قالت له
قالت له: لو رأيتني عندما أبتعد عنك كيف أبكي وعندما ألقاك كيف أبتسم لاكتفيت عن الحب من السؤال.
قال لها: لو تحتسبين لحظات الاهتمام والسؤال والرعاية والوقت المكرّس والهواجس وتحمّل الصدمات والخيبات، لقلت إنه صبر أيوب وأنت تبكين خوفاً من الابتعاد، لأنه يُصيب مصدر الأمان ويستحضر مصدر قلق والاقتراب بلا أعباء، فأنت تقتربين بطريقتك وتوصيفك وقواعدك ومزاجك وخياراتك تقترب معك، ومعها حقك المكتسب بالمحاسبة كمن يدير ملكية من ملكياته وليس كمن يداري عيناً عن عينيه؛ والحال معنا معكوس بين الإدارة والمداراة. وهذا ما يميز نظرة كل منّا للحب أو ما يسميه بالحب.
قالت: أنت تحوّل كلامي عن الحب إليك إلى كلام غاضب عليّ وتسميه حباً.
قال: أوضح لك أن ما تسمينه حباً هو حب للحالة وليس تكرساً لا بالوقت ولا بالعقل والاهتمام لأن الوقت عندك لا يتّسع والعقل منشغل والاهتمام له هموم.
قالت: وأنا أوضح لك أنه رغم كل توضيحك أنت الأقرب والأهم.
قال: أعلم، ولكنني لست شاغل البال ومستحوذ الهم. فأنا كوسادة ريش ناعمة دافئة تتكئين عليها وتسندين رأسك إليها وتكشفين أسرارك أمامها وتبقى الأقرب والأهم، لكن مواضيع حديثك مع الوسادة ليست عنها ودموعك التي تذرفينها عليها ليست لها، والأسماء التي تبوحين بها وزفراتك التي تسجلينها على سطحها معها ولا تخصّها. فالوسادة تُنصت للآهات وتكتم الأسرار وتهدئ الغضب وتتلقف الدمع وكله لك ومنك ومعك. فمَن يكون أكثر اهتماماً بالآخر أنت أم تلك الوسادة، فكيف عندما تكون الوسادة بشراً؟
قالت: لكنني أضمّ وسادتي وأغني لها وأرقص لها وأحاكيها وبيني وبينها كما بيني وبين مرآتي أحاديث ومشاعر ولا يتقدّم عليهما الناس الذين أذكرهم أمامهما.
قال لها: إذا ارتضيتِ المقارنة بيني وبين الوسادة والمرآة اتفقنا، لأن القضية هي قضية التبادل وهو غير قائم بينك وبين والسادة والمرآة فهو اهتمام من طرف واحد وتكرّس من طرف واحد ومواضيع الهم والاهتمام يقرّرها طرف واحد ناطق والآخر يلبّي بصمت.
قالت: إذن أن لا تسامح.
قال: لا تملك الوسادة حق التمرّد لذلك سامحت وأصالح.
قالت: كلامك يقيم حساباً لخاسر ورابح.
قال: لستُ في تجارة وليس عندي مصالح.
قالت: وأنا لا أقامر ولا أغامر ولا أتاجر فهل تصافح؟
قال: قبلات وليس مجرد مصافحة ووزعيها على كل المطارح.
تبسّمت وعانقته ومضيا.