أرواحهم في رقابكم فلتحملوا عبء الدماء!
ناصر قنديل
– لم تكن اللحظات الحارة لسقوط الشهيدين حسين العطار وعلاء أبو فخر، مناسبة للكلام الصريح مع اشتعال الحماسة بين أهلهما ورفاقهما وكل الحراك، للتغاضي عن حقيقة أنه مع كل التأييد لكشف التفاصيل الجرمية لسقوطهما وتحميل المسؤوليات لمن يجب أن يتحمّلها، أنهما قد سقطا شهيدين لسياسة قطع الطرقات التي لا تنتمي للتعبيرات السلمية الديمقراطية خلافاً لأكاذيب بقي يروّجها بعض الإعلام الفاعل لأسابيع ولو تراجع عنها بعضه اليوم، وانخرط فيها حقوقيون وجمعيات حقوقية، حتى بات يقتنع بها متحدّثون يبدو الصدق في كلامهم من المتظاهرين الحضاريين السلميين، وتغاضت عنها الأجهزة الأمنية وقيادة الجيش لأيام وأسابيع ما منحها شرعية ومشروعية، وحتى عندما خرجت تعلن بلسان قائد الجيش التزامها بمنع قطع الطرقات، ووصفته بالانتهاك للعهود الدولية والقانون، وصدّقها الناس وصدق مجلس النواب ورئيسه الالتزامات، لم تظهر الشوارع ما يتناسب مع القول بالفعل، فبدلاً من تثبيت تمركزات مقتدرة دائمة في النقاط التي تربط المناطق اللبنانية وتغطيتها سياسياً مع جميع القيادات، بقيت القوى الأمنية على الطريقة التي اعتمدت في البدايات، تتعامل مع قطع الطرقات وكأنه عمل ديمقراطي احتجاجي، تجري إحاطته برجال الأمن. وفي مرات نادرة يجري فك التمركز في الطرقات، مرات بطرق ودّية، ومرات بطرق عسكرية قاسية ليست مطلوبة أبداً، لأن القسوة تأتي بحق تجمّعات مدنية مسالمة وبالمئات غالباً، ويبقى رجال الميليشيات الذين يقطعون الطرق في أماكن أخرى ويكونون بالعشرات بمنأى عنها. وكانت الجلسة النيابية وما رافقها امتداداً كارثياً لقطع الطرقات، حيث لم تفعل القوى الأمنية والعسكرية ما تعلم أنه مهمتها التقليدية في حال كهذه، وهو الانتشار والتمركز المكثف على خط سير وتأمينه وإبلاغ النواب بخريطة الوصول الآمنة إلى المجلس النيابي.
– اليوم وأمامنا شهيدان جديدان هما حسين شلهوب وسناء الجندي، ماذا عسانا نقول، سوى أننا ننزلق نحو الخطر وسط العيون البلهاء والأشداق المفتوحة، التي تردّد كالببغاء كلاماً لا علاقة له بالقانون والعمل الاحتجاجي، عن الشعب يريد، والتعبير السلمي، والحق المشروع، والنتيجة شهيد رابع وخامس وسادس، حتى ينفجر غضب بوجه غضب، وننزلق إلى مشهد ليس ما شهدناه على جسر الرينغ أول أمس إلا نسخة مصغّرة عنه. والمشهد على الرينغ فيه الكثير مما يستدعي الإدانة من ألفاظ البذاءة والتهجّم والتعدّي وإثارة النعرات، لكنه كما حادثي طريقي المطار وخلدة، نتيجة وليس سبباً، وليحمل المسؤولية دعاة التهرب من حمل المسؤولية في القول كفى لقطع الطرقات، كفى قوية من الساحات التي يلتقي فيها أهل الحراك، وكفى قوية من الذين يرون في الحراك بارقة أمل للتغيير، لكنهم يقدّسونه لحد أنهم يرفضون أي نقاش حول خطورة سرقته والتلاعب فيه، لكنهم يجاملون ويسايرون على حساب الحقيقة، فيغضّون النظر عما يعلمون علم اليقين أنه مكمن خطر، ومولود لقيط وفد على الحراك من عقول الميليشيات، ولخدمة مشاريعها، وهو قطع الطرقات. والمطلوب أخيراً ليس كفى قوية من الجيش والقوى الأمنية، بل كفى بالقوة، والقوة الحازمة، لمرة واحدة وأخيرة.
– الكلام بحجم الواقعة التي ستقع إن بقي الحال على حاله، وليس فقط بحجم الواقعة التي وقعت، ويجب أن يعرف الجميع مسؤولياتهم، الذين يضحّون بغضب الشعب ويتساهلون مع بيعه أو تأجيره لحسابات سياسية فئوية، عنوانها دعم موقف قوى الرابع عشر من آذار بوجه قوى الثامن من آذار، بالضغط لاستشارات نيابية تسبق توافق الكتل النيابية على التسمية وشروطها وقواعدها، كما يفترض في أي نظام ديمقراطي، والذين يتغاضون عن العبث بهذا الغضب وتسليم عنقه ومستقبله لقطاع الطرق، والذين يمثلون مواقع مسؤولة في الدولة والمجتمع، بدءاً من وزير التربية الذي يعلن إقفال المدراس والجامعات، ببيان لا يقول فيه إن السبب الحرص على أمن الطلاب لنفهمه ونتفهّمه، بل يربط الإقفال بإفساح المجال لما أسماه التعبير الديمقراطي، لأن هناك قراراً بالإضراب اتخذته جهة مجهولة. فالحراك الذي يقول إن ليس له قيادة كيف يمكن أن يجتمع ويقرّر موعداً للإضراب؟ ومنذ متى يكون الإضراب بقرار من وزير التربية بالإقفال وليس من هيئات الطلاب وروابطهم؟ كنا طلاباً وعشنا أجمل أيام الحركة الطالبية ولم نسمع بهذه النظرية الثورية الجديدة، والسبب ليس عدم اطلاعنا بل لأنه إضراب بالقوة، يجبر عليه الطلاب لمنح الضجة اللازمة للإضراب المبرمج لأنه لا يوجد ما يكفي لصناعتها من التأييد الطالبي، كما الإضراب المفروض بالقوة عبر قطع الطرقات ومنع الناس من الوصول إلى أعمالها، والذي ليس إلا نوعاً من أنواع الإرهاب، والتعدي على الحريات، مروراً بالإعلام الذي يعرف عندما يريد أن يدين بأكثر من رفع العتب كيف ينظم الحملات ضد قطع الطرقات، وكيف يتعامل معها كعمل إجرامي وليس كنضال ثوري يتمّ تمجيده، ووصولاً إلى نقابة المحامين ونقيبها الجديد الآتي من كنف الحراك، والمسؤول عن الثقافة القانونية للناس ليخرج عن الصمت، ويقول بالفم الملآن إن قطع الطرقات لم يكن يوماً ولن يكون، تعبيراً سلمياً ديمقراطياً، فتوصيفه كتعبير عنفي موثق قانوناً، وابتعاده عن السلمية والديمقراطية يعرفه النقيب، وتشكيله جرماً بحق القانون لا يحتاج إلى القول لمن يخرجون على هواء التلفزيونات ويتحدثون عن مادة غير موجودة في دستورنا ولا في أي دستور تشرّع قطع الطرقات، إلا كفى تلاعباً بالمفاهيم وتزويرها، فالموجود كله يدينها ويجرمها، وانتهاءً بالساحات التي تمنعت حتى الآن عن المشاركة في التضامن مع حملة إضاءة الشموع تكريماً لروحَيْ الشهيدين، كأنها تقول إن الانتفاضة قد تطيّفت وانتهى، وإن الكلام عن الوحدة الوطنية كان كلاماً على القشرة لا مكان له في العمق، وأخيراً وليس آخراً رئيس الحكومة المستقيلة، وهو رئيس تيار المستقبل الذي يوفر الغطاء لقطع طريق الجنوب، ليقف بمسؤولية أمام هذه الشهادة، ويدرك حجم خطر لعبة العبث التي يمارسها أملاً بنيل رئاسة الحكومة بشروطه، لأن البلد يسقط أمام أعيننا، والمزيد من العبث بخطر فتنة لن يبقي بلداً ليترأس حكومته.
– ما نحتاج إليه كي يكون شهيدا قطع الطرقات آخر شهداء الجهل والعبث والممالأة والمجاملة، والتهرّب من المسؤولية، والرهان على الأرباح الصغيرة على حساب القضايا الكبيرة، هو أن تُقال الأشياء بشجاعة، وليرضَ من يرضى ويغضب من يغضب، كفى كبيرة وقوية من الرأي العام في الحراك وخارجه بوجه قطع الطرقات، وكفى بالقوة من القادة السياسيين لجماعاتهم ومن قائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية للجميع.
– أرواحهم في رقابكم جميعاً فلتحملوا عبء الدماء.