مَن هو المثقف الحقيقي؟
} منال محمد يوسف
المُثقف؟ مَن هو المُثقف؟ وكيف ينال هذه التسمية أو اللّقب؟ ومن أي الرّوافد يستقي ليصل إلى هذا الامتياز، «الامتياز الثقافي الفكري بمعناه الجاد المستجدّ»؟ وهل الثقافة شهادة تُمنح؟
الثقافة شيء نفخر ونعتزُّ باقتناء بعض كُتبها على رفّة الأزمنة وماذا عن ذاكرة الحفظ لدينا، وتقنيات العمل وأدوات التطبيق السائر منها وإليها؟
كل هذه الأسئلة يجب أن تدور في الفلك الثقافي، وفي المدارات التابعة لهذا الفلك أو ذاك.. في فلك التمحور الثقافي الجادّ، ذلك التمحوّر الذي يتبنّى أفكاراً هادفة يجب أن تُزرع بشكل أو بآخر كيف يصل إلى هذه الدرجة إلى مرحلة الاكتفاء المعرفيّ المُناط به الاكتفاء الذي يجعل اسم المثقف يُستحق أن يُطلق وبكلّ جدارة وثقة. ذاك المُثقف الذي نحتاج لفكره الوهّاج، نحتاج إلى قلمه، ومحبرته وإخلاصه، ويبقى السؤال دائماً، «مَن هو المُثقف» والمُثقف الحقيقيّ؟ كيف نميّزه؟ كيف نميّز أدواته الأدبية والفنية واللغوية؟ أو كيف يفرض علينا ذلك التميّز؟ وكيف يكون تلك المرآة التي تعكس صورة واقعنا بشكل جمالي آخر؟ وعند هذا الانعكاس الفكري الثقافي، إن صح التعبير، هل نجد المُبتغى المطلوب؟ أو هل تتبلور الحلول الثقافية الجادة. ونحن بالطبع نعلم علم اليقين بأن المُثقف يجب أن يعي بكلمته ما يقول، يجب أن يدافع من حيث محبرته، من حيث تأصل به تلك التي تجب تسميتها «المسؤولية الثقافية».
المسؤولية أي مسؤولية من يقرأ، يقرأ الواقع ويشخّص له بعض الحلول، مَن يقولب الهمّ الإنساني بطابع أدبي مختلف. هذه بالطبع مسؤولية المُثقف الذي زجَّ بنفسه في معترك هذه التسمية والمسؤولية معاً.
«زج َّبنفسه « بين هذه التسميات والألقاب…
بين الفعل والفاعل الثقافي الذي يجب أن يتّحد بنا، بالتالي نتحد بمقوّمات الشغل عليه، بمقوّمات العمل على بناء الفكر التنويريّ الجاد، الفكر الذي يدور في ماهية ما ندور به وينطلق من حيث الشيء الهام الذي يجب أن تُقضى بمعرفته كل الأمور.
هذا يرجع بنا طبعاً إلى بادئ ذي بدء، إلى نقطة السؤال والتساؤل المعرفي: مَن هو المثقف الحقيقي؟ وهل بالضروري أن يكون كاتباً وأن يمتهن النشر؟
كم مِن عقول تمتلك ثقافة هائلة! وكم يتجدّد السؤال الملحاح علينا: متى يُستقرأ الواقع بعين المُثقف الذي يستطيع أن يُحرّك ساكناً بفعلٍ ما… يستطيع أن يرممّ بعض الانكسارات المجتمعية حقاً.
«الانكسارات والفجوات» التي يجب التسامي عليها ليس بقوة المعرفة فقط وإنما بشيء من ترجمة وترجمان هذه المعرفة العميقة والحقيقية.
وهنا يطرقنا السؤال التالي: أين دور المُثقف في الأزمات؟ وما هي الاتجاهات الثقافية المُنوط بها أن تعمل، وتفعل فعلاً تنويرياً ليرتقي الحال بالواقع؟ بالتالي يرتقي بأدوات التبلور الثقافي الوجداني الإنساني، إن صح التعبير.
كما يجب أن تتبنى الرؤى الثقافية القويمة أو التقويميّة التي تعتمد فيما تعتمد خلق مناخ ثقافي، تميّزه الرؤى التربوية الأخلاقية، ومن هنا نعي بأن الثقافة منهج عمل بحدّ ذاته، وتراكمية الوعي الأخلاقي لا يمكن إلاّ الارتكاز عليها، ولا يمكن إلا أن نصوغ من خلال تجليات أفكارنا الثقافية وبعض الرؤى الخاصة. تلك الرؤى التي تحاول أن تحدد ماهية الثقافة بمعناها الأجمل، وماهية التسمية التي تُطلق على «المُثقف» وأهمية هذه التسمية التي تحمل الكثير من العناوين والتفرّعات، لكنها تُختصر بكلمة المثقف، ذاك الذي نريد حضوره الفاعل والمنفعل بنا إلى الحد الذي يسمو بعقولنا وأفعالنا معاً ويمنح المُثقف أو القارئ أحقية التميّز الذي يجب أن يمتاز بها.