الوضع المصرفيّ يبلغ الخط الأحمر… نقص سيولة… وتجميد الاعتمادات ترقّب شعبيّ وسياسيّ للأداء القضائي بعد مثول السنيورة واستدعاء آخرين
كتب المحرّر السياسيّ
أوحى كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري بإعلان التمسك بتسمية رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، بأن المساعي السياسية التي بدأت بلقاء الحريري بوزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، وانتقلت إلى بعبدا بلقاء الحريري برئيس الجمهورية ميشال عون، لا تزال تراوح مكانها، حيث الحديث عن حكومة لا يترأسها الحريري ولا تضمّ باسيل، لا يلقى قبول الحريري، والحديث عن حكومة يترأسها الحريري ولا تضمّ باسيل لا تلقى قبول عون، وحيث الحكومة التي تضمّهما معاً يُخشى من رفضها سياسياً من القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، ما يستنهض الحراك للتصعيد، بعدما قال الحزبان إنهما سيعارضان مثل هذه الحكومة، ويعتقد الحريري وفقاً لأوساطه أن معارضتهما ستشكل فتيل إشعال للشارع الذي سبق ورفض تشكيلة حكومية سياسية، وأبدى تساهلاً مع تسمية الحريري.
لا تزال المشاورات تدور في هذه الزاوية، رغم لقاء بعبدا، ورغم لقاء سبقه بين الحريري والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، ما وضع كلام بري عن التمسك بالحريري في إطار أبعد من الانحياز لتسميته وترجيح كفة عودته إلى رئاسة الحكومة، لتقرأ فيه مصادر سياسية متابعة دعوة للحريري للامتناع عن سحب اسمه من التداول كمرشح لرئاسة الحكومة، بعد سماعه في بعبدا كلاماً يوحي بربط تسميته بشرط موافقته على حكومة لا يوافق على تشكيلتها خصوصاً لجهة التمثيل السياسي فيها وخصوصاً موقع باسيل فيها.
التجاذب الحاد الجاري على حافة الهاوية، سياسياً، يوحي بوضع دولي ضاغط عبرت عنه المواقف التي صدرت عن الخارجية الأميركية والبنك الدولي، والتي تضغط لحكومة توحي بتحقيق نقاط على العهد وحلفائه، وتلغي بنظر الكثيرين نتائج الانتخابات النيابية، لكن هذا التجاذب على حافة الهاوية سياسياً يتم فيما الهاوية الاقتصادية لا تبدو بعيدة، مع شح السيولة الذي تظهره المصارف في تداولاتها مع زبائنها، حيث فتح اعتمادات بالدولار الأميركي مستحيل كما يقول المستوردون من الذين لديهم حسابات بالدولار، وحيث الدفع بالدولار نقداً لا يتخطى بضعة آلاف لمن لديهم حسابات بمئات ألوف الدولارات، والدفع النقدي بالليرة اللبنانية يخضع لمراجعات متلاحقة ويتم بالقطارة، وهي إجراءات يقول الخبراء الماليون والمصرفيون إنها تسبق الانهيار العام، وإن كان بعض المعنيين في العمل المصرفي العام أو الخاص يريدها وسيلة ضغط سياسية وشعبية لرفع أسهم خيار حكومي على حساب خيار آخر فهي كلحس المبرد، قد تبدو مفيدة مؤقتاً لمثل هذه الحسابات، لكنه قد يخرج عن السيطرة، ويؤدي لسقوط لا طريق خروج منه.
في ظل الغموض السياسي والمالي كان الحراك الشعبي يسلّم رايته للطلاب الذين ملأوا شوارع المناطق، بينما تنقلت الاعتصامات أمام بيوت المسؤولين الحاليين والسابقين تحت عنوان مكافحة الفساد. وبقي ملف الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة في صدارة هذه الملفات، بعدما تمّ التظاهر أمام بيته في شارع بليس، وأمام مكتبه في الهلالية بصيدا، بينما كان المدّعي العام المالي قد استمع لإفادته وسط ترقب عام لطبيعة الاستماع، وما إذا كان يتيماً أم ضمن مسار قضائي لكشف مصير الأموال التي ضاعت في سراديب الهدر والفساد خلال ثلاثين عاماً مضت كان السنيورة خلال أكثر من ثلثيها رئيساً للحكومة أو وزيراً للمالية، ووفقاً لمصادر معنية بمكافحة الفساد ستشكل قضية الاستماع للسنيورة ومسارها فرصة للتعرف على حدود المسار القضائي الذي تحرّك بأكثر من اتجاه خلال اليومين الأخيرين، وما إذا كان تنفيساً لغضب الشارع أم مساراً جدياً لكشف المستور في ضياع المال العام والمخالفات القانونية المرتكبة في إنفاقه والتصرف به.
لم تفضِ المشاورات الرئاسية حتى الساعة الى أيّ اتفاق حول طبيعة المرحلة الحكومية المقبلة، فبعد لقاءين متتاليين بين رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري والوزير جبران باسيل، زار الحريري بعبدا والتقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بناء على طلب عون الذي اتصل بالحريري من اجل الاطلاع على ما لديه من معطيات حول تشكيل الحكومة.
وبعد اللقاء قال الحريري: «سنكمل المشاورات الحكومية مع باقي الأفرقاء «وهيدا الشي الوحيد يلي بدي قولو».
وعلمت «البناء» أنّ اللقاء لم يُحرز تقدّماً على صعيد تأليف الحكومة وقد تركز أغلب النقاش على الوضعين الاقتصادي والمالي الذي بلغ درجة عالية من الخطورة، وهذا ما كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري حذر منه في وقت سابق خلال تواصله مع الحريري خلال الأيام القليلة الماضية، وأكد بري في حديثٍ لـ»ان بي ان» أمس أنه «مصرّ كلّ الإصرار على تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة»، وقال: «إصراري على تسمية الحريري لأنه لمصلحة لبنان وأنا مع مصلحة لبنان». كما زار المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسن خليل بيت الوسط واجتمع بالحريري بحسب ما ذكرت قناة «المنار».
في غضون ذلك، استمر الحراك الشعبي في الشارع إلا أنه سجل تراجعاً كبيراً في الحشد الشعبي في الساحات لا سيما في رياض الصلح والشهداء وصيدا، ما يفسر بحسب مراقبين اللجوء الى الحشود الطالبية لملء الساحات، وقد تجمّع عدد من طلاب الجامعات والمدارس أمام الإدارات الرسمية والعامة رافعين شعارات مكافحة الفساد ومطالبين بحكومة أكفاء إنقاذية، بعيداً من إقفال الطرق.
كما تجمع عدد كبير من المتظاهرين أمام منازل عدد من السياسيين لا سيما منزل الرئيس السابق فؤاد السنيورة في بلس الحمرا وطالبوا بمحاكمته وإعادة الاموال المنهوبة، كما تظاهروا أمام منزل النائب نهاد المشنوق في قريطم ومنزل وزير الاتصالات محمد شقير.
وكان المدّعي العام المالي القاضي علي إبراهيم استمع الى السنيورة الذي حضر الى قصر عدل بيروت للإدلاء بإفادته حول موضوع صرف مبلغ 11 مليار دولار عندما كان رئيساً للحكومة بين العامين 2006 و2008. وذلك في جلسة استجواب دامت 4 ساعات. وبعد الجلسة قال إبراهيم في حديث: «السنيورة فاجأني بحضوره وكانت جلسة استماع مطوّلة».
وكان المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات أشار أمس الأول الى أنه «بسبب تعذر إبلاغ الرئيس السنيورة بموعد الجلسة، تقرّرت جدولتها من خلال النيابة العامة التمييزية وتحديدها الخميس في 14 الجاري».
كما ادعى القاضي إبراهيم على المدير العام للجمارك بدري ضاهر في جرم هدر المال العام. في المقابل، ادعى ضاهر على إبراهيم لدى التفتيش القضائي بجرم تسريب معلومات سريّة وتحقيقات.
كما أحال القاضي عويدات الشكوى المقدّمة من عدد من المحامين في حق كل الوزراء في الحكومات المتعاقبة منذ العام 1990 ولغاية تاريخه الى المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري للمباشرة في التحقيقات واتخاذ الإجراءات اللازمة وإبلاغه بنتائجها.
في الموازاة تتصاعد الأزمة المالية والاقتصادية، وقد أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمس، أن «القطاع المصرفي في البلاد يقدّم خدماته الاعتيادية للزبائن رغم الصعوبات الأمنية وبعض المشاكل اللوجستية الصعبة بسبب الحراك الشعبي، فيما يبقى حل الأزمة بيد السياسيين».
وقال سلامة في حديث لـ DW عربية إن «وضع لبنان صعب للغاية، ولكن رغم ذلك يستمر القطاع المصرفي في البلاد في تقديم خدماته للزبائن». وأشار الى أن «الظروف صعبة تمر بها البلاد بسبب الحراك الشعبي المستمرّ منذ أسابيع، حيث يتم قطع الطرق أحياناً وتنقطع الاتصالات أحياناً أخرى. ولكن المصارف في مختلف أنحاء البلاد تبقى مفتوحة وتقدم خدماتها العادية للزبائن».