أولى

خيارات 
الحريري المحدودة

باريسنضال حمادة

 لو كان رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري يعرف المأزق الذي أوقع به نفسه وأوقعته به أميركا جراء استقالة الحكومة، لما استقال أبداً، لكنه أصرّ على موقفه رغم نصائح الثنائي الشيعي له بعدم الوثوق كثيراً بالوعود الأميركية وعدم الإصغاء للضغوط الخارجية.

حوالى الستين يوماً والحريري يمارس لعبة الشارع بخفة واضحة وفوضى عارمة، ظنّ خلالها أنه سيد الشارع دون منازع، وأنه ركب موجة الاحتجاجات المطلبية وأن بإمكانه العودة الى السلطة منقذاً، وباعتقاده أن هذا الشارع المشتعل غضباً ملكه يستخدمه ضد خصومه، ينادي به منقذاً وأن هذا الشارع وهذا الشغب سوف ينسى عقوداً ثلاثة يابسة حكم فيها والده رفيق الحريري وحكم هو بعده هذا البلد وأوصلاه من خلال سياساتهما الاقتصادية وفساد سلطتهما الى الإفلاس وحتى التسوّل.

ستون يوماً تقريباً وسعد الحريري يحرق الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة الواحد تلو الآخر، وكأنه يستمتع بممارسة إذلال مَن هم أكبر منه سناً في الطائفة السنية وأقدم منه في السياسة. في الوقت نفسه كان تعامله مع رئيس الجمهورية ومع الثنائي الشيعي مستوحياً من تعامل محمد بن سلمان معه منذ أن وصل آل سلمان إلى الحكم في السعودية.

ظنّ الحريري أن لعبة حرق الأسماء يمكن أن تستمرّ الى ما لا نهاية، وأن إنزال المئات من أنصار تيار المستقبل الى الطرقات والساحات يعيثون فيها إغلاقاً وخراباً أمر مستباح له وقتاً وفعلاً؛ لكن حسابات بيدر الحريري لم تناسب حسابات حقل رئيس الجمهورية وحلفاء الحريري اللدودين القوات اللبنانية والوزير السابق الصفدي ومدير عام قوى الأمن الداخلي السابق أشرف ريفي.

ظنّ الحريري أن لعبة الشارع سوف تمنحه وسيلة الضغط لكسب جولة الاستشارات النيابية للتكليف بتشكيل الحكومة، لكن حلفاءه اللدودين كانوا له بالمرصاد فأنزلوا شبيحتهم بالعشرات الى بيروت. وبينما كان الحريري في عين التينة عند الرئيس نبيه بري يستعين به لإقناع رئيس الجمهورية بتأجيل الاستشارات النيابية كان أنصار سمير جعجع وأشرف ريفي في وسط بيروت يخترقون صفوف المتظاهرين ويتناولون بري بشعارات نابية بينما تكفل أنصار محمد الصفدي بشتم الحريري والهتاف ضده، في مشهد أفقد الحريري بليلة واحدة الشارع الذي ظنّ لمدة ستين ليلة أنه له وحده، وبساعات قليلة انقلب السحر على الساحر. فأصبح الحريري يوم الإثنين ضعيفاً قليل الخيارات، بعدما كان حتى ما بعد ظهر الأحد يشعر بفائض قوة ولو مزيّف.

بدأت عملية إسقاط الحريري في الشارع في اليوم الذي أعلن فيه سامي الجميل ترشيح الكتائب للسفير نواف سلام لرئاسة الحكومة. كان هذا الإعلان الكتائبي بمثابة رسالة أميركية للحريري أنهم ليسوا معه، هذا بالإضافة الى عدم رضا محمد بن سلمان عن الحريري إلى درجة عدائه له.

كانت عملية تعيين موعد الاستشارات النيابية التي رآها سعد الحريري نجاحاً له الضربة الثانية التي أصابته بعدما أعلن التيار الوطني الحر أنه لن يسمّي الحريري ولن يشارك في الحكومة. وأعلن حزب الله أنه لن يسمّي أحداً ولن يسهّل أمر تأليف الحكومة إذا لم تتوافق مع ثوابته، فلجأ سعد الحريري الى سمير جعجع باحثاً عن تأييد له في التسميات النيابية لكن جعجع الذي كان من اكبر المحرّضين على الحريري لدى محمد بن سلمان رفض تسمية سعد الحريري فأسقط بيد الأخير بسبب غياب جل التأييد المسيحي وأغلب التأييد الشيعي. في المقلب الجنبلاطي لم تكن الأمور مضمونة لسعد الحريري. فـبيك المختارةالغارق في عملية تغيير كبيرة في تنظيمه (سوف نكتب عنها قريباً) واقع في حيرة من أمره منذ بداية الحراك الذي اعتبره قد فشل منذ 19 تشرين الأول. وهو في موضوع تسمية الحريري أعطى إشارة غير مطمئنة عندما أبقى اجتماع كتلته النيابية لاتخاذ موقفها الى ساعة متأخرة من مساء يوم الأحد. وهذا أثار ريبة الحريري، الذي لم يبق أمامه إلا رئيس مجلس النواب نبيه بري يلجأ إليه الساعة الحادية عشرة مساء الأحد طالباً منه التحدّث مع رئيس الجمهورية لتأجيل الاستشارات النيابية أسبوعاً آخر. رفض بري الحديث مع عون ليلاً واعداً الحريري بتسوية الأمر صباح يوم الاثنين. وفعلاً تمّ الحديث مع رئيس الجمهورية الذي انتظر حتى قبل توقيت الاستشارات المعلن بوقت قليل ليصدر بيان التأجيل ثلاثة أيام وليس أسبوعاً.

التأجيل حصل مرة واحدة ولن يُمدّد، حسب ما نقل عن رئيس الجمهورية، بينما ضعف موقف الحريري فأصبح بين خيارات ثلاثة أحلاها مرّ:

قبول التكليف والتأليف والتنازل عن كل شروطه السابقة. وهذا ما سوف يُسقطه شعبياً ومعنوياً وسياسياً.

رفض التكليف وإفساح المجال لشخص آخر يترأس الحكومة. وهذا ما لا قدرة للحريري على تحمّله رغم كل الادعاءات.بقاؤهرئيسحكومةتصريفأعمال. وهذاسوفتكونكلفتهباهظةعلىالبلدوعليهشخصياً.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى