين الميادين، والادهى ان الاميركيين حملوا اجهزة الدولة مسؤولية حماية المتظاهرين الأمر الذي عطل اي محاولة رسمية لفتح الطرقات معرقلاً خططاً كان التيار الوطني الحر يريد بموجبها اظهار قوته الشعبية الكبيرة، هنا بإصرار أميركي متقاطع مع نصائح من «الكنيسة» أدت الى نأي قيادة التيار الموالي لرئيس الجمهورية عن تنظيم حملات شعبية تؤيد الإصلاح والرئيس عون في آن معاً.
لجهة رئيس الحكومة سعد الحريري فيبدو كالمحاصر من قبل حراك يستهدف كلّ تاريخه السياسي منذ مرحلة ابيه المرحوم رفيق الحريري وحتى اليوم وبين ولائه للسعودية التي حرّضت التيارات المتشددة في حزبه «المستقبل» على دعم الحراك الشعبي والإيعاز الى اهل مدن بيروت وصيدا وطرابلس وبعض انحاء البقاع الغربي لدعم المتظاهرين وإسنادهم مترافق مع ضخ كميات كبيرة من الاموال.
ويبدو انّ الفرنسيين الذين تربطهم بالحريري علاقات عميقة نصحوه بالصمت وعدم التصدّي للمتظاهرين، هذا ما دفعه الى إبلاغ الرئيسين عون وبري وعبرهما الى حزب الله بأنه لن يتأخر في تقديم استقالته عند أول احتكاك رسمي أو من جهة حزب الله وحركة أمل ضدّ الحراك.
بدورها «إسرائيل» حاضرة في هذا المشهد اللبناني والدليل أنّ قسماً من قيادة الحراك يطالب بسحب سلاح حزب الله الذي يستهدف «إسرائيل» وتكاد المحطات التلفزيونية الأبرز حالياً وهي «ام تي في» و«الجديد» و«ال بي سي» تعرض مئات المقابلات المفبركة مع متظاهرين يبدأون بطلب الإصلاح جانحين فوراً نحو الإصرار على تجريد حزب الله من سلاحه، مبررين بأن السلاح يحمي الفساد.
لقد أصبح ننتياهو رئيس وزراء العدو الاسرائيلي جزءاً من المشهد اليومي اللبناني لتأييده مطالب المتظاهرين، خصوصاً ما يتعلق منها بحزب الله.
هناك الكثير من أحزاب حركة أمل والمردة والسوريين القوميين الاجتماعيين متحالفون مع حزب الله وينتظرون تنظيم تحرّكات مشتركة لم يحن أوانها بعد.
هذه هي الآليات التي تحكم المشهد الحالي في لبنان بشكل تعلن فيه عن حالة انسداد خطيرة تدفع البلاد نحو فوضى كبيرة تؤدي تلقائياً الى ازمة حكم. وتسبق عادة الانهيار الكبير، فهل هذا هو المخطط؟
وعن أيّ إصلاح يتحدثون؟ ولماذا إقفال الطرقات في وجه الناس ومنع التفاعلات الاقتصادية ونقل الطحين للأفران والوقود والمستشفيات… كلّ شيء تقريباً.
ألا تكشف هذه الممارسات عن محاولات داخلية خارجية لنقل الصراع السياسي من مؤسسات الدولة الى الشارع، بما يؤكد انّ القيادة الداخلية للحراك تدير مشروعاً لتعميم الفوضى ومنع التوصل الى ايّ حلّ لتشريع التدخل المباشر للمجتمع الدولي المزعوم في لبنان تحت الفصل السابع او اي تسمية اخرى او باجتياح عسكري أميركي إسرائيلي بذريعة إنقاذ لبنان من الإرهاب.
هذه الاحتمالات ليست أوهاماً. ألم تفعلها الادارة الأميركية في أفغانستان والعراق وسورية أكثر من مرة بذريعة محاربة الإرهاب واسلحة الدمار الشامل؟ خصوصاً أنّ التبرير الداخلي المتواطئ موجود في حلف جنبلاط – جعجع – كتائب مع عودة جماعات الإرهاب الديني في الشمال وبعض أنحاء البقاع.
لذلك تؤكد هذه المعطيات انّ الطرف الوحيد القادر على الحركة السياسية والشعبية في اطار الخطر الكامل على تدخل الدولة هو حزب الله، المستهدف والقادر على التعامل الوازن مع المتسلطين على الحراك الشعبي أيّ الذين يربطونه بالخارج، كما انّ الحزب بوسعه أيضاً العمل على تلبية المطالب المحقة للحراك الشعبي عبر حماية المجلس النيابي وتسهيل إصداره لقوانين تلبّي طموحات المتظاهرين في استعادة الأموال المنهوبة والتصدّي للفساد السياسي. واستعادة الأموال ممكنة بالتعاون مع رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي وتؤدّي دوراً في كشف الدافعين نحو الفوضى وأدوارهم الداخلية والخارجية.
والمطلوب السرعة في تدبّر الأمور على قاعدة إيجابية لأنّ هؤلاء المتظاهرين هم أبناء لبنان ويريدون حقوقهم الاقتصادية والسياسية التي سطت عليها معادلة سياسية منذ 1992 عملت على تحويل لبنان إمارة ترتهن للخارج الغربي والخليجي.