يا عاشقي لا تَحـزَنَـنّ
} يوسف المسمار*
إلى رفيقاتي ورفقائي وكل الصديقات والأصدقاء الذين تسابقوا الى مواساتي وتقديم التعزية برحيل زوجتي ورفيقتي المبكر نجاح جانبيه المسمار، وهي في عمر الربيع وعز الحيوية والنشاط لا أرى أفضل من تقديم شكري وامتناني لجميع الذين غمروني بمحبتهم وتعازيهم المنعشة التي تدفع حركة الحياة الجميلة على التواصل والاستمرار في مسيرتها الطويلة في رحاب الوجود الذي لا ينمو ولا يرتقي ولا يتسامى إلا اذا كانت شحنته الداخلية أرقى قيم الحق والخير والجمال، وأسمى المثل الإنسانية.
الإنسان – الفرد إنسان آنيّ مهما طال عمره ولا بدّ من رحيله عن هذا الوجود. وأنطون سعاده يقول: «الحياة قصيرة لا تسمح بضياع الوقت في البكاء من الألم». والحياة القصيرة المقصودة هي حياة – الفرد، أي حياة الإنسان – الفرد الآنيّ الذي يذهب كما أتى ضعيفاً، ويبقى بعده الإنسان – المجتمع الذي هو الحقيقة المطلقة الباقية، لأن الخالق باقٍ ولم يخلق الإنسان ليفنى بل خلقه ليبقى ببقاء الخالق، وغير معقول أن يكون الخالق بدون مخلوق.
وهذا المخلوق الباقي هو هو الإنسان – المجتمع. فاذا ظلّ الإنسان – الفرد عند حدود فرديته ولم يرتق من درجة الفردية الأنانية الى مستوى الاجتماعية الإنسانية الباقية بالفضائل، فهذا هو الفرد الذي أتى ويذهب ويذبل ويتساقط كأوراق الخريف.
أما الإنسان – الفرد الذي تبرعمت في داخليّته بذرة الاجتماع الإنساني، واستيقظت فيه الشخصية الاجتماعية الإنسانية فهو هو بالذات الذي يأتي الى هذا الوجود ويفرض بمناقبيته وفضيلته الاجتماعية الإنسانية حقيقة نفسيته على الوجود ويبقى، ويكون جديراً بنعم الخالق عليه كما يكون الخالق راضياً عن ذاته في خلق مَن يستحق أن يكون مخلوقاً سوياً. وهذا ما استوحيته من أنفاس شريكة حياتي لحظة تحرّر روحها من الجسد الفاني هامسة ً في أذني هذه الخواطر:
يا عـاشـقي لا تحـزنـنَّ لســفـرتي كـلُّ الأنـامِ لـو افـتكـرتَ الى سـفـرْ
واقـنعْ بنامـوسِ الألـوهـةِ واتَّـعـظْ أن لا خلاصَ من الرحيـلِ ولا مفرْ
واعـلـمْ بأنَّ العـالمـيـنَ كـمـا أتــوا سيغادرونَ وليسَ من عَـلِمَ الخَـبَـرْ
فاذا اهتدوا واستوعبوا معنى الحياةِ تـألّـقــوا وتَـقَـبَّـلـوا حُـكــمَ الـقَــدرْ
مـعـنى الحيــاةِ فَـضيـلـةٌ كُـلـيّـةٌ تمتـدُّ ما امـتـدتْ أحاسيـسُ البشرْ
فالمـوتُ لا يعـني النهايـةَ والفـنا الاّ لِـمَـنْ نَـكَـرَ الحقيقـةَ فانـتحـرْ
المـوتُ يَعـني أنْ نُطّـوّرَ وعـيـنا بهدى الحقيقة والبصيرة والعِـبَـر
فـنعي بأن وجـودَنـا لا يستـقـيـمُ بغيـرِ ما يقضي السموّ بلا حَـذَرْ
المـوتُ في هـذا الوجـودِ حقيقـةٌ مثـلَ الحيـاةِ لِمَـنْ تفقه واعـتَـبَـرْ
فلنختر الموتَ الجميلَ ببسمةٍ تبقى لعشاق ِ الجمالِ هي الأثرْ
يا عــاشـقي لا تَـحـزَنـنّ فـحُـبُّـنـا أبـداً بـمـوسيـقى الأثـيـرِ بلا وَتَـرْ
وافـهـم بأن الكائـنـات مصيـرها بـيد الذي امتـلك المشيئة والقَــدَرْ
الكـلُ في هــذا الـوجــودِ لحكـمـةٍ ولحكمةٍ كُـتِب الرحيـلُ على البَشَـرْ
فـوصيـتي ونصيحـتي يا عاشقي أن تهتدي بهدى البصيرة لا البصرْ
فـرسـولُ رب العالمين هـو الهُـدى ومَن اهتدى نحـو السعادة قـد عَـبَـرْ
البقاء لأمتنا الحبيبة برقيّ مثلها العليا، والبقاء للإنسانية برقيّ فضائل أممها.
أسرة «البناء» تتقدّم من الشاعر القومي يوسف المسمار بأحرّ التعازي، والبقاء للأمة.
* شاعر قومي مقيم في البرازيل