لكُلٍّ عَرّابهُ..
الأستاذ الحقيقي، المُدرّب الصادق، الداعية المخلص، يشعرون بالفخر إذا تفوّق عليهم تلامذتهم، ولولا إخلاصهم وتفانيهم ما وصل تلاميذهم لما وصلوا إليه من تفوّق وتميّز.. الفيزيائي الألماني (أرنولد سومرفيلد) كان أستاذاً وباحثاً في مجال الفيزياء النظريّة، وأحد رواد مفسّري «البناء الذري وميكانيكا الكم». تمّ ترشيحه 81 لجائزة نوبل للفيزياء، ولكنه لم يفز بأي منها قط!! بينما حصل سبعة طلاب من الذين درّسهم على جائزة نوبل!!! وهذا ما يؤكد أنّ (سومرفيلد) لم يفشل في حصد جائزة نوبل، لقد حصدها سبع مرات فعلاً عندما فاز بها تلامذته. لكي تصبح بطلاً ويسجَّل اسمك في سجلات التاريخ هناك طريقان، الأول أن تكون بطلاً، والثاني أن تصنع الأبطال، وباعتقادي لا شيء أكثر رقيّاً من قيامك بمساعدة الأشخاص ليصلوا حيث يريدون. إذا لم يعش الإنسان كقدوة حسنة ونموذج يُحتذى من أجل ماذا يعيش! على مختلف مراحل الدراسة وحتّى الحياة العملية ينبغي أن يكون لكلّ منّا عرّابه الذي يأخذه نموذج يُحتذى ويستفيد من تجاربه. وأن يكون هذا العرّاب يمثلنا حدّ الامتلاء، الامتلاء الفكري قبل الامتلاء الروحي، فقبة الواقع تحوي داخلها الكثير والكثير من الأسماء اللامعة، ليختار كلّ منّا عرّابه الخاص والذي يكون بمثابة بصمة الأمان لحياته العملية. الإنسان النبيل أساساً لا ينزعج من فوز الناس. النبيل يحب لغيره ما يحب لنفسه وإن لم يكن له علاقة بهؤلاء الغير. فكيف إذا كانوا من نتاجه وصنعه. فأجود أنواع التعليم هو ذاك القائم على الممارسة والتجربة المباشرة، أن يكون لديك من يوجّهك وينصحك في كل خطوة من خطواتك، من يقول لك: «لا تخشَ تعطّل السلم الكهربائي، سنكمل الدرج خطوة خطوة».. المعلم الحقيقي الذي يواسيك في لحظات اليأس ويقول: «ألذّ من الذكرى الحاضر، وألذ من الحاضر أننا كالسهم ننطلق، طبعاً أنت تريد أن تعرف إلى أين ولكن المتعة الكبرى تكمن في المفاجأة. ما دمت تمشي بخطى ثابتة ستصل لا محالة. فالبشرية على مرّ العصور مدينة لمئات المبدعين الذين جاهدوا بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، جاهدوا في طريق العلم حتى وصلوا بهذا الكوكب إلى برّ الأمان كحدّ أدنى. كتب (آينشتاين) إلى (سومرفيلد) يقول له: «ما يعجبني فيك أنك استطعتَ تخريج هذا العدد الجبار من الفيزيائيين الشبان، إنه لعمل غير عادي، فلا بدّ أن لك موهبة خاصة في اجتذاب نفوس مستمعيك وشحذ مواهبهم وتنشيطهم. من الحكمة أن نسطّر دفتر حياتنا بإنجاز عظيم قبل أن يبرد قلم القدر»..
صباح برجس العلي