عون: لبنان على مفترق خطير ويحتاج حكومة منسجمة قادرة على الإنتاج
نبّه رئيس الجمهورية ميشال عون إلى أن لبنان على مفترق خطير خصوصاً من الناحية الاقتصادية، معتبراً أنه بأمسّ الحاجة إلى حكومة منسجمة قادرة على الإنتاج، لا تعرقلها الصراعات السياسية والمناكفات، ومدعومة من شعبها.
كلام عون جاء خلال كلمة له مساء أمس، لمناسبة الذكرى السنوية الثالثة لتوليه سدة الرئاسة، واستهلها بالقول «يا شعب لبنان العظيم، أتوجّه إليكم اليوم مع انتهاء النصف الأوّل من الولاية الرئاسية، لأقدّم لكم ما يشبه كشف الحساب بما التزمت به في خطاب القسم، بما تحقّق وبما لم يتحقّق، وبما لا زلت أعمل لتحقيقه بالخطط الموضوعة وبالصعوبات التي واجهتنا»، مؤكداً أن «كشف الحساب هذا صار ضرورياً أكثر بعد حركة التظاهرات والاعتصامات التي حصلت أخيراً، وأسفرت عن استقالة الحكومة ».
وأضاف إنني التزمت في خطاب القسم بتأمين الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، التزمت القضاء على الإرهاب ، التزمت تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني، وإنجاز قانون انتخابي يؤمن التمثيل العادل لكافة مكوّنات الشعب اللبناني ، التزمت العمل على تأمين عودة النازحين السوريين الى بلادهم، والتزمت مكافحة الفساد ، مشيراً إلى أن الأولوية كانت للاستقرار الأمني والقضاء على الإرهاب لأنه الأرضية لأي استقرار آخر، وعليه اتخذنا القرار السياسي اللازم وأفضت التشكيلات الجديدة في الجيش و الأجهزة الأمنية إلى توحيد الجهود والتوصّل الى اجتثاث المنظمات الإرهابية والقضاء على خلاياها النائمة».
ولفت إلى أننا قمنا بتأمين الاستقرار السياسي وأولى موجباته إقرار قانون انتخابات يؤمّن عدالة التمثيل، وعلى الرغم من كل الصعوبات أُقرّ هذا القانون وانبثقت عن المجلس الجديد حكومة وحدة وطنية أمّنت الاستقرار المنشود، وكان مفترضاً أن تنصرف إلى معالجة الأزمات التي تطوق الوطن وأولها الأزمة الاقتصادية ، مشيراً إلى أننا عالجنا الشلل في العديد من مؤسسات الدولة من خلال سلسلة تعيينات وتفعيل دورها الذي كان مفتقداً لسنوات، وفي هذا الإطار أتت التعيينات القضائية أخيراً، والإصلاح القضائي الذي هو عملية مستدامة، لأن القضاء ينقّي ذاته بذاته إذا ما ارتفعت يد السياسيين عنه».
وأضاف عملنا على عودة المالية العامة لكنف الدستور وقانون المحاسبة العمومية، فتم إصدار 3 موازنات بعد 12 عاماً على صرف مخالف للدستور، كما وإحالة موازنة 2020 إلى مجلس النواب ضمن المهلة الدستورية لأول مرة منذ زمن، بنسبة ضئيلة من العجز ومن دون زيادة ضرائب مع سقف للاستدانة وتخفيض جذري للنفقات ، مؤكداً أننا رفضنا التسويات على الحسابات المالية، ونتيجة ذلك أُعيد تكوين الحسابات المالية منذ العام 1993 إلى اليوم وأُحيلت إلى ديوان المحاسبة للتدقيق قضائياً بصحتها .
وتابع الأزمة الاقتصادية الضاغطة ناتجة عن تراكم سياسات اقتصادية ومالية غير ملائمة، واتساع مزاريب الهدر والفساد، معطوفة على أزمات المحيط وحروبه ولأن لبنان يمتلك ثروة في بحره وباطن أرضه، أصرّيت أن يكون البند الأول من جدول أعمال الجلسة الأولى للحكومة إقرار مراسيم استخراج النفط والغاز ، مشيراً إلى أنه بُذلت جهود كبيرة للمعالجات الاقتصادية، ولكنها لم تأتِ بالنتائج المرجوّة بعد. فالخطة الاقتصادية الوطنية لا تزال بانتظار إقرارها، ومشاريع البنى التحتية التي سيتأمّن تمويلها من مؤتمر سيدر مجمّدة، ولكن من المفترض أن تتحرك بعد أن استجابت الحكومة المستقيلة لمعظم الشروط الموضوعة ، لافتاً إلى أن الحكومة استقالت وبات الملف الاقتصادي الثقيل بانتظار الحكومة الجديدة التي يجب أن تضعه على السكة الصحيحة والسريعة».
وتابع منذ تسلمي الرئاسة حملت ملف النازحين السوريين إلى المنابر الدولية والعربية، وكان محوراً أساسياً خلال لقاءاتي مع الموفدين الدوليين، فشرحت الأعباء المترتبة عنه على لبنان، ودعوت الى إيجاد الحل له بمعزل عن الحلول السياسية ، مشيراً إلى أن الإجابات العربية والدولية على طرحنا بملف النازحين كانت تقريباً واحدة: كلام منمّق عن الدور الإنساني للبنان وكلام سياسي عن ربط العودة بالحل السياسي، مع ضغوط لإبقاء النازحين حيث هم لاستعمالهم ورقة ضغط عند فرض التسويات السياسية. وهذا ما رفضه لبنان بشكل قاطع وهو اليوم يدفع ثمن هذا الرفض .
وتوجّه إلى المتظاهرين بالقول أيها اللبنانيون، أيها المواطنون المشاركون بالاعتصامات، وخصوصاً الشباب منكم، على الرغم من الضجيج الذي حاول أن يخنق صوتكم ويذهب به الى غير مكانه، تمكنتم من إيصال هذا الصوت الذي طالب بحكومة تثقون بها، وبمكافحة الفساد الذي نخر الدولة، وبدولة مدنية حديثة تنتفي فيها الطائفية والمحاصصة ، مضيفاً إن تشكيل الحكومات في لبنان عادة ما يخضع للعديد من الاعتبارات السياسية والتوازنات، وقد تكون هذه التوازنات هي من أهم أسباب الفشل المتكرّر وعدم الوصول الى الخواتيم السعيدة في العديد من المشاريع».
وقال لقد قامت الحكومة المستقيلة بعدد من الخطوات الشاقة، وأقرّت خططاً ومشاريع مهمة، ولكن مشكلتها كما سابقاتها، أن المقاربات فيها سياسية أكثر مما هي تقنية وتنفيذية، وشرط الإجماع الذي اعتمده البعض حال دون التوصل إلى الكثير من القرارات الضرورية ، مشيراً إلى أننا اليوم على أبواب حكومة جديدة، والاعتبار الوحيد المطلوب هو تلبية طموحات اللبنانيين ونيل ثقتهم كما ثقة ممثليهم في البرلمان، لتتمكّن من تحقيق ما عجزت عنه الحكومة السابقة وهو إعادة للشعب اللبناني ثقته بدولته».
وأضاف يجب أن يتمّ اختيار الوزراء والوزيرات وفق كفاءاتهم وخبراتهم وليس وفق الولاءات السياسية أو استرضاءً للزعامات، فلبنان على مفترق خطير خصوصاً من الناحية الاقتصادية وهو بأمسّ الحاجة إلى حكومة منسجمة قادرة على الإنتاج، لا تعرقلها الصراعات السياسية والمناكفات، ومدعومة من شعبها .
واعتبر الرئيس عون أن مكافحة الفساد هي طريق طويل وعمل دؤوب مستمر، خصوصاً في بلد تجذّر فيه طوال سنوات وسنوات، ولكن مهما يكن الطريق شاقاً فإنني مصمم على المضي فيه، وأول الغيث هو تطبيق القوانين الموجودة ثم إقرار ما يلزم من تشريعات لتعزيز الشفافية وإتاحة المساءلة للجميع ، داعياً اللبنانيين إلى الضغط على نوابهم لإقرار القوانين التالية: إنشاء محكمة خاصة بالجرائم الواقعة على المال العام، إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، استرداد الأموال المنهوبة، ورفع الحصانات ورفع السرية المصرفية عن المسؤولين الحاليين والسابقين وكل من يتعاطى بالمال العام .
وأكد أن الانتقال من النظام الطائفي السائد إلى الدولة المدنية، دولة المواطن والمواطنة، هو خشبة الخلاص للبنان من موروثات الطائفية ومشاكلها ، مشيراً إلى أن الطائفية مرض مدمّر يستعملها أعداء الوطن كلما أرادوا ضربه… ويبقى إيماني بضرورة الانتقال من النظام الطائفي السائد الى الدولة المدنية العصرية حيث الانتماء الأول هو للوطن وليس لزعماء الطوائف، وحيث القانون هو الضامن لحقوق الجميع بالتساوي والكفاءة هي المعيار .
وتعهّد بمتابعة الحرب على الفساد عن طريق التشريع اللازم والقضاء العادل والنزيه بعيداً من أي انتقائية أو استنسابية، وأيضاً بعيداً من أي تعميم . كما تعهّد بالدفع باتجاه اقتصاد منتج والاستفادة من قدرات دولتنا وثرواتها وقطاعنا الخاص والمصرفي لاعتماد سياسات مالية صحيحة ولتمويل مشاريع منتجة تخلق فرص عمل للبنانيين وتحدّ من هجرة الأدمغة والكفاءات .
وختم أتوجّه الى جميع القيادات والمسؤولين: بقدر ما أن التحرّكات الشعبية المطلبية والعفوية محقة وتساهم في تصويب بعض المسارات، فإن استغلال الشارع في مقابل شارع آخر هو أخطر ما يمكن أن يهدد وحدة الوطن وسلمه الأهلي، ويقيني أن أحداً لا يمكنه أن يحمل على ضميره وزر خراب الهيكل».