3 خيارات حكومية: رئاسة الحريري لتكنوقراط أو لتكنوسياسية أو تسميته لبديل بحكومة جديدة برّي لثورة تشريعية ضد الفساد ونحو الدولة المدنية… والحراك يتراجع تدريجياً عن قطع الطرقات

كتب المحرّر السياسيّ

بعدما فاجأ رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري باستقالته حلفاءه في الحكومة الذين دافعوا عن بقائها لتطبيق ورقتها الإصلاحية ومنعاً للفراغ، استعار رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي المعادلة التي رسمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لمنع انزلاق العراق إلى مسار الفراغ والفوضى، رابطاً استقالة الحكومة والبحث في انتخابات مبكرة، بالتوافق على بدائل تتحمّل مسؤولية الأمن والخدمات، بينما كان قادة فصائل الحشد الشعبي يوجهون الاتهامات بلسان الشيخ قيس الخزعلي، لأحد الرؤساء وجهاز أمني فاعل، كما قال الخزعلي لتصعيد الوضعين الأمني والسياسي.

الخشية في لبنان من أن تكشف الأيام المقبلة مصادر قلق على الوضع اللبناني، من خلال تعقيد الوضع الحكومي أو تصعيد الوضع الأمني، وفي مواجهة هذه الخشية وسعياً لمنعها تبذل مساعي حثيثة لوضع المخارج والحلول السياسية للمسار الحكومي، وتنصبّ الجهود الأمنية لاحتواء الاحتقانات الناجمة عن قطع الطرقات، وما تتسبّب به من ردود أفعال غاضبة في أوساط عديدة، وبعدما توسّع نطاق الاعتداءات التي طالت مواطنين يحاولون العبور من منازلهم أو إليها.

في أوساط الحراك بدت النقاشات التي طالت قطع الطرقات بين الأضرار والفوائد مدخلاً لتراجع تدريجي عن هذا الخيار برز بقوة في ما انتهى إليه قطع جسر فؤاد شهاب في منطقة الرينغ، وانتقال المعتصمين الذين شكلوا مجموعة رئيسية من جماعات الحراك ومنظّميه، إلى ساحة الشهداء، وتركيزهم على اعتصامات متنقلة أمام المؤسسات العامة وفي مقدّمتها شركات الاتصالات والمصرف المركزي، بينما بدا الجيش والقوى الأمنية أكثر جدية في احتواء ظاهرة قطع الطرق، تفادياً للمواجهات التي بدأت بالظهور في مناطق عديدة.

في المسارات الحكومية برزت ثلاث صيغ في التداول بعد الاجتماع الذي ضمّ رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري ووزير خارجيّتها جبران باسيل، حيث الصيغة الأولى التي يفضّلها الرئيس الحريري هي ترؤسه الحكومة الجديدة دون مشاركة أي من الوزراء السابقين بمَن فيهم باسيل. والصيغة الثانية التي تتوافق عليها مجموعة من القوى السياسية، ويتبنّاها وسطاء يسعون للتوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المستقيلة، يتيح تحديد موعد الاستشارات النيابية الخاصة بتسمية رئيس جديد للحكومة، فتقوم على ترؤس الحريري لحكومة من 24 وزيراً تضمّه مع ثلاثة وزراء سياديين يمثلون القوى الرئيسية ولا مانع أن يكونوا من الوزراء السابقين ومن بينهم باسيل، بينما يتولى هو الحقيبة السيادية الرابعة، وعشرين وزيراً جديداً. أما الصيغة الثالثة التي لا يحبّذها الحريري فهي التي عرضها عليه باسيل وتتأسس على مغادرة الجميع الحكومة الجديدة رئيساً ووزراء، ويقوم الرئيس الحريري بطرح اسم يمثله لترؤس الحكومة الجديدة، بينما تتشكل الحكومة من 14 24 وزيراً جديداً، تتولّى تسميتهم الأطراف المعنية. ويضيف رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوته لتمثيل الحراك بعدد من الوزراء لا يقلّ عن إثنين.

الكلام الذي قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام الصحافيين بعد انتهاء اجتماع هيئة مكتب المجلس، تضمّن دعوته لثورة تشريعية كشف عزمه على المضي بها بتسريع ورش العمل النيابية لإقرار حزمة قوانين تطلق المعركة ضد الفساد من رفع السرية المصرفية وإنشاء محكمة المال العام، وصولاً لفتح الباب أمام الدولة المدنية من مدخل قانون الانتخابات القائم على اعتماد لبنان دائرة واحدة وفقاً للنظام النسبي خارج القيد الطائفي.

فيما عادت أمس، الطرقات سالكة بعد أن تدخل الجيش وعمد إلى فتحها، فإن الطرقات السياسية لا تزال مقفلة وإن كان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم قد فتح قنوات التواصل بين بيت الوسط وميرنا الشالوحي بعد انقطاع منذ 17 تشرين الاول الماضي.

ومع قرار الجيش فتح الطرقات، صوّب الحراك المطلبي بوصلته نحو مكامن الهدر والفساد في الدولة أي نحو المؤسسات والمرافق العامة والوزارات والمصرف المركزي لشلّها تماماً، حيث تجمّعوا امس امام «السرايات» مانعين الموظفين من الدخول اليها، وأمام مصالح المياه ومكاتب أوجيرو مثلاً. وهذا ما حصل في طرابلس وشحيم، في وقت نزل عدد منهم الى امام مجلس النواب، والبعض الآخر الى أمام شركات الخلوي وشركة كهرباء لبنان.

أما سياسياً، فحتى الساعة لم تتبلور اي صيغة سياسية لحل أزمة التكليف فالتأليف، وإنهاء مرحلة تصريف الأعمال في اسرع وقت ممكن. وبحسب المعلومات فإن الامور تدور اليوم في خانة المراوحة في ظل جملة الاقتراحات الموضوعة على طاولة البحث، خاصة في ظل ما يُشاع عن معادلة طرحت ومفادها اما الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل معاً في الحكومة أو كلاهما خارجها. في حين برزت أمس إشارة المقربين من باسيل الى ان الأخير قدم خلال لقائه اول امس الرئيس الحريري طرحاً يقوم على ان يسمّي الحريري من يريد لرئاسة الحكومة بموافقة جميع الأفرقاء ويتم تشكيل حكومة بلا وجوه سياسية أساسية، على أن تشكلها القوى السياسية من اختصاصيين بملفاتهم الوزارية، التقنية والاقتصادية، مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، ويختار الحراك الشعبي أسماء تمثله في الحكومة، لتكون حكومة عمل اقتصادي وتقني، بعيداً عن المشاكل السياسية المعتادة، على أن تحظى التشكيلة بثقة عالية في المجلس النيابي. وطرح باسيل ايضاً فكرة إلزام جميع المرشحين للتوزير برفع السرية المصرفية، وبالموافقة على كشف حركة حساباتهم، تحقيقاً للشفافية، وتكريساً لمنطق الإصلاح.

وأشارت مصادر في تكتل لبنان القوي لـ»البناء» الى أن عودة باسيل الى الحكومة قرار يتخذه التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية، لافتة الى ان ما يهمّنا في المرحلة المقبلة العمل على تحقيق الإصلاحات المطلوبة والبدء بورشة عمل حقيقية، لافتة إلى أن حكومة تضمّ اختصاصيين من شأنها أن تطلق عجلة العمل، مشيراً الى ان التأخير في التكليف والتأليف قد تكون له منفعة وهي تتمثل بإجراء تفاهمات لجهة تقييم المرحلة الماضية وتجربة العمل في الحكومة السابقة وقطع الطريق مستقبلاً على من كان يبتكر الخلافات والمناكفات لتعطيل الكثير من مشاريع القوانين والخطط التي تهمّ المواطن وتصب في خانة الإصلاحات، ولذلك فإن المطلوب يتمثل بضرورة الاتفاق على صيغة لحلّ اقتصادي ومالي سريع.

أفادت مصادر متابعة لمناقشات بيت الوسط أنه «لا يبدو ان الأمور نضجت انما هناك أفكار قيد التداول، والرئيس الحريري يفضل مقاربة جديدة تأخذ في الاعتبار المستجدات التي نشأت عن الحراك الشعبي، ووجوب الانتقال الى صيغة حكومية لا يريد ان يكون جزءاً منها، وقد شجّع باسيل على وجوب الابتعاد عن المشهد الحكومي حالياً وإعطاء فرصة لفريق عمل يحاكي الحراك».

وأكدت الخارجية الروسية الموقف الروسي تجاه وحدة واستقرار لبنان «ومنع أي تدخل خارجي يمسّ بالاستقرار والأمن اللبناني». واكد الممثل الشخصي للرئيس الروسي في الشرق الاوسط نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف خلال لقائه مستشار الرئيس اللبناني للشؤون الروسية النائب السابق أمل أبو زيد، أنه سيسعى «مع عدد من الشخصيات والاحزاب التي تربطه بهم صداقة للتشاور معهم في حقيقة الأحداث والعمل على تهدئة الأمور رغم معرفته بصعوبة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وبالتالي الابتعاد عن معالجة هذه الاوضاع بالتظاهرات وقطع الطرقات وتعطيل الأعمال».

وجدّد موقف بلاده «الداعم لعودة النازحين السوريين الى بلادهم لما فيه مصلحة لبنان واقتصاده»، وتأكيده «العمل سوياً من أجل استكشاف كل السبل التي تساعد الوضع الاقتصادي والأمني والسياسي وهو أمر أساسي، لأن أي خلل في لبنان سينعكس سلباً على الوضع السوري، حيث هناك وجود للقوات الروسية يمثل عنصر استقرار لسورية مثلما يمثل بطريقة غير مباشرة عنصر استقرار للبنان».

ودعا مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية السلطات في لبنان إلى اتخاذ «إجراءات حاسمة» لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية، وذلك وسط استمرار الاحتجاجات المناهضة للطبقة الحاكمة للأسبوع الثالث على التوالي.

وفي تصريحات خاصة بقناة «الحرة»، دعا المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، إلى «تسهيل تأليف حكومة جديدة بشكل عاجل يمكنها بناء لبنان مستقر ومزدهر وآمن، يستجيب لاحتياجات مواطنيه وخال من الفساد المستشري». وأضاف قائلاً إنّ «الحكومة اللبنانية بحاجة إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لحل مشاكل البلد الاقتصادية وإعادته إلى مسار مستدام».

إلى ذلك، جددت إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب تأكيد دعمها الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، مشددة على أنه لم يتم تأخير أي نفقات أو مشتريات، من دون أن توضح ما إذا كان تجميد مبلغ الـ105 ملايين دولار من المساعدات لا يزال قائماً. وأفاد مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لصحيفة The National بأن التزام الولايات المتحدة بتعزيز الجيش اللبناني مستمر.

ومن عين التينة، أكد الرئيس نبيه بري أنه ورغم ان جلسة 12 الحالي هي انتخابية لتتمة هيئة المكتب والمحدّدة عند الساعة 11:00، فإنه سيقفلها ويفتح جلسة تشريعية الساعة 1:00 ولفت الى أنه توافق مع «اعضاء هيئة المكتب على الجلسة التشريعية وبحكم الاستمرارية بعمل المؤسسات، وتم الاتفاق على أن تكون هناك مشاريع واقتراحات القوانين المنجزة من اللجان ويُضاف اليها عدد من القوانين التي هي في غاية الأهمية والتي كانت موضع دراسة في المجلس».

وقال بري: «بما أن هذه القوانين لم تنته من قبل اللجان المختصة سأستعمل صلاحياتي كرئيس مجلس وفقاً للمادة 38 من النظام الداخلي وأيضاً بناء لرغبة الحراك المدني الحقيقي الذي يطالب بمطالب مشروعة ومحقة». وكشف أنه سيضع على جدول الاعمال مشاريع القوانين والاقتراحات التالية: المرسوم المتعلق بقانون مكافحة الفساد، اقتراح إنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية، مرسوم قانون ضمان الشيخوخة، قانون معجّل مكرّر يتعلق بالعفو العام.

من جهة ثانية، تحدّث بري عن قوانين مهمة، ولكنها مقدمة باقتراحات عدة للقانون الواحد تتعلق: برفع السرية المصرفية، تبييض الأموال، واسترداد الأموال المنهوبة». وقال: «بدءاً من الغد اليوم سأحيل قوانين عدة الى اللجان المشتركة للإسراع بحسمها ونائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي سيعقد 3 جلسات يومياً لإنجازها».

وتابع: «أمام اللجان قانون انتخاب جديد على اساس لبنان دائرة انتخابية واحدة والنسبية المقدّم من كتلة التنمية والتحرير».

وقال بري «إنه مع الحراك بكل مطالبه ما عدا قطع الطرقات والشتائم والإهانات».

الى ذلك، خفّضت وكالة «موديز» التصنيف الائتماني للبنان من Caa1 الى Caa2 مع نظرة مستقبلية سلبية.

اترك تعليقاً

Back to top button