سور «دمشق» وأبوابها… اختصار الحضارات
لورا محمود
دمشق قبلة العلماء والباحثين أخذت من التاريخ أصالته ونهلت من الحاضر دروساً تحكي عظمتها، لتنقل إلى العالم حكاية بلد يعتبره رجال الفكر معلماً للخصائص البشرية وجنة علماء الآثار من قلاعها إلى كنائسها وجوامعها إلى سورها الذي ما زال يشهد على تعاقب الحضارات، وأبوابها التي استقبلت كبار قادة التاريخ، وحصونها التي دافعت عن أهلها ولا تزال.
سور دمشق
سور دمشق هو السور الأثري المحيط بمدينة دمشق القديمة، حيث يعد من أهم المعالم الأثرية في المدينة العريقة ويضم بين جوانبه الكثير من الرموز التاريخية مثل قلعة دمشق والأبواب السبعة وبرجي نور الدين الزنكي والصالح نجم الدين أيوب، إضافة إلى الكثير من الشواهد على تاريخ وعظمة مدينة هي من أقدم المدن في العالم. يعود تاريخ إنشاء هذا السور إلى العهد الآرامي ثم اليوناني وبعده الروماني خلال القرن 2م في عهد الإمبراطور الروماني سبتيموس سيفيروس والإمبراطور كاراكلا. يبلغ طول السور الأثري القديم 1500 متر وعرضه 750 متراً ويحتوى على مساحة تقدر بمئة هكتار مقسمة إلى جزر مستطيلة مفصولة بشوارع تتجه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، يضم السور الروماني القديم سبعة أبواب ثلاثة منها في الجهة الشمالية عند نهر بردى واثنان من الجهة الجنوبية واثنان من الجهة الشرقية والغربية والأبواب هي: باب السلام، باب شرقي، باب توما، باب الفراديس، باب الجابية، الباب الصغير، وباب كيسان.
يختلف السور الروماني عن السور الحالي الذي رمم مرات عدة على مر العصور وجرى توسيعه ليكون متوافقاً مع اتساع المدينة وامتدادها وليحاذي مجرى نهر بردى بدلاً من نهر عقربا الذي لم يعد يحاذيه إلا بعد باب السلام ثم أتى حكام دمشق في فترات متلاحقة والمماليك والعثمانيون وقاموا بتدعيم أجزاء من السور، في حين كثر سكان دمشق في العهد الأموي وتوسعت المدينة وتجاوزت السور، وبني عدد كبير من القصور والبيوت خارج السور مثل قصر الحجاج بن عبد الملك بن مروان، وفي العهد العباسي عندما دخل عبد الله بن علي العباسي دمشق عام 749م، خرب ما بناه الأمويون وشمل ذلك قسماً من السور، وفي عهد الدولة النورية بدأ نور الدين الزنكي بتجديد قلعة دمشق وأسوارها، فبنى سوراً بيضوي الشكل وحصّنه بأبراج نصف دائرية وأقام فيه أبواباً جديدة.
تبين المراحل التاريخية التي بُنيت فيها الأقسام المتبقية من السور أن صفوف أحجاره السفلية الضخمة التي أخذت من السور القديم يعود عهدها إلى ما قبل القرن الثاني عشر وصفوف الأحجار التي تليها إلى زمن نور الدين زنكي في العهد الأيوبي، أما الأحجار غير المنحوتة العلوية فقد وضعت بالعهد العثماني. من معالم السور برج نور الدين الذي يقع في الطرف الجنوبي الغربي من سور المدينة عند جامع سنان باشا ويبلغ ارتفاعه عشرة أمتار بناه نور الدين زنكي عام 1256م، له قاعدة مربعة أحجاره مبنية من أحجار قديمة أخذت من سور المدينة القديم ويلاحظ أن صفوفها السفلية أكبر من العلوية التي جددت زمن الملك الناصر قلاون، وقد أعاد السلطان نور الدين الشهيد بناء السور حتى أحاط بالمدينة بعد توسيعها وأصبح شكله بيضوياً بعدما كان مستطيلاً وأضيف إليه سور آخر يمتد من باب السلام وباب توما حتى الباب الشرقي لتصبح المنطقة الواقعة بين السورين تعرف بـ»بين السورين»
أبواب دمشق
من معالم السور برج الملك الصالح أيوب ويقع في الزاوية الشمالية الشرقية من المدينة وسمي باسمه حيث أنشأه 1248م وهو نموذج للأبراج الأيوبية الدمشقية، أما أبواب السور القديم في دمشق، فكل باب يرمز إلى أحد الكواكب فباب كيسان الذي يرمز لزحل، وبقيت الصورة عليه حتى الآن موجودة، بينما خربت على الأبواب الأخرى، أبواب السور هي باب كيسان وهو باب قديم على رغم نسبته إلى مولى معاوية، أغلقه السلطان نور الدين الزنكي ثم أعاد فتحه الملك الأشرف ناصر الدين شعبان الثاني 1363م، وأثناء الاحتلال الفرنسي أعيد إنشاؤه وترميمه وبنيت خلفه كنيسة القديس بولس. الباب الشرقي، هو بناء روماني رممه السلطان نور الدين الزنكي عام 1154م وعبرته جيوش المسلمين أثناء الفتح العربي للمدينة.
أما باب توما ويرمز هذا الباب للشمس، بني في عهد الرومان لكنه تهدم كلياً فأعيد بناؤه في عهد الملك الأيوبي الناصر داود عام 1227م وفي العهد المملوكي قام الأمير تنكز بتجديده عام 1333م.
هناك أيضاً باب الصغير ويرمز هذا الباب إلى كوكب الزهرة، وهو باب قديم أيضاً لكن الملك نور الدين محمود أعاد بناءه عام 1156 للميلاد كما قام بتجديده الملك عيسى ابن أبي بكر الأيوبي عام 1226م.
وباب الجابية الذي يرمز لكوكب المشتري، أتت شهرة هذا الباب من عبور جيوش المسلمين منهما بقيادة خالد بن الوليد وعبيدة بن الجراح عند فتح دمشق، وسمي بهذا الاسم لأنه كان يؤدي إلى معسكر المكلفين بجباية الضرائب وكان هذا الباب مؤلفاً من ثلاث فتحات لم يستعمل منها إلا الفتحة الجنوبية. إضافة إلى باب الفراديس، ويرمز هذا الباب لكوكب المريخ ويعرف الآن بباب العمارة وهو باب قديم يرجح أنه روماني، أعيد إنشاؤه وترميمه في عهد الملك الصالح عماد الدين بن إسماعيل عام 1241م.
وباب الفرج الذي يرمز لكوكب عطارد، ويسمى اليوم باب المناخلية، هو باب مزدوج أقامه الملك نور الدين محمود ورممه الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 1241م وزالت كل معالمه الآن بسبب هدم الأسواق المحيطة بالقلعة.
باب النصر ولا يعرف الزمن الذي بني فيه هذا الباب، لكن الروايات تقول إن الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي قد بناه وقد تهدم كلياً عام 1862م، قبل بناء سوق الحميدية إذ كان هذا الباب يقع عند مدخل سوق الحميدية من جهة الشرق. إضافة إلى باب السلامة ويعرف الآن بباب السلام أنشئ في عهد الملك نور الدين محمود عام 1164م.
يذكر أنه كان هناك أبراج على السور كانت تسمى «أبراج الإعلام» والأبراج التي بين منطقة باب شرقي وحارة اليهود كلها من القرون الوسطى، أي من عهد الأيوبيين والنوريين والمماليك.