هي قلوبنا داخل قلوبنا

يقولون والقول صادقلا تأتي روح إلاّ بعد أن تفنى روح»، لعلّها حقيقة صائبة..

تلك التي رَبّت أولادها كلّ شبر بنذر وهذه التي جعلت من اللّاشيء أشياء وأشياء لتجعل وبكامل طاقاتها، من قسوة الحياة أعزّها وأكرمها تعليماً وترفيهاً فهي الأم الرّؤوم العطوف الحنون وبالوقت نفسه الضّرور القاسية الصّعبة في وقت مصلحتهم الخاصة ومستقبلهم الإيجابي..

لعلّه الدهر الذي تنقلب فيه الأيام يوم لك ويوم عليك..

لعلّه الجيل الجديد الجميل الذي كنا نتفاءل به، وإذ به انصهرت أحلامه وأمنياته رغماً عنه مع عصر الموضة والتزيين وبهورة السّيارات حتى أن طموحه تعدّى أحدث موديلاتها فلا يعجبه العجب ولا الصّيام في رجب!!؟

تبدّت أنانيّته في حبِّ التّملك والسّيطرة على كل ما يشبع رغباته ربما خوفاً من مجابهة المجتمع الذي فرض عليه اختلاطه معه أو ربّما خوفاً من المستقبل الغامض المجهول؟!!

وقد زاد الطّين بلّة هذه التّكنولوجيات الحيّة التي تعرض أجمل الوجوه وأفتن القامات وأتقن الصّناعات التجميلية المختلفة وأحدث الموضات والصّرعات الغريبة المدهشة؟

تحوّلت معاناة الأم مع أولادها من تربية جادّة مضنية إلى ترتيب دنيوي سُخِّرَ ضدّها !!

فلم تعد تعجبهم طريقة تربية أمّهاتهم في الحياة ولا أشكالهم الطبيعية ولا هندامهم البسيط المحتشم ولا حتى طريقة طهي وترتيب صحون الطعام فهم يتدخّلون دائماً في إيجاد حلول تناسب مذاقهم وذوقهم الذي اعتادوه في أفخم وأفخر المطاعم والمقاصف !!

على قولهم إنها نكهات عصريّة فاخرة !!

تشتدّ عصبيّتهم فهي تفوق حد الجنون عندما لا يحصلون على ما يريدون أو ما يلبّي تسديد فاتورة رغباتهم، أو ربما تصعب عليهم حالة الاستماع والحديث معهم لنجدهم لا يقدرون التّنصت الهادئ لهم لأكثر من ربع ساعة نظراً لتباين واختلاف الرأي حتى تصل الأمور فيما بينهم أحياناً الى حالة الشّكوى عَلناً أو التّذمّر الشّديد. فهم لا يتأخّرون بالتّعبير عن استيائهم بالتّكسير والتّطبيش وارتفاع الصّوت بل يجعلون من طبش الأبواب أو الجدران شخصية أخرى تبدّد ردود أفعالهم العميقة لوضع ما لا يعجبهم وبزعمهم أنه لا يقضي حاجتهم مقارنة مع أصدقائهم؟!

إن هذه التّناقضات التي يعيشونها الآن لن تجديهم عندما يدخلون بيت الزّوجية والجدّية..

عندها سَيَتَرحَّمون على أهاليهم وبالأخص أمّهاتهم وهم بذلك وبشكل انزلاقي وفطري سيقومون برسم طريق أولادهم كما رسمها آباؤهم لهم تماماً.. هذا ما نراه ونلتمسه واقعاً عبر أجيالنا المتتالية..

فلا تدين كي لا تُدان أيها الابن الأغلى وأيتها الابنة الأغلى؟؟

يا قلوبنا داخل قلوبنا..

د. سحر أحمد علي الحارة

زر الذهاب إلى الأعلى