تسلّل غير شرعي!!
يتساءل أنطونيو سالييري الموسيقي الإيطالي الذي أكله الحسد حين شاهد معجزة موزارت تتجلى أمام عينيه وأذنيه: «هذه الموسيقى لم أسمع مثلها أبداً، وكأنني أسمع صوت الربّ، لكن لماذا اختار الربّ هذا الولد الفاحش كي يكون أداة له».. كيف لرجل مثل سالييري تملأ روحه الموسيقى أن يكون بهذا القدر الفظيع من العجرفة والحسد؟ يبدو أن هاتين الخصلتين تنخران نفوس كثير من البشر وتعرّيان الوهم القائل أن لا يصدر الجمال إلّا عن الجميل لو لمسنا أرواحهم لرأيناها مسمومة معتلّة ومظلمة تشبه روح الأخ الفاضل سالييري إنّه فم الليل الذي يتسع ليمتصّ آخر ما تبقى من حزمة ضوء لا تشجع على عبور جسر الحياة، وأيّ جسر حياة يكون ذلك الجسر المتهاوي شيئاً فشيئاً.. عندما سأل شيخ حكيم في غابر الزمان: «ما رأيناك يوماً تغيب أحداً»، فردّ الشيخ: «ما زلت منشغلاً بعيوبي». مشهد كهذا قلّما نشاهده في حياتنا اليومية يا قارئي، لماذا؟ لأننا عوض أن نرقى بنفوسنا اللامطمئنة نرقى أن ننأى بها عن العيب، إذ بنا لا نخرج أن نكون أهل العيب نحن.. مؤسف ومخجل ومحرج أن يعترف المرء بحقيقة كهذه، حقيقة يسبقها دخان اشتعالها، لكنها حقيقة الأكثرية.. بدت هذه الحقيقة كفجيعة متقّدة بجمر الأماكن وتغترف قوتها من القال والقيل عن فلان وغيره، متذرعين أنّ أغلب من نجحوا ليسوا أهلاً لذلك.. والسؤال: هل الشعب السوري ككل أقل وعياً من شعب بنغلاديش؟ تُرى كيف طبقت الديمقراطية هناك ونحن لم نطبقها على أنفسنا؟ أن تكون ديمقراطياً مفاده أن ترأف بسواك وتشفق على سواك، وقبل أن تمدّ عينيك الأمارتين بالسوء إلى عيوبه لتعدها وتحصرها وتضخمها إلى حد أن تتفاقم في عيون الآخرين. انظر إلى عيبك.. وأيّ شيطان سوّل لك أن تنشغل عن عيبك بتصفّح عيوب الآخرين.. إنه لتسلل غير شرعي على نفوس الآخرين.. نحن بحاجة إلى محاربة أخطائنا ونقاط ضعفنا كما أننا بحاجة إلى الاعتراف بالتفكير المغاير وغير المألوف والاعتراف بالآخر بحيث يشكل هذا التنوع والاختلاف طاقة للتطور لا سلاحاً اللتناحر.. بعد كل التراتيل والعقاقير السامة التي حكم أكثرهم أن تسري في وريد النفوس البشرية ويتحملها القلب مكرهاً، هل نفتح النوافذ ليتنفس الصدر المكتوم بالحزن الهواء النقي؟ إذا حذفت الأخبار المصطنعة والخرافات، فقد تكون حذفت تسعة أعشار ما يقوله خطباء المنابر الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية. لذلك تعمّد لي عُنق اللسان، فلا شيء سيصيّرك حطب جهنم أكثر من لسانك.
صباح برجس العلي