الخطاب غير الموفّق للمطران عودة لبنان كان خرباناً قبل بزوغ فجر المقاومة
} عمر عبد القادر غندور*
عندما فاجأنا المتروبوليت الياس عودة بخطابه الشهير في ذكرى شهيد الصحافة جبران تويني، رأينا فيه استفزازاً لعدد كبير من اللبنانيين وغير اللبنانيين وعامة الشرفاء في هذا الوطن. لم نشأ أن نعلّق لأنّ من حق غبطته أن يكون له رأي في السياسة، والاختلاف في الرأي لا يفسد للقضية ودّاً، وتركنا لصاحب الغبطة فسحة للعودة إلى الذات والفوز بفضيلة العودة عن الخطأ وجلّ من لا يخطئ.
أما ان نقرأ ردوداً تبارك للمطران عودة ما قاله تأكيداً له وآخره لنائب رئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال غسان حاصباني، وقال انه لا نفحة مذهبية في كلام المطران لأنّ من يحمل السلاح لا يحمله باسم طائفته بل يحمله باسمه واسم تنظيمه ومشروعه السياسي، وانّ حصر السلاح بطائفة معينة ليس صحيحاً والدليل انّ وزير الدفاع من طائفة أخرى ويدافع عن هذا السلاح!
أولاً، على معالي الوزير حاصباني ان يعتمد قولاً واحداً وهو القائل: لا نفحة مذهبية في كلام المطران لأنّ من يحمل السلاح لا يحمله باسم طائفته او مذهبه، ثم يقول انّ حصر السلاح لا يجوز ان يكون لطائفة معيّنة. أما قوله إنّ وزير الدفاع من طائفة أخرى ويدافع عن هذا السلاح! ولا نعلّق على ملاحظته هذه ونرى فيها حرتقة لا علاقة لنا بها.
أما قول المطران عودة إنّ سبب بلاءات لبنان هي بسبب سلاح حزب الله في يد من تعرفونه!
ولعلّ أفضل ردّ على ذلك ما قاله النائب اللواء جميل السيّد عن هذا المجهول هو بالتأكيد أبو بكر البغدادي الذي تجرّأ على حدود لبنان ولم يوقفه ويقضي على جحافله إلّا حزب الله والجيش اللبناني…
أما قول المطران إنّ كلّ ما أصاب لبنان من بلاء سببه سلاح المقاومة!
ما كان ينبغي لغبطة المطران ان يسفّه عقول الناس ويجهّل ذاكرتهم؟
ولإنعاش ذاكرة سيادة المطران نورد له ولمن صدّقه الوقائع التاريخية التالية:
لم يكن لبنان منذ الاستقلال وقبله أفضل حالاً مما هو عليه الآن. وبعد القفز على حروب 1860 في جبال لبنان نقفز الى حروب 1975- 1980 التي سقط فيها 120 ألف ضحية وما زال آلاف من المشرّدين اللبنانيين خارج بيوتهم وأملاكهم حتى الآن، ووقع البلد في حالة استقطاب بين الشرق والغرب. ثم كانت حروب واشتباكات مع الفلسطينيين سقط منها المئات من الضحايا. وتعرّض لبنان لاعتداءات «إسرائيلية» متواصلة وخاصة على الجنوبيّين فهاموا على وجوههم في أصعب ظروف يمكن ان يتخيّلها إنسان ولكنهم لم يغادروا أرضهم.
وشهدت الساحة اللبنانية مواجهات التصدّي للاعتداءات الإسرائيلية الطامعة بأرضنا ومياهنا خاضتها القوى الوطنية اللبنانية، ما استوجب تمركز قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان وما زالت، ثم كانت حرب التحرير ومعارك توحيد البندقية بين الكتائبيين وانتهت الى سيطرة قوات بشير الجميّل على المناطق المسيحية عام 1979، ثم كانت حرب المئة يوم وغزو «إسرائيل» لجنوب لبنان 1978 والاقتتال داخل القوات اللبنانية نفسها، والحروب الأخرى بكلّ أطرافها… الجيش اللبناني والقوات اللبنانية وحزب الكتائب وحزب الوطنيين الأحرار ومنظمة التحرير الفلسطينية وقوات الردع العربية والحركة الوطنية اللبنانية و»إسرائيل»…، ثم كان اتفاق الطائف الذي أنهى القتال بين اللبنانيين.
أما المنظومة السياسية التي حكمت لبنان في هذه الفترة، فالمشترك بينها هو المحاصصة وتقاسم الكعكة تحت عناوين طائفية أورثتها إلى الطبقة السياسية اللبنانية الحالية، وكان من أبرز إفرازاتها حرب 1958 بين المارونية السياسية والمسلمين عامة. وما كانت انتفاضة 17 تشرين الاول 2019 إلا تعبيراً عن فشل قيام الدولة وتحوّلها الى كذبة هجّرت اللبنانيين في كلّ اتجاه!
كلّ هذه البلايا حصلت قبل قيام حزب الله عام 1982 وقبل قيام دولتنا التي كُتب لها بعد 77 عاماً ان تعيش فجر المقاومة التي جعلت بلدنا بجغرافيته الصغيرة ينجز ما عجزت عنه الجيوش العربية مجتمعة، وان يجعل العدو الإسرائيلي يقف على رجل ونصف، وهي التي ستحمي حدودنا ومياهنا ونفطنا وغازنا وثرواتنا الطبيعية وتنوّعنا الثقافي.
وعندما نعترض على خطاب سياسي غير موفّق للمطران عودة نتذكر البطريرك غريغوريوس حداد ببعد نظره وقوة بصيرته ومواقفه الوطنية فلقبه السوريون «بطريرك العرب»، وعندما جاء الموفد شارل كراين عام 1919 يستفتي اللبنانين والسوريين حول مستقبل الحكم فيهما قال له: نحن النصارى الأرثوذوكس في هذه البلاد عرب غساسنة تدعونا عروبتنا لنكون يداً واحدة مع أبناء قومنا. فأرسل كراين برقية الى الرئيس الأميركي ويلسون يقول فيها انّ القضية العربية ليست قضية إسلامية بل قضية وطنية قبل كلّ شيء (من كتاب الأديب الراحل سليم الراسي لئلا تضيع 1982) وفي آخر أيام بطريرك العرب أصيب بمرض في عينيه فقال له الطبيب: لا اكتمك يا صاحب الغبطة وأنتم ممن تميّزوا بالحكمة والتقى انّ الإصابة خطيرة على بصركم الغالي فأجابه البطريرك «الحمد لله على سلامة بصيرتنا»
رحم الله بطريرك العرب غريغوريوس حداد واطال الله في عمر المطران الياس عودة.*رئيس اللقاء الاسلامي الوحدوي