من يريد استنزاف الجيش اللبناني؟
جمال العفلق
رغم الهدوء الحذر الذي يطغى على العمليات العسكرية في لبنان ضدّ العصابات التكفيرية، واتباع استراتيجية تجميد المحاور بإبقاء الوضع على ما هو عليه، إلا أنّ الجماعات الإرهابية تقوم بعمليات تستهدف الجيش اللبناني، إما بالخطف أو بالقتل. وتستند هذه الجماعات إلى وجود الداعمين لها، وسط التيارات اللبنانية الفاعلة على المستوى الحكومي والنيابي. فبعض القوى السياسية في لبنان، والتي كانت ولا تزال تطالب بسحب السلاح من حزب الله وحصر السلاح الشرعي في يد الجيش، هي نفسها التي تعطل القرارات التي تؤدي إلى دعم الجيش وتزويده بالسلاح اللازم لمواجهة الإرهاب، وتكتفي بدعمه خطابياً ومن خلال الإعلام.
إنّ الواقع اليوم يفرض على لبنان الوطن أن يتوحّد ضدّ هذا الإرهاب، وأن يقف الجميع خلف الجيش من خلال إعطائه الضوء الأخضر لمحاربة الإرهاب الذي يتمدّد إلى لبنان عبر الأراضي السورية وبالعكس، وقد انعكست البيئة الحاضنة التي أوجدها بعض اللبنانيين لصالح حلفاء إقليميين، في شكل مباشر على لبنان وجيشه، كما أنّ ادّعاء بعض السياسيين أنّ «جبهة النصرة» ليست إرهابية، متجاهلين تنوع لبنان النادر وتعدّديته الدينية والمذهبية، هو إرهاب فكري حقيقي يريد رهن لبنان للتطرف الديني.
إنّ التعطيل الذي يمارسه البعض من أجل مكاسب ضيقة، بمنع الحكومة اللبنانية من التعاون في شكل رسمي وعلني مع الحكومة السورية لمحاربة الإرهاب، هو عملياً جريمة في حقّ الجيش اللبناني، فهناك إصرار لدى بعض القوى على استنزافه وإضعافه، رغم ادعاء هذا البعض أنه يرغب أن يكون الجيش هو القوة الوحيدة والشرعية التي تدافع عن لبنان، فكيف يكون ذلك وهناك من يعطل تمويله وتطوير سلاحه، إلا وفق ما تراه «إسرائيل» مناسباً لها؟
إنّ تمسُّك بعض التيارات السياسية في لبنان بشعار إسقاط النظام في سورية، يثبت مدى تبعية هذه التيارات للسياستين السعودية والقطرية، لذلك نجد أنها لا تزال تراهن على وجود قوة عسكرية، حتى لو كانت إرهابية مثل «النصرة» و«داعش»، تكون موازية لحزب الله، ولكنّ الفارق كبير هنا، حيث أنّ هذه القوى الإرهابية تستهدف الجيش اللبناني، بينما يقف حزب الله خلف الجيش ويدعمه، لذلك فإنّ المقارنة هنا لا تصحّ، أخلاقياً وسياسياً.
وفي وقت تعمل القوى الأمنية وتسهر على حفظ الأمن وملاحقة واعتقال كل من يشتبه بهم، هناك إرادة سياسية تعمل في الخفاء لإنقاذ الإرهابيين المعتقلين أو التخفيف من وقع اعتقالهم، وهذا يزيد، بدوره، من تمدّد الإرهاب ويشكل غطاء سياسياً له.
إنّ العمل على تجفيف مصادر الإرهاب، لا يجب أن يكون في القلمون بقدر ما يجب أن يكون في بيروت، حيث تعمل مكاتب بعض الأحزاب والقوى السياسية على تكريس المفهوم السياسي السعودي، بفرض ما يجب فرضه، حتى لو كان على حساب الوطن وأبناء الوطن. فالكمين الذي استهدف ستة من عناصر الجيش اللبناني ليس الأول ولن يكون الأخير، وهذا ما يطرح سؤالاً: متى تقرّر القوى اللبنانية الحوار من أجل حماية لبنان من دون وضع شروط مسبقة أو تعجيزية، فاسطوانة تلك القوى المكرّرة أنّ تلك الاعتداءات ما كانت لتقع لولا تدخل حزب الله في سورية، تنقضها وتعرّيها، في المقابل، أسئلة عدة: فمن موّل وأوصل السلاح إلى هذه الجماعات الإرهابية وأمن لها الدعم اللوجستي طوال السنوات الأربع الماضية؟ ولماذا لم يتوقف داعمو الإرهاب عن تسهيل وصول المال والسلاح إلى تلك الجماعات؟ ولماذا لم يتم حتى اليوم تزويد الجيش اللبناني بالمعدات اللازمة؟ ولماذا تحول دعم الجيش إلى جدل وتعطيل، بينما يجب أن يُعتبر أولوية وطنية لا يجوز المساس بها؟
يجيد بعض السياسيين اللبنانيين الخطابات والتصريحات، ولكنهم لا يجيدون العمل، وعلى الدول التي تدّعي أنها تريد الخير للبنان، وضع مصالحها المذهبية جانباً، وأن تخرج من فكرة أنّ أمن «إسرائيل» أولوية لها، لأن «إسرائيل» تخطط لحرب تعتقد أنها ستكون حربها الأخيرة التي ستغير وجه المنطقة، فبعد سقوط مشروع إسقاط النظام في دمشق، يفكر «الإسرائيليون» جدياً، في التدخل المباشر في الحرب، في محاولة جديدة للقضاء على المقاومة، رغم حذرهم الشديد من أنّ هذه الحرب، إن وقعت، ستكون نتائجها أسوأ بكثير على الكيان الصهيوني من نتائج عدوان تموز 2006.