أهو الذي ينغصّ عليكم الحياة والعبادة..؟
سماحة العلامة الشيخ عفيف النابلسي
ليس يأساً، ولكنه استحالة من أن تُقنع أحداً لا يريد الاقتناع، ولا يريد تغيير زاوية النظر، ولا يريد الاقتراب بوصة واحدة باتجاه منهج جديد للمعرفة، من أنّ المقاومة لا ترغب بالسلاح من أجل السلاح، ولا تسعى له للاستقواء في وجه أي طائفة من الطوائف، ولا تحمله لتنال من هيبة الدولة، ولا تعاظمه لتقليص سيطرة الجيش، وإنما تفعل ذلك كله من أجل لبنان وطناً سيداً مستقلاً. تفعله من أجل كرامة كل اللبنانيين وحريتهم وعزتهم. تفعله من أجلكم أنتم. حتى أنتم الذين تنتقدون المقاومة بشدة ولا تملكون بديلاً واقعياً سوى القول: «سلموا سلاحكم للجيش اللبناني». فهل تسليم السلاح للجيش سينهي مشكلة عدوان «إسرائيل» المستمر وأطماعها في لبنان؟ ها نحن نشهد يا سيادة المطران ماذا تريد «إسرائيل» من استيلائها على مياهنا وأرضنا. تفعل ذلك لتسرق نفطنا وغازنا. فماذا يفعل الجيش؟ وقدراته التي يريدها الخارج له محدودة ودور له خجول لا يرقى إلى مستوى الردع.
يا سيادة المطران كيف سيكون مصيرنا وتريد تسليمنا لدولة مثل هذه الدولة التي تسرق أبناءها عبر زعماء وسياسيين، ولا تسأل عن لقمة عيشهم! كيف سيكون مصيرنا لو لم تتحرك المقاومة لمواجهة الصهاينة المحتلين أو الإرهابيين التكفيريين، بل ماذا سيكون مصيركم أنتم! ماذا سيحلّ بكم وبكنائسكم ونسائكم لو لم يكن هناك مقاومة تدافع وتضحّي وتقدّم الدماء لتبقوا أعزاء أحرار، تطمئنون إلى أعراضكم ومعابدكم وأرضكم ومالكم؟ ستقول مجدداً: اتركوا الأمر للجيش؟ لا بأس. وهل كان هناك قرار للجيش ليدافع، ليقاتل، ليمنع الاعتداءات! أم كان المطلوب من الجيش أن يلعب دور المسهّل والمتغاضي عن هذه الجماعات لتحقق مشروعها على حساب الوطن ووجودكم.
دعنا يا سيادة المطران من الكلام العاطفي الذي تقوله باستمرار لمن يستمعون إلى عظاتك. عن أيّ سيادة واستقلال وقرار حرٍ تتحدّث؟ والأميركي هو مَن يحدد للسياسيين اللبنانيين حدود كلامهم ومواقفهم وأمنهم وعلاقاتهم وتجاراتهم مع الخارج.
يا سيادة المطران: الأميركي اليوم كما الأمس يهدّد الوجود المسيحي في لبنان بالزوال، كما هدّده في أعوام الحرب الأهلية. فأين كلمتكم القوية وصراخكم العالي؟
أين موقفكم من الأميركي الذي يريد سرقة غازنا من أجل الإسرائيلي؟
أتقرأ يا سيادة المطران عن تاريخ أميركا وحروبها وفتنها في العالم والمنطقة؟ أتقرأ كيف تزعزع استقرار الدول؟ وكيف تجوّع الشعوب؟ وكيف تدعم الأنظمة الشمولية الموالية لها القاهرة لشعوبها؟ أم أن ذلك لا يعنيك! فقط سلاح المقاومة هو شغلك الشاغل! السلاح الذي حماكم، بلا فخر ولا مِنّة، وجلب إليكم السلام؟ أهو الذي ينغصّ عليكم الحياة والعبادة!
يا سيادة المطران: إننا قوّم لم نعرف في تاريخنا إلا الحق والوقوف إلى جانب المظلومين. لم نعرف إلا الخير للإنسان كل الإنسان. لم نعمل لإقصاء أحد، ولا تهجير أحد، ولا الاعتداء على أحد، ولا إكراه أحد على دين وفكر. ولم نعرف في تاريخنا إلا الحب للآخر والانفتاح على الآخر والسيرة الحسنة والتعاون الذي أَمَرنا به الله ليعمّ الخير والسلام ربوع الإنسانية.
نحن يا سيادة المطران: حملنا السلاح ونحمله اليوم لا لنهيْمن ولا لنقتل بل لندافع عن الوطن ونحميه بأرواحنا. وكنا دائماً حريصين على قوة الجيش وحمايته لبلدنا فنرتاح من هذا العبء، لكن لو وفّرتم انتقاداتكم وذهبتم لمطالبة أصدقائكم بتسليح الجيش وعدم وضع قيود عليه لحماية لبنان من كل عدوٍ خارجي. أسأل يا سيادة المطران: إن كنتم تريدون جيشاً يدافع عن لبنان أم جيشاً تُفرض عليه إملاءات خارجية فيتحوّل حينها إلى حارس لمصالح الخارج وليس حارساً لمصالح اللبنانيين. هل تضمنون تسليحه وحرية خياراته بالدفاع عن بلدنا أم ماذا؟ وهذا السيد الذي تراه مهيمناً هو الذي بصبره وحلمه وسعة صدره وحبه وإخلاصه جعل لنا أرضاً نعيش عليها ووطناً نستقر فيه، وماء من كرامة نرتشفه، وقمحاً من ترابنا نزرعه.
هل سألت نفسك لماذا تلاحق أميركا هذا السيد وتتهمه بالإرهاب؟ لماذا تريد “إسرائيل” اغتياله وتدمير جماعته وطردهم من لبنان؟ تطول لائحة الأسئلة ولكن لتعلم أننا أبناء ذلك الإمام الذي قال: “الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”، أو ذاك الإمام الذي قال يوماً وهو العطشان الوحيد في صحراء كربلاء، بلا ناصر ولا معين لذلك اللعين :
«أتهدّدني بالموت يا ابن الطلقاء، إنّ القتل لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة”. الشهادة لله والكرامة للوطن ولكل المواطنين.والسلامعلىمَناعتبرواتبعالهدى!