تركيا في لجة الأزمات المحلية والخارجية تعلن ولادة أحزاب جديدة…
} د. هدى رزق
لا يبدو أنّ رهانات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على فعالية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يواجه مشكلة عزله من قبل الكونغرس قد نجحت في إبعاد شبح العقوبات الأميركية، اذ أصدر الكونغرس قراراً هذا الأسبوع يعترف بالمجازر العثمانية للأرمن قبل أكثر من 100 عام كإبادة جماعية.
لا يحمل القرار أيّ عقوبات لكن بالنسبة للحكومة التركية، فإن القرار “”ضارّ” بالعلاقات الأميركية التركية. ويزداد الأمر سوءاً بالنسبة لأنقرة، إذ أقرّت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مشروع قانون يفرض عقوبات على تركيا بسبب هجومها العسكري على الأكراد السوريين وشرائها نظام الدفاع الصاروخي الروسي “أس 400”، ومشروع القانون هذا سيمنع تركيا من الحصول على طائرات “أف 35” و أف 16” ما لم تتخلّ عن نظام “أس 400” الروسي.
هذا إلى جانب فشل أردوغان في الحصول على كلّ ما يريده من قمة الناتو إذ حاول استخدام قمة الناتو كمنصة لتوضيح العبء الثقيل الذي تتحمّله تركيا بسبب الاضطرابات السورية المستمرة ودعوة حلفائها لإظهار التضامن ودعم خططها لإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم وإدانة وحدات الحماية الكردية السورية ووضعها على قائمة الإرهاب. كانت أنقرة قد زادت من التوترات القائمة مع الغرب في الفترة التي سبقت قمة لندن من خلال تهديدها بعرقلة خطة الناتو لتعزيز دفاع دول البلطيق وبولندا ضدّ روسيا. بدا المشهد في لندن مهيّأ لمواجهة بين أنقرة وحلفائها حول مسألة وحدات حماية الشعب وحول روابط تركيا الاستراتيجية مع الكتلة الأمنية الغربية. رأت أنقرة أنّ قمة الناتو فرصة لإقامة توازن بين توجهات تركيا المؤيدة للغرب والمؤيدة لأوراسيا. لكن لم تستطع نيل مرادها، لقد أصبحت مكتسبات أردوغان السياسية في الداخل تعتمد على مدى نجاحه في موازنة العلاقات مع روسيا والكتلة الأمنية الغربية.
اضافة إلى هذه التوترات جاء تقرير الثروة العالمي من «كريدي سويس» ليضع تركيا بين الدول التي شهدت خسائر كبيرة في الثروة هذا العام. حيث يعود التآكل بشكل رئيسي إلى انخفاض الليرة التركية مقابل الدولار، والذي كان السبب في الأزمة التركية نفسها، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي وانخفاض أسعار العقارات، والتي تشكل العمود الفقري للثروة. وفقاً للتقرير، شهد أغنى 1٪ في تركيا انخفاض في نصيبهم من إجمالي الثروة من 54٪ في عام 2018 إلى 42.5٪. 2019.
بلغ مجموع خسائر الثروة في تركيا بعد الأزمة التي حدثت في منتصف عام 2018 ما قيمته 257 مليار دولار على مدار العام، حتى منتصف عام 2019، وهذا يعكس انخفاض الدخل القومي.. كان انخفاض قيمة الليرة التركية بأكثر من 20٪ على مدار العام عاملاً رئيساً في خسارة 16٪ من الثروة، إلى جانب الانخفاض الحادّ في أسعار العقارات، والذي يمثل ثلاثة أرباع الثروة. في غضون ذلك علت التصريحات المدافعة عن حقوق الإنسان، وكشفت عجز حزب العدالة والتنمية عن معالجة المشاكل الناجمة عن انعدام الديمقراطية وسيادة القانون في تركيا.
على جانب المعارضة، واصل حزب الشعب الجمهوري اتباع نهج دقيق: فهو يضرب حزب العدالة والتنمية أكثر من خلال الاقتصاد والمسائل الاجتماعية الأخرى، عبر النقاش المستمرّ حول نظام التقاعد، الذي يتردّد صداها في أعين الجماهير. كما ينتقد الحكومة لسياسة سورية ولكن دون انتقاد الحرب ضدّ الإرهاب…
يواجه الرئيس رجب طيب أردوغان تمرّداً من داخل حركته السياسية بعد الانتكاسة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية في وقت سابق من هذا العام، عندما فقد سلسلة من البلديات، بما في ذلك أكبر مدينة اسطنبول والعاصمة أنقرة، وسط التباطؤ الاقتصادي المؤلم. واتهمه حلفاؤه السابقون بسوء الإدارة الاقتصادية وتقويض الديمقراطية من خلال تركيز السلطة بين يديه. استقال علي باباجان، وهو اقتصادي سابق ونائب رئيس الوزراء، من الحزب الذي ساعد في تأسيسه. ويريد الآن تشكيل حزب جديد لإعادة بناء المصداقية التركية على المسرح الدولي وجذب الاستثمارات الأجنبية. وأشار إلى ضعف المؤسسات ونقص الشفافية بين المشكلات التي واجهها حزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة. رأى باباجان “أنّ البلاد دخلت نفقاً مظلماً”. ومن المستحيل حلّ مشاكل تركيا المتنامية مع الإدارة الحالية. اما أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء السابق فقد أعلن حزبه الجديد ايّ حزب المستقبل، الذي وعد بالعودة إلى نظام برلماني، وهو الأمر الذي تخلص منه أردوغان العام الماضي بعد استفتاء دستوري منحه سلطات تنفيذية واسعة النطاق وقد بلغ عدد الأعضاء المؤسّسين لحزب المستقبل 154، من بينهم 31 امرأة، وطالب بكتابة الدستور من نقطة الصفر بما يعزّز الحريات والديمقراطية. وأطلق داود أوغلو إشارة لضرورة انفتاح التيار الإسلامي المحافظ باتجاه الطائفة العلوية، إنه سيعترف رسمياً بواقع وجود بيوت العبادة المعروفة باسم «بيوت الجمع»، لديهم ما يتيح للأخيرة أن تنال مساعدات مالية ورعاية من قِبَل الدولة. وبالنسبة إلى المسألة الكردية، شدّد على حلّها في إطار المساواة الكاملة بين المواطنين وتعزيز الديمقراطية.
لكن من المرجح أن تثير جهود باباجان لتأليف حزب على وجه الخصوص مجتمع الأعمال التركي والمستثمرين الأجانب، الذين ينتسبون إليه باعتباره مهندس النمو الاقتصادي القياسي في تركيا، والذي بلغ متوسطه 7٪ قبل أن يتنحّى عن حكومة أردوغان في عام 2015.
باباجان بعيد عن تفكير داوود أوغلو، فهو يعتبر أنه والأعضاء المتقاربين في التفكير قد قاتلوا داخل حزب العدالة والتنمية لتصحيح الحزب بعد أن بدأت في السير في مسارها في عام 2011، لكن النقاش داخل الحزب أصبح مستحيلاً بسبب هيكل الحزب الشديد المركزية. أما الحزب الجديد، سيؤسّس نفسه ككيان قانوني خلال هذا الشهر او أوائل الشهر المقبل، ثم سيستمرّ في بناء هيكله التنظيمي، وقد التقى مع حوالى 700 شخص لمناقشة مهمة الحزب، وهناك 20 مجموعة عمل تعمل الآن على وضع إطار سياستها. اما الرئيس السابق عبد الله غول، الذي اعتاد أن يكون حليفاً لأردوغان، رفض دعوة لقيادة الحزب الجديد، ولكنه يشاركهم مخاوفهم بشأن الاتجاه الذي سلكته تركيا ويقدّم المشورة في اجتماعات منتظمة.
جماعة باباجان لا تتطلع إلى تشكيل تحالفات سياسية مع أحزاب أخرى، لكنها تأمل في جذب مؤيدين من خارج صفوف حزب العدالة والتنمية، ومعظمهم من المسلمين المحافظين. من المتوقع أن يحصل الحزب الجديد على عدد قليل من المقاعد في البرلمان إذا انضمّ المشرعون من حزب العدالة والتنمية الموالون لغول إلى الحزب، وفي الانتخابات، قد يجذبون فقط 2٪ إلى 4٪ من الأصوات، ويعبّر بعض المحللين انهم وحزب داود اوغلو يمكن ان يحصلوا على 7%، لكن ذلك قد يكون كافياً لحرمان أردوغان من الأغلبية المطلقة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.