كتاب مفتوح إلى دولة الرئيس المكلّف الدكتور حسان دياب
ناصر قنديل
– أخاطبك دولة الرئيس دون معرفة شخصية وهذا يسهّل المهمة، وقد أفرحني أن الذين نظّموا حملات للنيل من نزاهتك لأسباب لا تتصل بحرص مزعوم على بلدنا الحبيب، لم يجدوا شيئاً في تاريخ توليك وزارة التربية والتعليم العالي إلا تفاهات وسخافات. قد لا أشاركك الرأي كما كثيرين، بأنها كانت موفقة، لكن يصعب في زمن حكمت ديناصورات الفساد بلدنا تصنيفها في خانة الفساد، ولهذا أصدقك القول إنك وأمثالك تشكلون قلة نادرة بين الذين تولوا المسؤوليات الحكومية في زمن فلتان المال واستشراء صرف النفوذ وتحوّلهما معياراً للشطارة بنظر المجتمع نفسه الذي ينتفض اليوم بوجه الفساد، والحصانة الشخصية كانت ولا تزال هي الوازع الوحيد للحفاظ على سيرة نظيفة، يحق لكم أن تفتخروا بها، وأن تعتبروها بحق رصيداً يفوق أهمية العلم والخبرة للانطلاق في مسيرة نهوض وإصلاح نحن بأشدّ الحاجة إليها، وفي ظرف شديد التعقيد، ووسط علو الصراخ على المنطق، وتحوّل الغبار إلى حقائق والغوغاء إلى رأي عام، وسيطرة العصبيات المريضة على التفكير الوطني، وضعف الأحزاب التي تزرع الثقافة والوعي كمعايير للممارسة السياسية وصولاً لغياب مفهوم المصلحة الوطنية عن السياسة، واشتراك الكثير من النخب التي يفترض أنها تنادي بالدولة العصرية الحديثة القائمة على معايير العلم والموضوعية إلى جزء من لعبة بروباغندا تسيّرها وحوش إعلامية، ترسم ألف علامة سؤال حول مصداقيتها وحقيقة أهدافها ومشروعها.
– الظرف معقّد والمهمة صعبة والطريق موحشة، وأمامكم دولة الرئيس خيار من ثلاثة، الأول أن تمضوا الوقت في البحث عن خارطة طريق للسير بين النقاط، وتمرّ الأيام جزافاً، حتى يتحقق أحد إثنين، سقوط البلد ومشروعكم الحكومي معه، فيذكركم التاريخ بالفشل رغم النيات الطيبة، أو حدوث تحوّل سياسي يُنهي مهمتكم لحساب بديل آخر وتنسحبون كما دخلتم بهدوء، ويذكركم التاريخ بالضعف متسائلاً عما إذا كانت هذه هي النيّة بالأصل، أما الخيار الثاني فهو أن تشكلوا حكومة تقليدية لزمن غير تقليدي، تستطيع تأمين الغالبية النيابية التي قامت بتسميتكم لمنحها الثقة في المجلس النيابي، لكنها تمنح حرب الاستنزاف المفتوحة بوجه حكومتكم المزيد من الذخائر، فلا تستطيع امتلاك الفرصة ولا التقاط الأنفاس لكي تقدّم ايّ إنجاز يُذكر، والعامل الجوهريّ الذي سيحدّد طبيعة الحكومة بمعيار تقليديّتها أو تجاوبها مع معايير التغيير اللازم، تتصل بفهمها، وتعابير هذا الفهم في تركيبتها، للمفردة التي ضاق اللبنانيون ذرعاً من مضغها واستهلاكها وسماعها خلال سنوات وخصوصاً مع تسميتكم لرئاسة الحكومة، وهي مفردة الميثاقيّة. فكيف ستُمارس الحكومة في تركيبتها ومشروعها مفهوم الميثاقية هو ما سيحدّد مصيرها، ووقوعها في الخيار الثاني المميت، أو سلوكها الخيار الثالث الذي ندعوكم إليه، والصورة التي تريدون للتاريخ أن يذكركم فيها ستتقرّر هنا.
– لقد دأب السياسيون الذين تولوا شؤون البلاد منذ اتفاق الطائف على تجريعنا سم المحاصصة وتجذير التعصب الطائفي، تحت ذريعة الميثاقية، وإذا اختارت حكومتكم هذا الفهم للميثاقية القائم على تمثيل الأقوياء في طوائفهم، فهي خاسرة حكماً وقد خسرت الحكومات الأشدّ تعبيراً عن هذه الميثاقية منها، لأنها ستفتقد على الأقلّ لتمثيل فريقين من خمسة، وقد باتت الأمور معلنة وواضحة كساحة حرب يستعدّ خصوم الحكومة لمنازلتها على هذه المنصة، وستكون حكومتكم مبتورة ولو تخفت أسماء ممثلي الأحزاب المشاركة من موقع الأوسع تمثيلاً في طوائفهم خلف أثواب الاختصاصيين، لكن ثمّة فهم آخر للميثاقية يتم تغييبه قسراً، وهو أن تنهض الحكومة بمهمة تعزيز العيش المشترك وحمايته وفقاً لجوهر ما قام على أساسه اتفاق الطائف، وهو الانتقال من دولة المحاصصة الطائفية إلى الدولة المدنية، وتكفيها ميثاقية أن رئيسها لا يسعى لتعزيز مكانة طائفته على حساب ميثاق العيش المشترك ليكون ميثاقياً، فتنطلق الحكومة العتيدة من أن ميثاقيتها في مهامها وأهدافها وفي تكوين متجانس مع هذه الأهداف، حكومة الانتقال إلى الدولة المدنية ليس لها شارع طائفي، لكنها ستستنهض الشارع الكامن الذي خرج في 17 تشرين الأول قبل سرقة ثورته وتلبيسها شعارات جديدة تخدم مشاريع قديمة. عبر هذا الطريق ستحدث الحكومة الصدمة الإيجابية في الداخل والخارج، بإعلان أهدافها وجدول زمني لتحقيقها لا يزيد عن ستة شهور، قانون انتخاب خارج القيد الطائفي وفقاً لنص المادة 22 من الدستور، وتخفيض سن الاقتراع، ولبنان دائرة واحدة وتمثيل نسبي، وقانون الاستقلال الكامل للقضاء، وقانون واقعي وعملي للامركزية الإدارية، ومحكمة عليا مستقلة لمكافحة الفساد ترفع أمامها الحصانات والسرية على الأموال والممتلكات، وسياسة مالية تضمن تخفيض الفوائد على الدين، وسداد الديون بالليرة اللبنانية وتحرير الودائع الصغيرة من تحكّم المصارف، وفتح الباب لتفاهمات اقتصادية غير خاضعة للسياسة، كتشغيل أنبوب نفط كركوك طرابلس بالتفاهم مع العراق وسورية، وفتح طريق الترانزيت والتصدير إلى العراق، والحفاظ على كل موارد الدعم المفترضة دولياً وعربياً دون شروط سياسية، وسترون مفعول الذهول لدى كل الطائفيين والفاسدين الذين يتحدّثون صبح ومساء عن الدولة المدنية ومكافحة الفساد نفاقاً، لكنكم سترون الحماسة والنهوض لشرائح لا تتخيّلون حجمها بين اللبنانيين، تتوق لدولة قانون يساوي بين المواطنين، كما يقول الدستور وتعطل القوانين والأعراف باستثناءاتها وحصاناتها هذه المساواة. – دولة الرئيس، الغالبية النيابية التي تدعمك تستطيع أنت تحمّل فشل حكومتك، لكنها لاتريد لك هذا الفشل، ولكنها بالمقابل قوية لدرجة تتيح لها تحمل كلفة برنامج طموح لحكومتك يشكل فرصة جديدة للبنان والحياة السياسية فيه، إن تحمّلت أن تكلفة هذه المغامرة الوطنية المحسوبة، وأقدمت، ووضعت معيار اختيار الوزراء في تقديم صورة تؤكد أنها حكومة الانتقال بلبنان من المزرعة إلى الدولة؛وهذا ممكن، لكن تنقصه الشجاعة والإرادة. وهما لاينقصانك، لكنها فرصتك الوحيدة للنجاح، وفرصة تمنحها للذين قاموا بتسميتك، وهم يملكون مالاتملك من فرص الخيارات، لكن خيارك الشجاع سيكون فرصة نجاح يقدّمونه للبنانيين ويكتبه التاريخ لك ولهم؛ اللهم اشهد أني بلغت.