ما بين الاثنين والخميس من سيربح جائزة التكليف؟
} علي بدر الدين
لم يتوقع حتى أكثر المتشائمين تأجيل الاستشارات النيابية مرّة أخرى، بتمنّي من المرشح الأخير للتكليف سعد الحريري على رئيس الجمهورية ميشال عون، قبل نصف ساعة من الموعد المحدّد لها، والتي كان من المقرّر أن تبدأ عند العاشرة والنصف مع كتلة «المستقبل» التي يرأسها الحريري، وسرعة الاستجابة له من قصر بعبدا وتأجيلها إلى الخميس المقبل.
مع أنه لم تكن هناك مؤشرات توحي بالتأجيل، وانّ مسار التكليف تجاوز أكثر من قطوع ومضى الربع الساعة الأخير من ليل أمس الأول على خير، وخلا من أيّ مفاجآت غير محسوبة كما حصل في التأجيل السابق مع انتخاب المرشح سمير الخطيب في سياق التكليف، حتى أنّ المواجهات الدموية التي حصلت في اليومين الماضيين بين المتظاهرين والقوى الأمنية، وهي وحدها كانت كفيلة بتطيير الموعد، والإطاحة بالاستشارات وأخذ البلد إلى ما لا تحمد عقباه، لكنها مرّت بسلام، ولم تعطل يوم الاستشارات، الذي ينتظره اللبنانيون ويأملون منه خيراً باعتباره أول الغيث، وخطوة لا بدّ منها والعبور إلى التأليف بالرغم من صعوبة الطريق إليه، وقد يطول زمنه حتى تتحقق شروط القوى السياسية والتي منها بالطبع سعد الحريري، وجميعها تتفاهم بوضع شروط تعجيزية في الدواليب الحكومية.
الطلب المفاجئ للحريري لم يمرّ بسلاسة وهدوء، بل أثار ردات فعل متباينة بين معارض ومؤيد، وتعدّدت حوله التفسيرات والتحليلات، خاصة انه لم تظهر حتى منتصف الليل ايّ عقبة تحول دون البدء بالإستشارات. وطلب التأجيل لا يحتاج إلى كلّ هذا الضجيج والتحليلات، والذي اعتبره البعض مخالفة للدستور غير مسبوقة كأنّ لبنان يعيش في استقرار وأمان وكله على ما يرام، وتناسوا ما يعانيه من أزمات وفلتان وفوضى وعدم استقرار سياسي وانهيار اقتصادي وإفلاس مالي والمفاجآت غير السارة فيه تتوالى من دون أن يظهر في الأفق ما يسرّ ويؤنس القلوب والنفوس ويوحي بأنّ الأمل باق وأنّ الغد سيكون أفضل.
ويبدو أنّ الحريري إطمأنّ على تكليفه من دون عقبات، ونام على حرير وعد كتلة «الجمهورية القوية» بالمشاركة في الاستشارات وتسميته إنْ لم يكن بشكل معلن وواضح، غير أنّ قرارها بعدم تسميته شكل له صدمة سلبية، وكان يعوّل على حجمها واعتبارها «بيضة القبان» للحصول على عدد من الأصوات تحفظ له ماء الوجه في ظلّ عدم تسميته من قبل تكتل «لبنان القوي» وكتلة «الوفاء للمقاومة» وكتلة الكتائب» وغيرها من الكتل والنواب الذين قرّروا إما مقاطعة الاستشارات أو عدم التسمية، خاصة أنه يعاني من ضغط الشارع الذي أعلن صراحة أنه لن يقبل بسعد الحريري أن يكون رئيساً للحكومة باعتباره ركناً أساسياً من أركان المنظومة السياسية الفاسدة والتي أفلست البلد.
وحتى لا يقع تحت عبء الفشل والرفض والوقوع في الفخ، كما حذره منه بعض الغيارى، كان الخيار الأفضل لديه التذرّع بانعدام الميثاقية مع خروج الكتلتين النيابيتين المسيحيتين من الإستشارات والحكومة إذا ما تشكلت، والميثاقية المتذرّع بها هي خليط من السياسية والحزبية، وأقلّ بكثير من الطائفية خاصة أنّ الكتل التي ستسمّيه فيها نواب من الطائفة المسيحية، وأنّ الميثاقية ما هي إلا حجة فاقدة للشروط والإقناع، ولا يقتنع أحد بصحّتها وصدقها.
إنّ التكليف وإنْ طال الإنتظار قد يحصل، إذا لم يكن الإثنين يكون الخميس، ولا بدّ من معرفة من سيربح جائزة التكليف، لكن المصيبة تكمن في التأليف وهو الأكثر صعوبة وتعقيداً، وتتداخل فيه قوى إقليمية ودولية وتقاطع أو تضارب مصالح، وعناوين مذهبية وطائفية ومحاصصة وغيرها الكثير التي تزيد من عقد تأليف الحكومة الذي لن يكون متاحاً إلا بعد تسويات وتفاهمات تبدأ من الخارج وتتدحرج إلى الداخل.
السؤال المطروح، هل تأجيل الإستشارات مرتبط بزيارة الموفد الأميركي إلى لبنان دايفيد هيل، الذي حكماً سيتوعّد ويهدّد بمزيد من العقوبات والحصار حتى الرضوخ لإملاءاته وشروطه المرفوضة سلفاً، ما يعني لأنّ الأزمة ستطول والخطر جاثم…