لماذا يُعرِّبُ «الاخوان المسلمون» بني عثمان؟
} د. وفيق إبراهيم
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان طلب من صديقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب استعمال واردات النفط في شمال شرق سورية، لتمويل بناء مدينة داخل الحدود السورية لتوطين نحو مليون نازح فيها.
أما شرّ البلية فإن اردوغان نفسه هو الذي أقر بهذا الواقعة التي تشكل بمجملها مشروع سرقة بين لصَّين اثنين: فلا الأميركي هنا هو صاحب النفط ولا التركي الراغب به هو شريكه، وكلاهما مشروعا استعمار جديد يستعملان فيه قواهما العسكرية المباشرة وتعاون بعض الأطراف المحلية معهما من أكراد ومنتحلي صفة معارضات واخوان مسلمين يتوهمون بأن الله ارسلهم لإنقاذ الامة، انما عبر حراب بني عثمان التي استنزفت دماء من شعوب المنطقة بكثافة نهر الامازون.
لكن مجرد إدلاء الرئيس التركي بهذا التصريح فإنه إقرار واضح بفشل وساطاته النفطية مع الأميركيين، لأن هؤلاء عازمون كما يبدو على سرقة البترول لحسابهم وبواسطة منظمة «قسد» الكردية التي تشكل بموجب ثقافتهم الاستعمارية التاريخية تغطية سورية لسطوهم.
من الجهة التركية، يشكل «الاخوان المسلمون» السوريون و»بعض المعارضات» اليائسة ومنظمات من تركمان وسوريين ما يعتقدون انه غطاء سوري، عربي وأممي للاستعمار العثماني الجديد في كامل المنطقة العربية بدءاً من سورية وحتى ليبيا.
فـ «الاخوان» تنظيم أممي يُفترض أنه يعتبر المسلمين من كل الاجناس متساوين ويعملون على تأسيس فدرالية لهم على شاكلة الدولة الإسلامية القديمة.
هؤلاء «الاخوان» منضوون اليوم في إطار سياسات حزب العدالة والتنمية التركي الذي يُشكل فرعاً منهم.
للإيضاح فإن الفروع الاساسية للاخوان هي عربية من مصر والسودان ومجمل دول المنطقة الى جانب فروع صغيرة في بعض الدول الإسلامية كانت تلتحق دائماً بالمركز العربي للاخوان، بما فيها الفرع التركي، الذي يجمع بين إسلامية مستترة في معظم الأحيان لأن تركيا مبنية منذ الثلاثينيات على اساس دولة مدنية غربية الاتجاه، لذلك فحزب العدالة والتنمية يجسد حداثة تركيا وعثمانيتها وإسلاميتها، انما عند الطلب والحاجة وليس كصفة دائمة.
لذلك وبعد فشل المحاولات التركية للانضمام الى الاتحاد الاوروبي استدار أردوغان للاستفادة من العنصريين العثماني والإسلامي وكان الاخوان المسلمون العرب خير مطية لاقتحام المنطقة العربية، وكيف لا وهم الحالمون بالامبراطورية القديمة وسلاطينها، وهو اردوغان سلطان من بني اوغلو يرتدي زي أمير للمؤمنين يقف الى جابنه فقيه اخواني ومخطط عثماني.
لقد اصطدمت طموحات «العثماني» اردوغان في شرق سورية بجشع النفوذ الأميركي، الذي سبقه وسارع الى تثبيت وجوده في مواقع في ريفي الحسكة ودير الزور حول حقل العمر النفطي، وحقول الحبسة ومعامل الغاز فيها وأرياف القامشلي.
ما أنهى أية إمكانية لتقدم عثماني نفطي برايات الاخوان وبيارقهم، وهكذا يفعلون في اليمن، حيث يعمل حزب الإصلاح الاخواني اليمني على المشاركة في تقسيم اليمن بدعم تركي مكشوف يخوض صراعاً اخوانياً تركياً على بعض مناطق الجنوب اليمني مع السعودية والإمارات، إنما داخل عباءة الأميركيين.
هؤلاء الاخوان يحملون العثمانيين أيضاً الى السودان. فيصبح لتركيا نفوذ كبير في الخرطوم العربية.
لكنه لا يضارع نفوذهم في مصر لأن الاخوان المسلمين المصريين العرب هم القوة الثانية بعد الجيش المصري ولا ينقصهم لتسلّم السلطة فيها، الا مباركة أميركية – بخلفية إسرائيلية وكثير من الدعاء.
وللترك نفوذ في العراق الذي يمتلكون فيه تنظيمات اخوانية وتكفيرية تسرح في الأنبار والوسط، هذا الى جانب احتلالهم لقسم نفطي هام من انحائه الشمالية يبررونه بخوفهم من تأثير المشاريع الكردية عليهم.
كما ينقل الاخوان المسلمون العرب الليبيون، الترك على كواهلهم نحو بلاد النفط والغاز في ليبيا، فيعقد رئيس الحكومة فايز السراج الاخواني اتفاقاً معهم يمنحهم حقوق الدفاع عن البر والبحر الليبيين، الى أن يتبين ان الاخوان الليبيين يمنحون شرعية للعثمانيين كي يسيطروا او يشاركوا في نهب ثروات النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط بما فيها الأجزاء الليبية، وذلك مقابل حكم «السراج» ضد خصمه اللواء حفتر المهيمن على معظم مساحة ليبيا.
وهكذا يظهر بوضوح ان المشروع الغربي الاستعماري الذي يجتاح الشرق الأوسط منذ قرنين تقريباً يريد ثروات المنطقة.
ولا يختلف المشروع التركي عنه بأي شيء، فإذا كان الغرب استخدم شعارات الترويج للديموقراطية والحضارة وتدمير أسلحة الدمار الشامل مستعيناً ببعض الإقطاع العربي والبورجوازيات الفاقدة وطنيتها والأقليات الطامحة لكيانات تجسد طموحاتها التاريخية، فإن الأتراك لعبوا بدورهم على نفس الاساليب مستحضرين البعد الإسلامي باثنتين من نماذجه: الأحزاب التكفيرية «والاخوان المسلمون» للتمدد في العالم العربي والسطو على موارده من مصادر الطاقة التي تفتقر اليها تركيا.
ولم يتورّع عن دعم حزب الإصلاح الاخواني في اليمن دافعاً الى مناوشات حربية بينه وبين القوى المؤيدة للسعودية والإمارات في بعض محافظاته (حضرموت وعدن وتعز)، مفجراً توتيراً كبيراً في الصراع الدولي للهيمنة على البحر الابيض المتوسط مع مصر وقبرص واليونان و»اسرائيل» وسط استياء أميركي منه، لمحاولاته وضع اليد على ليبيا بحراً وبراً للسيطرة على إمكاناتها الضخمة من الغاز والنفط.
وطيف اردوغان موجود في الجزائر والسودان من خلال الاخوان المسلمين مع تجذر قوي في مصر التي يشكل الاخوان فيها، أقوى قوة بعد الجيش المصري.
لقد أساء اردوغان الى علاقاته بالأميركيين بموافقته في مؤتمر أستانا قبل يومين على ادانة مشروع سرقة النفط السوري من شمالي شرق سورية فسارع الكونغرس الأميركي الى استصدار عقوبات سريعة على تركيا أدّت الى صدور تهديد تركي بمناقشة حاجة تركيا إلى قاعدتين أميركيتين هما «انجليريك» و»كورجيك»، بذلك يتبين أن الاخوان هم جسر لعبور الاتراك الى المنطقة العربية، وبعض أنحاء العالم الإسلامي.
لكن لسورية وجهة نظر أخرى تساوي فيها بين العثمانيين والغربيين ومعهم الاخوان المسلمون الذين شكلوا في الماضي ممراً للبريطانيين وحالياً للأتراك.إن الشمال الشرقي السوري هو الميدان الذي بوسعه تحطيم الحلف العثماني الاخواني والحلف الأميركي مع قسد، بما يؤكد مرة جديدة أن قلب الشرق هو سورية بعنفوانها وتاريخها المجيد