عبير حمدان
مشهد طوفان الطرقات في مختلف المناطق اللبنانية حوّل خير السماء إلى نقمة جارفة كلّ ما يعترض طريقها من رواسب في ما يفترض أن يكون مسارب لتصريف مياه الأمطار، والسؤال المكرّر حول من يتحمّل مسؤولية هذا الواقع القائم لا يلقى أيّ جواب واضح ومنطقي.
المواطن الذي علق في وسط البرك المائية في الجناح ـ السان سيمون ونفق مدرج المطار ـ كوستا برافا لم يملك إلا عبارات اللوم ليتوجه بها إلى الجهات المعنية رغم إدراكه أنّ صرخته لن تجد صداها في ظلّ السياسة القائمة من تقاذف الاتهامات بين هذه الجهات كافة على قاعدة تنصل كلّ طرف من مسؤولياته البديهية وما يزيد الطين بلة الأزمة التي يعيشها البلد وتساهم بشلل إضافي في ظلّ اعتكاف الحكومة عن تصريف الأعمال.
لعلّ مستنقع نفق خلدة مستجدّ هذا العام وقد تضاربت المعلومات عن السبب بحسب التقارير المتلفزة هناك من قال إنّ المسالخ الموجودة في محيط المنطقة ترمي فضلاتها في مجاري الصرف الصحي، وهناك من أشار إلى أنّ المضخات التي تسحب المياه الى البحر معطلة، وتبقى هذه المعلومات في خانة الأخبار المتداولة في انتظار التأكد منها.
الجناح ـ سان سيمون
حوّلت الأمطار الغزيرة والسيول منطقة الجناح ـ السان سيمون الى بحيرات من المياه ودخلت السيول الى المنازل والمحال التجارية وأغرقت السيارات بالكامل كما اختلطت مياه الأمطار بمياه الصرف الصحي التي فاضت عبر المجاري التي لم تعد تستوعب الكمّ الهائل من كمية المياه.
وعمد سكان المنطقة بمبادرات شخصية منهم على فتح بعض المجاري لتصريف المياه وسط مناشدات لبلدية الغبيري للتدخل. وعمد بعضهم على استعمال الواح التزلج المائي للتنقل في المنطقة بعدما تعذر عليهم التنقل مشياً خوفاً من ان تغمرهم المياه. ولفت أحد المواطنين في المحلة بأنهم اعتادوا على اجتياح مياه الأمطار لأرزاقهم في ظلّ غياب الجهات الرسمية التي تطلق الوعود بمنأى عن التنفيذ.
نفق خلدة ـ كوستا برافا
تحوّل نفق خلدة إلى بحيرة تعوم فيها السيارات والباصات المدرسية، وعلقت بعض السيارات في داخله فيما أكمل المواطنون طريقهم سيراً على الاقدام، وجهد عناصر الدفاع المدني على مساعدة الناس المحتجزين في سياراتهم وفق الإمكانيات المتاحة، والنفق من مسؤولية شركة «الميز» وبحسب تقارير متلفزة يعود سبب ارتفاع منسوب المياه فيه إلى عطل طرأ على المضخات التي تسحب المياه منه إلى البحر.
الى جانب ذلك شهدت مكاتب عدة في مطار بيروت الدولي تسرّباً للمياه وكذلك الأمر في صالتي الوصول والمغادرة، ومقر شركة الميدل ايست الذي أنشأ حديثاً.
نهر الغدير ـ الجامعة اللبنانية
وكما كلّ عام طافت الطرق في حي السلم وفاض نهر الغدير بكلّ نفاياته المتراكمة ودخلت المياه والأتربة الى المحال والبيوت من جراء السيول
ولم تسلم الجامعة اللبنانية من الطوفان حيث انشغل الطلاب بنقل الصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدل أن يتابعوا محاضراتهم.
كما غمرت الأمطار منطقة الليلكي ومحيط كنيسة مار مخايل – الشياح، ودخلت الأمطار مبنى وزارة العمل حاجزةً المواطنين داخلها.
النبطية
وشهدت النبطية ومنطقتها امطاراً غزيرة طوال يوم أمس، وتسبّبت السيول بجرف الأتربة والحصى في العديد من الشوارع، لا سيما في منطقة تول – دوار حاروف، حيث تدفقت المياه بشكل كبير وتحوّلت إلى سيول اجتاحت العديد من المحال والمؤسسات التجارية في المنطقة وألحقت فيها أضرارا مادية.
الشوف
أدّت الأمطار الغزيرة التي تحوّلت الى فيضانات في الشوف الى أضرار بالطرق بعدما جرفت الأتربة والصخور، وتسبّبت ببعض الانخسافات كطريق كفرقطرة – عميق – رشميا، جسر القاضي – المناصف وسرجبال.
وحولت الأمطار الغزيرة بعض الشوارع الى مستنقعات موحلة بسبب الأتربة التي جرفتها المياه والانهيارات الترابية. وعملت البلديات على تسيير آليات لجرف الحصى والصخور.
كذلك أعادت السيول الحياة الى مجاري الأنهر والسواقي التي تدفقت على نحو كبير، فيما شهدت عدة طرق حوادث اصطدام وانزلاقات للسيارات.
عكار
نعمة المطر التي انتظرها المزارعون في مختلف المناطق العكارية تحوّلت إلى نقمة بفعل الاهمال والاستهتار، حيث فاضت قناة تسريب مياه الأمطار عند مفترق برقايل في نقطة بين بلدتي برج العرب ودير دلوم وحملت المياه كميات كبيرة من النفايات المتراكمة لمسافة طويلة لتقذفها على الطريق الرئيسية وتقتحم المحال التجارية والأراضي الزراعية في المحلة المذكورة وحمّل الأهالي المسؤولية لبعض البلديات المعنية التي لم تقم بواجباتها في الوقت المناسب كما هو مفترض لجهة تنظيف هذه القناة وتأهيلها قبيل مواسم المطر.
زحمة سير وسترات انقاذ بحرية
طوال يوم أمس توقف السير جزئيا في الجية – الناعمة – خلده، وصولاً الى أنفاق المطار بسبب غزارة الأمطار وتجمّع برك المياه، ووصلت زحمة السير من خلده الى صيدا، مما تسبّب بأعطال في عدد من السيارات. ونزل بعض طلاب المدراس من الباصات للذهاب الى منازلهم مشياً على الأقدام. وشوهد بعض الشبان يحملون «سترات» إنقاذ بحرية. وقطع الاوتوستراد من خلده الى الجنوب بسبب السيارات الآتية بالاتجاه المعاكس.
ولم تكن مداخل بيروت الغربية والشمالية أفضل حالاً من المداخل الجنوبية، فالأمطار الغزيرة أدّت الى تجمع المياه في المكلس وجسر الباشا حيث شهدت المنطقة زحمة سير خانقة.
فنيانوس: الوزارة لا تتنصّل من مسؤولياتها
وأمام مشهد السيول الجارفة وبرك المياه عقد وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال يوسف فنيانوس مؤتمراً صحافياً أعلن فيه انّ بعض المناطق هي خارج نطاق الوزارة كالاوزاعي ونفق خلدة، ورغم ذلك تمّت المسارعة على عملية آلية لتصريف المياه.
وقال: «أتفهّم معاناة الناس، ونتابع فوراً كلّ عملية تسكير الطرقات من جراء السيول، ولكن هناك صعوبة لصرف الاعتمادات بسبب الأزمة المالية التي تمرّ فيها البلاد، وانا لا أتنصّل من المسؤولية وأقدّم الدعم الكامل لكلّ المناطق الواقعة في المأزق، وأتابع لحظة بلحظة ما يحدث، وفرق الطوارئ موجودة».
وتابع: «أنا مستعدّ لتحمّل كامل المسؤولية، واتصلنا بالنيابة العامة التمييزية ووضعنا كلّ الملفات والصور حول ما حصل في منطقة خلدة الناعمة بتصرّفها ليتحمّل الكلّ مسؤوليته، لا أتهرّب من المسؤولية، ولا أتهم أحداً، أنا وفرق الطوارئ بأعلى جهوزية وموجودة على الأرض والتعاون قائم مع كلّ الإدارات والهيئة العليا للإغاثة وبلدية بيروت، كذلك الأمر مع وزارة الطاقة».
وأشار الى أنّ «مجاري الأنهر ليست من اختصاص وزارة الأشغال باستثناء مجرى نهر الغدير، ورغم ذلك الكلّ متعاون».
وقال: «انّ المدن الكبرى بيروت وطرابلس وصيدا، لا تدخل ضمن نطاق عمل وزارة الأشغال والاعتمادات متوفرة ولكن لا يمكننا صرفها بسبب الأزمة الحالية. إنما هذا لا يعني انّ الاعتمادات غير متوفرة، وأنا مستعدّ لتقديم الدعم الكامل لكلّ فريق حسب اختصاصه لأننا فريق عمل واحد».
أضاف: «انّ نفق الأوزاعي خلدة تابع لشركة الميز، إلا اننا قدّمنا المساعدة، وانا أتفهّم معاناة الناس وهذا حق لهم انما رمي كل الأمور على وزارة الاشغال لأنها في الواجهة، لا يجوز».
وأعلن أن «لجنة الاشغال النيابية ستعقد غداً اجتماعاً في المجلس النيابي ضمن لجنة مصغرة برئاسة النائب سيزار ابي خليل، لمعالجة موضوع المياه في الاوزاعي»، مشيراً الى أنّ «البنى التحتية قائمة منذ 50 عاما ولا تستوعب كمية الأمطار لافتا إلى ازدياد «الكثافة السكانية في الآونة الاخيرة مما يفاقم المشكلة».
وقال: «لدينا نقطة سوداء هي منطقة ضبيه، تعوم كلّ سنة بالمياه بسبب العبارات المنشأة تحت الاتوستراد لربطها بالبحر، والتي يبلغ عددها 8 وعرض الواحدة منها 60 سنتم، بينما تؤكد الدراسة لدى الوزارة بأنّ العبارات الجديدة يجب أن يترواح عرضها بين متر وعشرين ومترين واربعين سنتم، عبر حفارات تعمل تحت الاتوستراد، واعتماد هذا المشروع يكلف الموازنة المخصصة للوزارة لسنة كاملة».
وتابع: «تبلغ ميزانية الوزارة للعام الحالي 200 مليار ليرة، صرف منها فقط ستة مليارات نتيجة الأسباب المعروفة، من إقرار موازنة وغيرها. وإذا أردنا إصلاح الخلل في خلدة والناعمة فنحن بحاجة الى اربعة مليار و300 مليون ليرة تمرّ بدائرة المناقصات، فديوان المحاسبة والموافقة لمباشرة العمل، وذلك يستغرق سنة من تاريخ اليوم، بسبب الروتين الإداري. وانا لا أستطيع الخروج عن النظام الإداري المعتمد».
وأكد: «أنّ وزارة الاشغال بتصرف كلّ الاجهزة الفنية العاملة على الارض، حتى خارج نطاق عملها، حفاظاً منها على السلامة العامة. ولكن على المواطنين تحمّل المسؤولية ايضا، فنحن نعمل كخلية نحل وبحال طوارئ كي لا نترك خللاً واحداً.
وختم موضحاً: «هناك سبعة مليارات و500 مليون ليرة فقط مساعدات من مؤتمر سيدر، مخصصة لتجهيز البنى التحتية».
درغام: كمية المتساقطات فاقت طاقة قنوات التصريف
من جهته توجه رئيس اتحاد بلديات الضاحية محمد درغام برسالة مباشرة إلى المواطنين أكد فيها أنّ البلديات المعنية ستعمل جاهدة على معالجة المشكلة كي لا يتكرّر المشهد، وقال:» ما شهدناه من طوفان في شوارع وطرقات الضاحية الجنوبية ومحيطها وتحديداً في محيط الجناح ـ السلطان ابراهيم مشكلة فعلية، وذلك لأنّ كمية المتساقطات فاقت طاقة مجاري التصريف رغم أنّ البلديات تعمل على تنظيف هذه المجاري باستمرار، ولكن غزارة المياه لم تستوعبها قنوات التصريف في دائرة ضيقة فتحوّلت إلى بركة كبيرة أغرقت السيارات والناس واجتاحت المحال التجارية والبيوت في أكثر من منطقة، وفي ما يتصل بمحلة الرحاب تحديداً فهناك مشكلة قديمة مع أصحاب المسالخ الذين يرمون كلّ شيء في المجاري مما يؤدّي إلى فياضانها جديدة ونحن نعمل على معالجة المشكلة جذرياً.»
وختم درغام: «من موقعنا نؤكد للمواطنين أننا سنجهد لعدم تكرار المشهد بما نملكه من امكانيات خاصة أنّ فصل الشتاء لم يزل في بدايته».
خير: للكشف عن الاضرار
من جهة ثانية تفقد الأمين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء الركن محمد خير موقع تجمّع مياه الأمطار في الجناح، وأشرف بالتعاون مع وزارة الاشغال وبلديات المنطقة وعناصر الدفاع المدني على عمليات إنقاذ المواطنين وسحب المياه التي تجمّعت في وسط الطرق وشفطها.
ولفت الى انه «تمّ الاتصال والتنسيق مع بلدية الغبيري»، مشيراً الى انّ «الهيئة العليا للاغاثة تقف الى جانب المواطنين لرفع المعاناة عنهم، خصوصاً في هذه الظروف الصعبة».
وجال خير على الاقسام المتضرّرة في منطقة السان سيمون – الجناح واطلع على الأضرار وطلب من المواطنين «رفع لوائح للبلديات».
وأكد أنه سيرسل «لجنة الكشف في الجيش لتسجيل الأضرار لرفعها الى مجلس الوزراء».
ثم توجه خير الى نفق الكوستا برافا حيث أشرف على سحب المياه.
*****
ختاماً… بين فيض السماء وانعدام التأهيل الفعلي للبنى التحتية يقف المواطن اللبناني مكتوف اليدين راجياً معجزة تساهم في تبدّل واقعه المزري في ظلّ نظام المحاصصة والفساد الذي جرف معه كلّ المشاريع البنيوية المأمولة متفوّقاً على السيول الجارفة للأتربة والرواسب، ومغرقاً البلد بالإهمال القاتل لكلّ أمل بالتغيير والتنمية الفعلية.