إيران تشكر ترامب ضمنياً على الانسحاب من لاتفاق
د.حكم أمهز
مع انطلاق المرحلة الرابعة من تقليص التزامها بالاتفاق النووي منتصف الليلة الماضية الأربعاء – الخميس ، تكون إيران قد تخلصت من الكثير من القيود التي فرضها عليها الاتفاق أو ما يُعرف بخطة العمل الشاملة المشتركة
JOINT COMPREHENSIVE PLAN OF ACTION JCPOA
لا سيما ما يتعلّق منها بتطوير أجهزة الطرد المركزي وعددها وزيادة كميات إنتاج اليورانيوم المخصب ورفع نسبة التخصيب، بما يعني ان إيران استفادت من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وإن كلفها ذلك خسائر نسبية على مستوى إجراءات الحظر الأميركي..
فعلى سبيل المثال، فإن الاتفاق يلزم إيران بخفض اجهزة الطرد المركزي CENTRIFUGES بنسبة الثلثين خلال عشر سنوات والسماح بتشغيل 5000 جهاز فقط في منشأة نطنز بنسبة 3.67 بالمئة خلال فترة 15 عاماً، ويلزمها ايضاً بخفض مخزون اليورانيوم الضعيف التخصيب من 10 آلاف كيلو غرام إلى 300 كيلوغرام على مدى 15 عاماً. كذلك يطلب الاتفاق إجراء تعديلات على مفاعل المياه الثقيلة قيد الإنشاء في آراك كي لا يتمكن من إنتاج البلوتونيوم من النوعية العسكرية.
غير أن إيران تحرّرت من معظم هذه الشروط مع عدم التزام الأطراف الموقعة على الاتفاق بالتزاماتها حياله. فقد اختصرت طهران المهل الزمنية من عشر سنوات وما فوق الى اشهر قليلة، ورفعت نسبة التخصيب من 3.67 الى 5 مع قدرتها على رفعها أكثر عند الحاجة كانت 20 قبل توقيع الاتفاق ، وكثفت من استخدام أجهزة الطرد، متجاوزة شرط التخصيب باجهزة الجيل الاول من طراز IR1 الى التخصيب بالجيل السادس من طراز IR6 بما يوفر قدرة اسرع على التخصيب تصل الى عشرة أضعاف.
وقد دشّنت إيران ايضاً ستين جهازاً من نوع IR6 . وعليه فان إيران كانت تنتج يومياً 450 غراماً من اليورانيوم باتت ومنذ شهرين مع استخدام الجيل السادس تنتج عشرة كيلوغرامات يومياً. واذا ما استخدمت أجهزة الطرد من الجيلين السابع والثامن اللذين صنعتهما مع الأجيال الأخرى، في مصانع وخبرات إيرانية خالصة، فإن نسبة التخصيب والإنتاج ستكون مضاعفة أكثر أيضاً..
وكشف رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية علي اكبر صالحي عن أن العلماء الإيرانيين يعملون الآن على تطوير نموذج IR9 الذي يعمل أسرع من أجهزة IR1 بخمسين مرة.
كذلك أعلنت إيران انها حققت الاکتفاء الذاتي في مجال تخطيط وإنشاء مختلف أنواع أجهزة الطرد المرکزي وتصنيع أي نوع منها دون أي مشکلة. وأكدت توفر الكعكة الصفراء التي تعتبرها اهم من أجهزة الطرد، اذ ان إيران باتت تنتج 25 طناً من الماء الثقيل، بعد تدشين المدار الثانوي لمفاعل اراك للماء الثقيل الذي يشكل 50 في المئة من قدرة تشغيل المفاعل. وباتت إيران تزوّد 190 مستشفى في البلاد بالأدوية النووية وتصدّر بعضها الى الخارج.
المرحلة الرابعة لتقليص طهران التزاماتها بالاتفاق النووي، بدأت مع تشغيل مفاعل فوردو في قم، والشروع في عمليات ضخ 2000 كلغ من غاز سادس فلورايد اليورانيوم UF6 بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 1044 جهاز للطرد المركزي فيه بنسبة تخصيب 4.5 . وكان الاتفاق النووي يقضي بتحويل هذا المفاعل الى مفاعل بحثي فقط لا إنتاجي نووي.
وأعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني ان لدى بلاده وفقاً للاتفاق النووي 1044 جهازاً للطرد المركزي في منشأة فوردو، وكان من المفترض وفقاً للاتفاق، أن تدور اجهزة الطرد المركزي فيه، دون ضخ الغاز، مشيراً الى انه طلب الى منظمة الطاقة بدء عمليات الضخ في الأجهزة ابتداء من اليوم الأربعاء أمس . وذلك بعد يوم واحد على اعلان علي اكبر صالحي تدشين سلسلة ثلاثية لأجهزة الطرد IR6 في مجموعة اس.بي في مفاعل نطنز وضخ الغاز فيها.
الجدير بالذكر أن المسؤولين الإيرانيين يربطون دائماً بين تقليص التزامات بلادهم بالاتفاق والتعنت الأميركي باستمرار الانسحاب منه والتصعيد بفرض مزيد من إجراءات الحظر على طهران، ويؤكدون دوماً أن إيران مستعدّة للتراجع فوراً عن عمليات التقليص التي اتخذتها، بمجرد أن تتراجع واشنطن عن إجراءاتها بدءاً من الانسحاب من الاتفاق.
أيضاً تقوم طهران بإبلاغ الوكالة الدولية بكل خطوة تقليص تقوم بها، وهي أعلنت أنها تعطي مهلة شهرين إضافيين الأوروبيين والأميركيين لتنفيذ تعهداتهم الواردة في الاتفاق وإلا ستستمر في تقليص التزامها، وتبدأ بعد هذه المهلة، بالمرحلة الخامسة من عمليات التقليص.
ولا يزال لدى إيران الكثير من الخيارات التي يتضمنها البند 36 من الاتفاق النووي، وبينها رفع نسبة التخصيب واستخدام مزيد من أجهزة الطرد ورفع زيادة الانتاج والانسحاب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية NPT NON-PROLIFERATION TREATY، وغيرها كثير..
ولعل المتابع يمكن ان يستنتج ان إيران ربما توجه شكراً ضمنياً لترامب لعدم التزامه بالاتفاق، مما حرّرها من قيود الاتفاق التي تمتد لسنوات طويلة، وأبقى على الاعتراف الدولي بحقها في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية وهو الذي كانت تفتقده قبل توقيع الاتفاق. وبالتالي وإن عادت إيران الآن الى الالتزام بالاتفاق، هذا إن وفى الموقّعون بتعهداتهم، فهي تكون على المستوى الاستراتيجي قد قطعت أشواطاً كبيرة جداً في مسار التخصيب والتصنيع والإنتاج، واختبرت برعاية واشراف الوكالة الدولية، أجهزة جديدة مصنعة محلياً بالكامل، وهذا لم يكن بمقدورها تنفيذه فيما لو كانت لا تزال متلزمة بالاتفاق.
وسط هذا التصعيد المتبادل بين واشنطن وطهران، يبقى الاوروبيون مكتوفي الأيدي، عاجرين عن تغيير المعادلة، فهم غير قادرين على تغيير الموقف الأميركي ولا قادرين على الضغط على إيران للالتزام من طرف واحد بالاتفاق، معادلة يبدو انه من المستحيل كسرها الا بتراجع واشنطن.. وإلا فإن إيران ماضية في طريقها نحو تحقيق اهدافها في الاستفادة من الطاقة النووية السلمية وتصديرها الى العالم.