المقاومة والحراك: ثلاث معادلات حاكمة في لبنان
ناصر قنديل
– يدور الوضع المأزوم في لبنان على ثلاثة محاور في آن واحد: الأول هو محور المواجهة بين المقاومة والمشروع الأميركي، الذي يلعب على حافة الهاوية في لحظة تكاد حروب المنطقة تصل لنهاياتها بخسائر جسيمة لحقت بهذا المشروع تكرّست خلالها اليد العليا لمحور المقاومة وحلفائه في سورية واليمن والعراق وجهة الملف النووي الإيراني مع عجز العقوبات الأميركية عن إخضاع إيران او دفعها للانهيار، ومع العجز الأميركي عن مجاراة قدرة إيران وقوى المقاومة على مواصلة التحدّي في الميدان العسكري كما قالت عملية إسقاط الطائرة التجسسية الأميركية العملاقة في هرمز، وعملية أفيفيم في شمال فلسطين المحتلة، وعملية أرامكو في السعودية. وعلى هذه الجبهة التي يحاول الأميركي عبرها إلحاق خسائر بقوى المقاومة من بوابة الضغط المالي وصولاً للانهيار، بهدف تحقيق تفوّق تفاوضي أو توازن خسائر لا تزال المقاومة تراقب حدود القرار الأميركي بأخذ لبنان نحو الانهيار المالي، من خلال مواقف تتظهّر على الساحة اللبنانية السياسية والأمنية، ومنها حدود ما يجري على ساحة الحراك.
– تتصرّف المقاومة على هذه الجبهة بتروٍّ وهدوء، لأنها لا ترغب بالذهاب لخيارات راديكالية تتمثل بتشكيل حكومة موالية للمقاومة وخيارها بالكامل في ظل وجود أغلبية نيابية كافية لذلك ووجود رئيس جمهورية قادر على ذلك، وترك الانسحاب من الشراكة العمليّة في السلطة في لبنان على أكثر من صعيد، التي يشكل الأميركي مباشرة عبر التمويل، وبصورة غير مباشرة عبر حلفائه، الطرف المقابل فيها. وعندما يبدو ثابتاً أن الأميركي ذاهب لكسر الشراكة، وصولاً لدفع لبنان نحو الانهيار المالي، سيكون الخيار الراديكالي حاضراً، وفيه إجراءات تتخطّى موضوع الحكومة الملتزمة بالمقاومة، وصولاً لمحاكمات نوعية في ملفات الفساد واستعادة الأموال المنهوبة وكلها تمّت تحت العين الأميركية وبرعاية وتشجيع أميركيين كما تقول مواصلة عمليات التمويل ومنح القروض الدولية، وكذلك ستكون المحاكمة على سياسات الاستدانة التي تمّت برعاية وتشجيع أميركيين. والأهم أن لبنان سيكون ضمن محور اقتصادي يبدأ من الجيرة الجغرافية مع سورية والعراق وصولاً لإيران وانتهاء بالصين وروسيا. والمعطيات المتوافرة تقول إن الأميركي لن يذهب لنهاية الطريق في دفع لبنان نحو الانهيار لأنه يدرك النتائج والتبعات.
– المحور الثاني الذي تدور عليه التطورات هو محور العلاقة بالمكوّنات السياسية الأخرى، وخصوصاً ثنائي تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، وعنوان المراقبة والمتابعة هنا هو، رؤية مدى وجود مشروع خفي يريد الانقلاب على نتائج الانتخابات النيابية بداعي مقتضيات تشكيل حكومة جديدة تلبي تطلعات الشارع، وإفساحاً في المجال لتظهير النيات، تنفتح المقاومة على خيارات عديدة تطرح على الشركاء في الحكومة السابقة، تلاقي في جوهر برامجها حاجات الإصلاح ومكافحة الفساد والنهوض بالاقتصاد ولا مانع من مراعاتها في الشكل للكثير من الحساسيات والحسابات، شرط حفظ التوازنات التي حملتها الانتخابات من جهة، وعدم تبطينها لقرار أميركي باستبعاد المقاومة عن الحكومة أو السعي لإلحاق خسائر بأي من حلفائها. وعلى هذا الصعيد لا يزال البحث جارياً عن تلاقٍ في منتصف الطريق، يبدو ممكناً وتقول الأجواء السياسية بأنه يحقق تقدماً.
– المحور الثالث، هو التجاذب والتلاقي مع الحراك الشعبي الذي لاقته المقاومة بانفتاح وترحيب، ووجدت فيه قوة ضغط نحو مكافحة الفساد وإصلاح الوضع الاقتصادي، وسجلت قلقها من شعاراته غير المحسوبة مثل إسقاط الحكومة وصولاً للعهد والمجلس النيابي، وما يترتّب على ذلك من قفزة في المجهول وتسريع للفراغ والفوضى، كما سجلت اعتراضها على أساليب قطع الطرقات والشتائم التي طبعت الحراك في أيامه العشرين. وكانت تراقب تطور الحراك وتأثير خطابها في أوساطه، ويبدو أن التلاقي في منتصف الطريق يقترب، وأن تموضع الحراك على خط الانسحاب من قطع الطرقات، وتركيزه على الاحتجاجات المرتبطة بملفات الفساد، وابتعاده عن الشتائم، يجعله أقرب للتلاقي مع المقاومة في منهج عمل يتيح ضخّ قوى ومقدرات شعبية لحساب الضغط المنسّق من أجل تحقيق أهداف الحراك.