المطلوب لقطع الطريق على مخطط سرقة احلام الناس في التغيير
حسن حردان
يخطئ من يعتقد أنّ الانتفاضة الشعبية العفوية، التي اندلعت في 17 تشرين الأول الماضي، ليست تعبيراً عن وصول الناس إلى ذروة السخط والغضب على سياسات الإفقار والنهب المنظم لثروات البلاد منذ عام 1992 وحتى اليوم، بفعل النهج النيوليبرالي المتوحّش الذي دشن مع تشكيل أول حكومة حريرية في البلاد.. كما يخطئ من يظنّ أنّ هذه الانتفاضة الشعبية العفوية لا تركب موجتها وتستغلها دول خارجية على رأسها الولايات المتحدة، عبر بعض الأطراف المحلية التي تدين بالتبعية لها، لأجل تحقيق أهدافها السياسية بما يمكنها من إحداث تغيير في ميزان القوى لمصلحتها لمحاصرة المقاومة وحلقائها ومحاولة نزع سلاحها الصاروخي النوعي الذي بات مصدر القلق الأساسي لكيان الاحتلال الصهيوني..
ان ينتفض الناس ضدّ الظلم الاجتماعي الذي تتمادى فيه الطبقة السياسية لهو أمر طبيعي، بل يجب أن يحصل حتى يتمّ وضع حدّ للسياسات التي سبّبت وتسبّب الأزمات الاجتماعية، وتعمّق التفاوت الاجتماعي بين غالبية تزداد فقراً وعوَزاً وقلة تزداد ثراء وفجوراً في استغلالها ونهبها للمال العام من خلال وضع اليد على موارد البلاد…
أما أن تسارع واشنطن، وأطراف هذه الطبقة السياسية، لاستغلال معاناة الناس وانتفاضتهم، والعمل على حرفها عن مسارها وهدفها الأساسي وتحويلها باتجاه تحميل مسؤولية الأزمة للقوى المعارضة للسياسات الأميركية، والداعية فعلاً إلى الإصلاح ومحاربة فساد الطبقة السياسية، فهو أمر، وانْ كان منتظراً، إلا انه يجب أن يشكل استفزازاً للمتظاهرين المحقين في مطالبهم، ويدفعهم إلى التنديد بهذا الاستغلال الفجّ والخطير لانتفاضتهم، الساعي إلى سرقة أحلامهم بالتغيير، بغية إحداث تغيير رجعي يعيد تعزيز النهج النيوليبرالي الريعي الذي ربط لبنان اقتصادياً بعجلة التبعية للغرب وفي مقدمته واشنطن، وكان السبب في تدمير مقوّمات الإنتاج الوطني وتحويل لبنان إلى بلد يعتاش على الاستدانة وتسوّل المساعدات الممهورة بشروط الذلّ والمهانة.. فليس خافياً دور أحزاب «القوات» و»المستقبل» و»التقدمي» والجماعات الإسلامية، التي انخرطت في الحرب الإرهابية على سورية وكانت وراء مساعدة التنظيمات الإرهابية، من النصرة وداعش، في إيجاد موطئ قدم لهم في لبنان قبل أن يتمكن الجيش الوطني اللبناني والمقاومة بالتعاون والتنسيق مع الجيش السوري من دحر واجتثاث هذه الجماعات الإرهابية من السلسلة الشرقية.. وغيرها من الجماعات التي توجه من السفارة الأميركية، وظهر هذا الدور في رفع الشعارات السياسية التي تدعو إلى نزع سلاح المقاومة واستقالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لكونه ينهج سياسة مستقلة ويدعم المقاومة، والدعوة إلى تشكيل حكومة تكنوقراط غير سياسية برئاسة الرئيس سعد الحريري، رئيس كتلة المستقل، ما سيشكل في حال حصولها بمثابة انقلاب أبيض على نتائج الانتخابات النيابية وضدّ المقاومة والتيار الوطني الحر والقوى الوطنية.. يتمّ من خلاله تعويض خسائر المشروع الأميركي في سورية واليمن وفي المواجهة مع إيران.. كما ظهر هذا الدور للأطراف التابعة لواشنطن، من خلال قطع الطرقات وتعطيل حركة الناس والاقتصاد، بقصد زيادة الضغط لفرض تشكيل هذه الحكومة، بعد تقديم الرئيس الحريري استقالة حكومته.. وهو ما دعا إليه علناً ونظّر له رئيس حزب القوات سمير جعجع…
من هنا فإنّ ما هو مطلوب اليوم، قطع الطريق على هذا المخطط لسرقة أحلام الناس بالتغيير لمصلحة الأطراف الداخلية والخارجية المسؤولة عن أزمات اللبنانيين.. وذلك من خلال:
أولاً: مبادرة المنتفضين العفويين إلى بلورة لجنة تمثلهم تعلن رفضها تسييس مطالب الناس المحقة والتبرّؤ من الشعارات التي تستهدف المقاومة وسلاحها الذي برهن بأنه الضمانة لحماية لبنان من التهديدات والأطماع الصهيونية في أرضه وثرواته النفطية والمائية..
ثانياً: رفض أسلوب قطع الطرقات الذي يضع الحراك الشعبي في صدام مع غالبية اللبنانيين الذين يريدون الذهاب إلى أعمالهم ويؤيدون الحراك في الوقت نفسه لناحية المطالب التي يرفعها لناحية تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير فرص العمل، وحلّ المشكلات الخدماتية، ومحاربة الفساد، وغيرها من المطالب الاجتماعية والإصلاحية.. وبالتالي رفع الغطاء عن القوى والجماعات التي تقطع الطرق لأهداف سياسية لا صلة لها بمطالب الناس العادلة..
ثالثاً: إعلان إدانة التدخلات الأميركية في شؤون لبنان الداخلية ومطالبة الحكومة الجديدة، التي ستشكل، برفض إملاءات الإدارة الأميركية وحزمة العقوبات المالية التي تفرضها على لبنان وبالتالي تحرير لبنان من الوصاية الأميركية.. ذلك أنه لا يمكن الفصل بين النضال من أجل تغيير السياسات الريعية، المسؤولة عن الأزمة وإشاعة الفساد، وبين التحرّر من التبعية للسياسة الأميركية التي لها مصلحة مباشرة في إبقاء هذه السياسات التي توفر لها البيئة المواتية للحفاظ على نفوذها الاستعماري في لبنان والتدخل في شؤون اللبنانيين وتحريضهم ضدّ بعضهم البعض كلما رأت في ذلك مصلحة لها ولكيان الاحتلال الصهيوني.
انّ الاستمرار في رفض تمييز الحراك الشعبي عن الأطراف الداخلية والخارجية التي تعمل على حرفه عن مساره وتوظيفه في خدمة أجنداتها السياسية، إنما يسهم، من حيث لا يدري الناس العفويين، في خدمة هذه الأطراف وتمكينها من إجهاض انتفاضهم العفوية لتخلف بذلك شعوراً بالإحباط..
انّ إيّ انتفاضة عفوية لا ترتقي إلى مستوى تنظيم نفسها وبلورة مطالبها وأهدافها الواقعية القابلة للتنفيذ، والضغط، إلى جانب خوض التفاوض، لأجل تحقيقها، فإنها ستبقى قاصرة وقد يجري إجهاضها من قبل القوى المتضرّرة منها.. لقد حققت الانتفاضة حتى الآن العديد من الإنجازات وأهمّها توحد اللبنانيين من الطوائف والمذاهب حول مطالبهم الاجتماعية والتمرّد على الطبقة السياسية، وإلزام الحكومة بإلغاء الضرائب واعتماد سلسلة من الإجراءات والخطوات للحدّ من الأزمة المالية، وفرض تسعير بطاقات وفواتير الخليوي بالليرة اللبنانية، وأخيراً تحديد رئيس مجلس النواب نبيه برى جلسة تشريعية يوم الثلاثاء المقبل لإقرار:
– قانون مكافحة الفساد، وإنشاء محكمة خاصّة بها.
– استعادة الأموال المنهوبة، ومكافحة الجرائم الماليّة وتبييض الأموال.
– رفع السّرّيّة المصرفيّة.
– قانون العفو العام.
– إقرار قانون ضمان الشيخوخة.
– طرح «مشروع قانون انتخابيّ جديد على أساس لبنان دائرة واحدة مع النّسبيّة». مقدّم من كتلة التنمية والتحرير.
انّ كلّ ما تقدّم لم يكن ممكناً قبل الانتفاضة العفوية التي هزّت أركان الطبقة السياسية، ولهذا فإنّ السبيل لجعل المجلس النيابي يقرّ مثل هذه القوانين، وإجبار الحكومة المقبلة على تنفيذ الورقة الاقتصادية، إنما يكمن في مواصلة الضغط الشعبي السلمي في الساحات، لا سيما أثناء انعقاد الجلسة التشريعية لمجلس النواب، وبعد تشكيل الحكومة الجديدة.. فسلاح الضغط الشعبي الحضاري يجب أن يبقى سيفاً مسلطاً لضمان إقرار المطالب الشعبية ومحاربة الفساد واسترداد أموال وحقوق الدولة المنهوبة.. وصولاً إلى فرض تغيير جذري في السياسات الريعية التي سبّبت الأزمات…
كاتب وإعلامي