لبنان باقٍ بلا حكومة لشهور… والبديل تفعيل حكومة تصريف الأعمال… أو تبدّل شروط التشكيل الحريري بـ 39 صوتاً + 17 كتلة بري + 15 القوات = 71 صوتاً و4 رائجة تفجير مواجهات وسط بيروت لليوم الثاني يفضح مسلسل تعميم الفوضى
كتب المحرّر السياسيّ
يتجه لبنان اليوم نحو أزمة مديدة سيكون تشكيل حكومة جديدة خلالها أشبه بمعجزة، بعدما تمّ إدخاله في نفق استقالة الحكومة بإسقاط شعار الاستقالة على رؤوس المتظاهرين وتلبيسهم المطلب، وتلقَّفه رئيس الحكومة سعد الحريري، ففتح الباب واسعاً لدهاليز الضغوط والشروط داخلياً وخارجياً. وصارت مواصفات الحكومة الجديدة موضع بيانات رسمية للعواصم الكبرى وفي مقدمتها واشنطن وباريس. وأطلق الحريري خلال ستين يوماً من الحراك الشعبي جملة مواقف تؤكد أن استقالته هي عزوف نهائي عن قبول تسميته لترؤس حكومة جديدة، نزولاً عند رغبة الشارع وطلبه بمحاسبة المسؤولين في الحكومة وفي مقدّمتهم رئيسهم، لكنه يذهب اليوم للاستشارات النيابية في قصر بعبدا لتسمية نفسه في أول موعد للكتل النيابية مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي التقاه الحريري بعيداً عن الإعلام يوم أمس، ووضعه بصورة التسمية.
منذ الإعلان الذي استصدره الحريري عن دار الفتوى واستنطق المرشح سمير الخطيب لتلاوته بلسانها، وفقاً لمعادلة الحريري أو لا أحد، بعدما كان الحريري قد بشّر بمعادلة “ليس أنا بل أحد آخر”، بدا واضحاً قرار الحريري بالقبول بالبقاء رئيساً لحكومة تصريف أعمال مع وزراء لا يريد مواصلة العمل معهم ولا يرى تشكيلتهم الحكومية منتجة، كما يبرر استقالته ودعوته لحكومة من غير السياسيين، وبالتوازي السعي للحصول على تسميته رئيساً مكلفاً لحكومة لن تؤلف إلا بشق الأنفس، وربما بعد نضوج تسويات إقليمية ودولية، لعلمه بأن ملفي ترسيم الحدود البحرية للنفط والغاز، والعلاقة اللبنانية السورية وما يتبعها في ملفات النازحين والعبور إلى العراق، هما أبرز القضايا الاقتصادية الاستراتيجية التي يتوجب على الحكومة حسمها، وحيث حكومة التكنوقراط برئاسة الحريري مطلوبة للانقلاب على موقف الغالبية النيابية من هاتين القضيتين.
وفقاً لحسابات البوانتاج لليوم النيابي الطويل سينال الحريري قرابة الـ 75 صوتاً، منها أربعة أصوات رائجة غير محسومة، وفقاً لتصويت ثلاثة نواب من تكتل لبنان القوي أعلن إثنان منهما الانسحاب من التكتل هما شامل روكز ونعمت افرام، وأعلن الثالث وهو ميشال الضاهر منح صوته للرئيس الحريري، بينما الرابع هو صوت النائب نهاد المشنوق، وفي ما سينال الحريريّ من الأصوات المفردة تصويت الرئيسين السابقين للحكومة نجيب ميقاتي وتمام سلام وصوت نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي، والنائب ميشال المر، فهو سينال تصويت كتلته حكماً وكتلة الرئيس ميقاتي وكتلة اللقاء الديمقراطي والتكتل الذي يقوده الوزير السابق سليمان فرنجية، أي ما مجموعه 39 نائباً، يُضاف إليها تصويت كتلة التنمية والتحرير بـ 17 نائباً، ليصير المجموع فقط 56 نائباً، وبإضافة 15 نائباً لكتلة القوات اللبنانية يصير المجموع 71 نائباً قد يرتفع إلى الـ 75 بنيل الأصوات الأربعة الرائجة التي قد ينال منها إثنين فيبقى بالـ 73 صوتاً.
بالتوازي كان ليل الاستشارات النيابية طويلاً ومليئاً بالصدامات المقرّرة سلفاً والمبرمجة مع القوى الأمنية، كما صرّح عدد من قادة الجماعات الداعية للتظاهر والدخول إلى ساحة النجمة، في وسط بيروت، حيث مقرّ المجلس النيابي، وبدا الذين يقودون التصادم مع القوى الأمنيّة مجهّزون بالخوذ البيضاء وكمامات صدّ الغاز المسيل للدموع، والخوذ البيضاء جماعة ذاع صيت أصحابها في الحرب التي عرفتها سورية، وصدرت حولها تقارير دبلوماسية واستخبارية روسيّة تتحدّث عن تشغيلها من المخابرات البريطانية والأميركية. وقالت مصادر أمنية متابعة إن تكرار التصادم المخطط له مسبقاً لليوم الثاني يُوحي بدخول لبنان مرحلة جديدة عنوانها محاولات الانتقال نحو الفوضى والتخريب والشغب، ما يستدعي تعاملاً من نوع مختلف تقع مسؤوليته على القرار السياسي الذي يجب أن تتصدّى له حكومة تصريف الأعمال فور نهاية الاستشارات النيابية.
مع انطلاق الاستشارات النيابية اليوم، اتضح المشهد الحكومي لجهة التكليف، حيث تشير مصادر «البناء» الى أن «اتجاهات الكتل النيابية باتت محسومة، ما يرجّح تكليف الحريري بأغلبية منخفضة بعدد يتراوح بين 60 و70 نائباً، إلا أن المعركة ستكون في التأليف التي ستطول في ظل غياب التوافق السياسي على رؤية واحدة لجهة طبيعة الحكومة والمشاركين فيها وبرنامجها على الصعيدين السياسي والاقتصادي والمالي وفي ظلّ تمسّك الحريري بحكومة تكنوقراط بحسب مصادره»، وأكد مصدر مقرّب من الحريري لوكالة عالمية أنه «يجب أن يكون واضحاً لأي شخص يرشح الحريري غداً أنه سيشكل حكومة خبراء فحسب»، ما فسّرته مصادر على أنه رفض مسبق لحكومة تكنوسياسية يؤيدها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وثنائي أمل وحزب الله.
وأفيد أن اللقاء التشاوري للنواب السنة المستقلين سيجتمع ظهر اليوم، في منزل النائب عبد الرحيم مراد، بحضور النواب فيصل كرامي وجهاد الصمد والوليد سكرية وعدنان طرابلسي، للبحث في الموقف من استشارات التكليف وهناك اتجاه لعدم تسمية سعد الحريري، ولكن سيتم التداول في ما إذا كان سيسمّي شخصية أخرى من أعضائه أو الامتناع عن التسمية.
وبرز كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أمس، بأنه «لم يعُد يعنينا مَن يأتي رئيس حكومة، المهم أن نرى البرامج فهي المحك، والبرامج أصبحت مرتبطة بكم يستجيب هذا المسؤول للطلب الأميركي أو لا. نحن معنيون أن نحفظ مواقع القوة في بلدنا، والمقاومة ووحدتنا من هذه المواقع».
وأكدت مصادر الـ»أو تي في»، أن التيار الوطني الحرّ سيشارك غداً في الاستشارات النيابية الملزمة بجدية وإيجابية وفقاً لنصوص الدستور، مشيرةً الى ان «التيار متمسّك بالتفاهمات الوطنية الكبرى والخيارات السياسية الأساسية التي اتخذها عن اقتناع وتبصّر ووعي، إلا أنه يعتبر أن التطبيق والممارسة والترجمة بحاجة الى مراجعة لصون الثوابت والأسس التي يتمسّك بها لئلا تزعزعها الأرياح الحاصلة على الجميع وتذهب بها الأرباح المحصلة للبعض».
وعشية انطلاق الاستشارات شهد محيط ساحة النجمة وسط بيروت مساء يومي السبت والأحد مواجهات عنيفة بين المتظاهرين الذين احتشدوا في المداخل المؤدية الى ساحة النجمة، وبين القوى الأمنية وفرقة مكافحة الشغب وشرطة المجلس النيابي.
وقد بدأ المتظاهرون أمس، بالتجمع في الساحة منذ غروب الأمس ثم عمد بعضهم بشكل مفاجئ الى إلقاء المفرقعات والحجارة وعبوات البلاستيك باتجاه القوى الأمنية التي بادرت بإلقاء القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين الذين حاول عدد منهم الاقتراب من المجلس النيابي لاقتحامه. واستمرّت عمليات الكرّ والفرّ فيما لوحظ قيام المتظاهرين بشتم بعض القيادات السياسية والاعتداء على القوى الأمنية بالحجارة كما عمدوا الى وضع متاريس للوقوف خلفها لتأمين حمايتهم من القنابل المسيّلة للدموع. وأفادت مصادر ميدانية الى أن «بعض المتظاهرين حطّموا «البارك ميتر» وكراسي بعض المطاعم واستعملوا أخشابها للمواجهة وحطّموا بعض الممتلكات العامة في تخريب منظم»، وكان لافتاً تحضير المفرقعات و»الكمامات» وسيارات الإسعاف في وقت سابق ما يوحي بأن المواجهة كانت معدّة مسبقاً بأمر من جهات سياسية معروفة، كما كان لافتاً عدم اتخاذ القوى الأمنية إجراءات احترازية ودفاعية مسبقة وعدم قيامها بمحاولات التفافية لتطويق المتظاهرين وتفريقهم، كما لفت غياب الجيش اللبناني من الساحة.
وأشارت قوى الأمن في بيان إلى أن «بعض المشاغبين قاموا بالاعتداء على المحال التجارية في شارع فوش والشوارع المحيطة وتقوم قوى الأمن بملاحقتهم».
وكانت سبقت المواجهات زيارة قام بها مدير قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان وتنقله بين المتظاهرين.
وبعد ساعات على الاشتباكات، ناشدت وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن المتظاهرين السلميين الى «ترك الساحة حتى لا يتعرّضوا للأذى وكي لا يتكرر مشهد أمس». وأشارت في حديث تلفزيوني الى أن «حتى الساعة لم نستطع تحديد الجهة التي يأتي منها المندسّون».
كما شدّدت الحسن بعد اجتماع عقدته في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بحضور اللواء عثمان وعدد من كبار الضباط، لتقييم التطورات الأمنية ليل السبت – الأحد بوسط بيروت على «حق التظاهر والتعبير ضمن الأطر القانونية والمعايير الدولية وإجراء تحقيق بالمخالفات».
وفي موازاة افتعال الأحداث في وسط بيروت، عمد بعض قطاع الطرق الى قطع أوتوستراد الجية باتجاه بيروت وعدد من الطرقات في البقاع والشمال لا سيما طريق عام حلبا العبدة مفرق البحصة.
وربطت مصادر مطلعة بين إشعال الشارع وبين حاجة الحريري إلى أحداث أمنية وتوترات للضغط السياسي لضمان تكليف مريح ليأتي على حصان قويّ في التأليف، مشيرة لـ»البناء» إلى أن «لإشعال الشارع علاقة أيضاً بزيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفيد هيل المرتقبة الى لبنان الاسبوع الحالي»، مشددة على أن «اميركا تريد مزيداً من الضغط على لبنان لتحقيق أهداف سياسية». وحذرت المصادر من «عمليات اغتيال وتحريك لخلايا إرهابية في عدد من المناطق».ورأى النائب محمد رعد، خلال لقاء سياسي في حارة صيدا، أن «الأميركي وضع ثقله اليوم في معركة الاقتصاد في البلد، وما قاله فيلتمان في الكونغرس عن أن اللبنانيين أمامهم إما الجوع أو النهوض المحتمَل، إنما يريد به أن نلغي المقاومة ونتصالح مع «إسرائيل» ونرسم الحدود البحرية بشروطها، حتى تعطى بالمفاوضات 860 كلم2 سرقتها. أما الأميركي فيريد استخراج النفط على طريقته وتقدير كم يبقى لنا وكم يربح لبنان منه».