مشروع روسي للتسوية يُجهض مشروعاً أميركياً لاستهداف سورية
د. وفيق ابراهيم
بدأ أمس الاجتماع الأول لوزراء خارجية التحالف الدولي ضدّ «داعش»، في مقرّ الحلف الأطلسي «الناتو» في بروكسيل. وتحاول واشنطن من خلال المؤتمر الذي يُنتظر أن يجمع نحو ستين دولة، الحصول على تغطية دولية لشنِّ غارات جوية على مواقع الجيش السوري.
أما لجهة موقف القيادة الروسية، فقد بات واضحاً، وينطلق من وجود إرهاب دولي يضرب حالياً الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، متوثباً للانقضاض على قارات جديدة. وبدلاً من مكافحته في أماكن انتشاره الحالية في سورية والعراق، يجري استثماره من قِبل قوى إقليمية ودولية لمصالحها الخاصة وعلى حساب المنطقة العربية والعالم بأسره. وإلا، لماذا تقتصر ضربات طائرات التحالف الأميركي على بعض كتائب «داعش» في عين العرب، ولا يتم قصف المواقع النفطية للتنظيم ومراكزه العسكرية وخطوط انتقاله وآلياته وأسلحته المكدسة والمتزايدة نوعاً وكمّاً وذخائره التي تعبر الحدود التركية بإشراف الاستخبارات المرتبطة مباشرة بمكتب رئاسة الوزراء التركية ؟
ضمن هذا الإطار، ينبثق تقاطع بين القيادتين الروسية والسورية على عقد مؤتمر للتسوية في موسكو، بين النظام وكل أطياف المعارضة، غير الإرهابية والتكفيرية، الداخلية منها والخارجية، مع بعض الشخصيات المستقلة بهدف التوصل إلى تسوية تقوم على أربع نقاط:
ـ القضاء على الإرهاب
ـ إعادة إعمار سورية سياسياً ومادياً
ـ إشراف القيادة السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد على كل المراحل التي تسبق الانتخابات الرئاسية المقبلة في موعدها الدستوري، وللرئيس حقّ الترشح مجدّداً.
ـ تشكيل حكومة تعاون الرئيس الأسد في إدارة البلاد، بعد الانتهاء من المؤتمر مباشرة، وتضم حزب البعث والأحزاب الوطنية وفئات المعارضة المشاركة.
هذه النقاط هي محور المؤتمر الذي سترعاه موسكو قريباً، وهي أيضاً الأداة التي لن تسمح للبيت الأبيض وأزلامه في فرنسا وتركيا بشن «غارات جوية غامضة» على الجيش السوري، كما قال العبقري الفرنسي لوران فابيوس المعروف بأصوله الصهيونية.
ويعتقد الروس أنّ مجرّد لقاء النظام السوري بتشكيلات المعارضة، ينزع الشرعية فوراً عن التشكيلات الإرهابية السورية والدولية العاملة في سورية، وكلّ ألوان المعارضة المقيمة في تركيا وقطر أو المستزلمة للرياض وباريس وتل أبيب.
ويحظى هذا المسعى بتأييد صيني وآخر من دول البريكس ودول معاهدة شنغهاي ودول عربية وإسلامية، تخشى على استقرارها من العدوانية الأميركية والتأديب الاقتصادي الخليجي.
وكانت أميركا أوعزت إلى ستين دولة، زعمت أنها أعضاء في ما يسمى «التحالف الدولي»، بالمشاركة في المؤتمر الذي استضافه «الناتو»، مدّعية أنّ «الناتو» في هذه الحالة حصراً، ليس إلا ديواناً للمضافة، فالحلف سيد مواقفه ولا أحد يفرض عليه شيئاً.
يبدو أنّ واشنطن نسيت أنّ «الناتو» هو أداة عسكرية في يدها تستعملها لتأديب القوى المناهضة لها، وهو المعبّر العسكري عن المصالح الغربية. ونسيت واشنطن أيضاً أنّ مرجع التحالف الدولي هو مجلس الأمن وليس «الناتو»، كما أنّ إضفاء شرعية دولية على مشاريع قصف جوي، هو عملٌ أكثر قانونية من استعمال ستين دولة تتبع السياسة الأميركية في شكل أعمى، خوفاً أو تبعية أو ارتزاقاً، للتغطية على جرائم أميركا الدولية.
لذلك، لا يمكن فهم هذا المؤتمر إلا في إطار الاستراتيجية الأميركية المضمرة التي تهدف إلى إسقاط النظام السوري، في لعبة دومينو تفتح كامل المنطقة للنفوذ الأميركي ـ الإسرائيلي وتضعها في خدمة التصدي لروسيا والصين.
وتريد واشنطن أنّ يستتبع إسقاط نظام الرئيس الأسد، بإنهاء حزب الله وتدمير القوى المؤيدة لسورية والحزب في العراق، وهذا يعني لجم النفوذ الإيراني في المنطقة. وعندما يتحقق هذا الأمر، تجد واشنطن حلاً سريعاً للملف النووي الإيراني، ومن دون مساومة، لأنها لن تجد في ذلك الوقت، إلا دولة ضعيفة يتم تشذيب مخالبها، وتتحول إيران إلى «مملكة سعودية».
وهكذا نستنتج أنّ واشنطن لا تقف في وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لأنها لا تؤيد إٍسقاط النظام السوري، بل لأنها تعارض مشروع بناء دولة عثمانية في المنطقة، لا تقبلها كلٌ من السعودية ومصر ومعظم البلدان العربية. لذلك وقفت واشنطن في وجه تدخّل أنقرة عسكرياً في سورية، والطريف أنها تجاهلت الرعاية التركية للإرهاب ثلاث سنوات، على مستوى عبور الإرهابيين وتدريبهم وتمويلهم وتسليحهم، ولم تنطق ببنت شفة، إلا في اللحظة التي اعتقدت فيها أنّ زمن الاستثمار قد اقترب.
وهكذا يتصارع المشروعان الروسي والأميركي في لعبة شديدة الخطورة، تحتاج إلى تسويات سريعة، على المستويين المحلي والسوري والدولي، لأنّ لعبة «الناتو» لن تمر على موسكو التي لم تسامح نفسها حتى الآن لتساهلها في الموضوع الليبي. وكذلك فإنّ مسرحية الملف النووي لم تنطل على إيران التي تعي تماماً أنّ صراعها مع أميركا ليس نووياً، بل يندرج في إطار الصراعات السياسية والاستراتيجية.
وفي المحصلة، فإنّ سورية ليست ليبيا، والرئيس بشار الأسد قائد أثبت ريادته وحنكته ومدى الشعبية التي يتمتع بها في سورية ولبنان ومجمل العالم العربي، حتى أصبح يجسّد الصوت الحرّ في وجه الطغيان الأميركي ـ الأعرابي ـ الصهيوني. ولن يستطيع أحد تدمير سورية التي تبقى قلب المنطقة ورأس حربتها في التصدّي للإجرام الإرهابي الأميركي ـ التركي المتنوع.