المقاومة… وسماسرة الهيكل
طارق سامي خوري _
لم يعد مستغرباً ولا مستهجناً أن نسمع بين الفينة والأخرى مواقف تستهدف المقاومة اللبنانية وتشكك في الغاية من وجودها ودورها من قبل بعض اللبنانيين أنفسهم في الكيان الواحد الذي نشأت فيه وحازت إجماع المواطنين على اختلاف أطيافهم ومشاربهم وطوائفهم، لغايات باتت معروفة ومكشوفة، خدمة لأجندات ومشاريع سياسية معينة داخلية لبنانية أو خارجية تتربّص بالمقاومة وتريد تصفيتها.
لكن أن يتمّ التصويب على المقاومة من قبل رجال دين «أجلاء» ومن على منبر كنيسة في فترة عصيبة يمرّ بها لبنان على الصعيدين الشعبي والسياسي، فهو أمر مستهجن بل مريب، في التوقيت والمناسبة والمضمون. وفي الوقت الذي ينبغي أن يكون دور رجال الدين وطنياً جامعاً يؤثِر شعور التسامح والمحبة على أيّ شعور آخر بين أبناء البلد الواحد حفظاً للوطن ودرءاً للفتنة.
وإذا كان البعض ينظر إلى المقاومة اللبنانية من زاوية مذهبية أو طائفية محضة، فإنه ينكر على مكوّن أساسي دوره في مقارعة الاحتلال الصهيوني وعملائه منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى التحرير عام 2000 وبطولات وإنجازات لا تعدّ في مواجهة الإرهاب التكفيري حتى دحره ومطاردة فلوله إلى ما وراء التخوم، وخلق حصن منيع لصدّ الإرهابيْن الصهيوني والتكفيري لينعم اللبنانيون، كلّ اللبنانيين، بإنجازات المقاومة من أقصى لبنان إلى أقصاه.
كما كان للمقاومة دورها الكبير في الدفاع عن الحضور المسيحي في المشرق.
وإذا كان البعض يخشى على لبنان من سلاح المقاومة فإنّ هذا السلاح لم يستخدم سوى لمواجهة العدو وهو قوة للبنان وبقاؤه ضروري ما دامت هناك أراضٍ لبنانية محتلة وما دام العدو يستبيح الأرض والبحر والجو حينما يحلو له ذلك.
أما بالنسبة إلى الملاحظات الأخرى التي يحقّ لأيّ طرف إبداءها في الإطار الوطني الصحيح الذي يجمع ولا يفرّق، فإنّ بيوت الله ليست المكان المناسب لها.
هذا هو بالضبط ما يعطي المعنى الحقيقي للمطالبة بإبعاد السياسة عن الدين وعن رجال الدين، ذلك انّ الخلط بين المواقع والأدوار يجعل من رجل الدين عرضة للانتقاد، وربما أكثر من ذلك، خاصة إذا كان الموقف الذي أطلقه رجل الدين متناقضاً بشكل جذري مع الأسس الوطنية التي يفترض ان تكون لها الكلمة الفصل.
وفي هذا السياق الوطني الجامع تحضرني هامتان كبيرتان بحجم أمة هما الإمام السيد موسى الصدر الذي كان نصيراً للمظلومين والمحرومين فأسّس حركة إنسانية عابرة للطوائف والمذاهب، ودعا إلى الله من الكنائس قبل المساجد وفي الوقت عينه دعا إلى حمل السلاح في وجه المحتلّ ليكون هذا السلاح «زينة الرجال»، والكاهن الفدائي المطران هيلاريون كبوجي الذي حمل فلسطين في قلبه وعقله برمزيتها المسيحية والإسلامية مؤمناً بقدسيتها، مسلحاً وداعماً المدافعين عن أسوارها ملهماً كلّ أحرار العالم حتى من زنازين الاحتلال الصهيوني وفي ظلمات سجونه. كما أحيّي الموقف القومي المشرّف لرئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس المطران عطالله حنا المدافع، كما عهدناه، عن المقاومة كحق بل واجب في وجه المحتلّ، معرباً عن رفضه التامّ التعرّض لها ولرموزها. وفي حضرة هذه الهامات لا خوف على المقاومة من سماسرة الهيكل.
*عضو مجلس النواب الأردني