رعى في النبطية «مؤتمر البحث العلمي حول الاغتراب اللبناني» فواز: اغترابنا تعملق حيث حطّ رحاله في دول العالم واقتحم المجهول حاملاً رسالة المحبة والانفتاح والسلام والعطاء
} النبطية ـ مصطفى الحمود
نظمت «هيئة تكريم العطاء المميّز» والمجلس القاري الأفريقي «مؤتمر البحث العلمي حول الاغتراب اللبناني» برعاية رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم عباس فواز، وذلك في قاعة قصر الملوك في النبطية بحضور ممثل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد علي قانصو، ممثل النائب هاني قبيسي الدكتور محمد قانصو، عضو هيئة الرئاسة في حركة أمل الدكتور خليل حمدان، ممثل قيادة حركة أمل في الجنوب المهندس حسّان صفا، منفذ عام النبطية في الحزب السوري القومي الاجتماعي المهندس وسام قانصو، رئيس اتحاد بلديات ساحل الزهراني علي مطر، رئيس «هيئة العطاء المميّز» الدكتور كاظم نور الدين، نائب رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم علي النسر، وعضو الهيئة الإدارية جميل راجح، رئيس الجالية اللبنانية في الغابون عماد جابر، نائب رئيس المجلس القاري الأفريقي حسن يحفوفي والأمين العام ابراهيم فقيه، وشخصيات وفاعليات ووجوه اغترابية واجتماعية وثقافية وتربوية ومهتمّين.
بعد النشيد الوطني اللبناني ونشيد «هيئة العطاء المميّز» اللذين عزفتهما الفرقة الموسيقية في كشافة الجراح – فوج كفررمان، وكلمة ترحيب وتعريف من عضو «هيئة العطاء المميّز» ماهر الحاج علي، ألقى راعي الاحتفال رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم عباس فواز كلمة أعلن فيها «أننا سعداء لتنظيم هذا المؤتمر بالتعاون مع هيئة تكريم العطاء المميّز في النبطية، مدينة العلم والعراقة والمقاومة، مدينة العالم الكبير المخترع حسن كامل الصباح، الشيخ عبد الحسين صادق، وأحمد رضا وسليمان ظاهر ومحمد جابر، آل صفا وغيرهم من النخب من أعلامها اللامعة في مجالات الفقه والنشر والشعر والأدب والاقتصاد والاغتراب والسياسة والوطنية، وقد ظلّت النبطية بفضل إبداعهم منارة مشعّة في لبنان والاغتراب.
وقال: إنّ انعقاد مؤتمر البحث العلمي حول الاغتراب اللبناني يشكل فعلاً محطة تحوّل أساسية في التاريخ العلمي للهجرة، التي لم تنصفها الدولة بعهودها وحكوماتها المتعاقبة، وتعاطت معها باستخفاف ولامبالاة، وكأنّ المهاجرين اللبنانين لا يحملون الهوية اللبنانية ولا ينتمون الى وطن. وانّ ما أبدته كان خجولاً ومتواضعاً ومركزاً على الجانب العاطفي والحنين الى الوطن بثلجه وبحره، وأرزه، والى مراتع الصبا والطفولة، والتذكير في كلّ مناسبة بالكبّة والتبّولة والحمّص ومرقد العنزة…
أضاف فواز: انّ مؤتمرنا اليوم يشكل قفزة نوعية متقدّمة ويستحق هذا المستوى الراقي والمميّز من المشاركة والدراسات والأبحاث التي ستكون حتماً على درجة عالية من العلمية والموضوعية لتسليط الضوء على الهجرة اللبنانية عامة وإلى أفريقيا خاصة بأزمنتها وأمكنتها وأسبابها ودوافعها ونتائجها وتداعياتها السلبية والإيجابية على لبنان بجناحيه المقيم والمغترب، وعلى الدول المضيفة. إنه خطوة بل فرصة مهمة وغير مسبوقة لاستكمال الأبحاث العلمية حولها ولفتح طريق الانتقال من طابع العموميات ومخاطبة المغتربين بلغة العاطفة والحنين الى الوطن الأمّ، إلى لغة الحقائق، وفي هذا الصدد يقول المؤرّخ اللبناني الدكتور مسعود ضاهر انه منذ العام 1960 وكتاب إيلي صفا «الهجرة اللبنانية» الصادر في بيروت باللغة الفرنسية يشكل نقطة أساسية في التاريخّ العلمي للهجرة اللبنانية عبر العصور.
وقال: علينا ونحن نبحث ونغوص في قضية الهجرة ألا نغفل أنّ أيّ دراسة أو بحث علمي على ضرورته لا بدّ أن يعتريه وجود ثغرات ونواقص تتمثل في افتقاره إلى الإحصائيات الدقيقة، وأحياناً عدم وجودها، وهي مشكلة بحدّ ذاتها وتشكو منها الدراسات البحثية والعلمية السابقة والمعاصرة، وخاصة تلك المتعلقة بالهجرة اللبنانية الغارقة بالتاريخ، والتي لم تنحصر في زمان أو مكان وقد توسّعت مروحتها ودائرة انتشارها لتشمل قارات العالم، وان حصلت فهي قليلة جداً وقد تكون نادرة ولأسباب وأهداف خاصة وعشوائية وتقريبية وعناوينها طائفية وسياسية ومناطقية لا تفي بالمطلوب ولا يمكن الاستناد إليها في أيّ دراسة أو بحث علمي، وهنالك العشرات من الإصدارات والأبحاث والدراسات التي تناولت الهجرة او الاغتراب والانتشار على اختلاف التسميات والتصنيفات بعناوينها ومضامينها ومقارباتها لأنها تحوّلت مع مرور الزمن وما رافقها واتصل بها الى حدث فرض نفسه في لبنان وخارجه، إلى ظاهرة من الظواهر التي لا يمكن تجاهلها لأهميتها الكامنة في توزيعها الجغرافي الواسع على مساحة العالم والى كثافة المغادرين من مختلف طوائف لبنان وشرائحة الاجتماعية، وهي للأسف إلى ازدياد لا سيما في العقود الأخيرة وللأسباب والظروف ذاتها التي دفعت باللبنانيين الى الهجرة الحديثة والمتمثلة بشحّ الموارد وانعدام الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في لبنان والتي بدأت في مطلع القرن التاسع عشر، خاصة فتنة 1860 وبعدها الحرب العالمية الأولى، وأضيفت اليها بعد استقلال لبنان عام 1943 والحرب اللبنانية عام 1975 هجرة الكفاءات حتى قيل «قلما يوجد بلد في العالم لم تطأه قدم إنسان من لبنان»…
انّ افتقار ما كتب عن الهجرة إلى الإحصائيات العلمية أو حتى انعدامها له ما يبرّره ومردّه الى التقصير الواضح والفاضح الذي تتحمّل مسؤوليته بالدرجة الأولى، الدولة في لبنان بوزاراتها وأجهزتها وسفاراتها المنتشرة في العالم وضآلة وجودها في القارة الأفريقية، كذلك المؤسّسات الاغترابية كالجامعة اللبنانية الثقافية في العالم ومجالسها القارية والوطنية وروابط العلاقات اللبنانية الأفريقية والجمعيات والهيئات التي تزداد أعدادها لأهداف ومصالح خاصة.
وقال: إننا في المجلس القاري الأفريقي لدينا من الجرأة والشجاعة للاعتراف بأننا قصّرنا في هذا المجال، إلا أننا قمنا بخدمات ضرورية للمجتمع الأفريقي فبنينا الصروح العديدة، وشكلنا على الدوام الرافعة والدعم الأساسي لاقتصاد هذه الدول والحؤول دون سقوطها في المحظور المجهول. انّ الاغتراب الذي تجذّر في القارة الأفريقية بعد معاناة طويلة وقاسية استمرّت لعقود، ولا يزال يعاني، ولكن الحافز ظلّ قائماً أمام المغتربين اللبنانيين أو الذين يرغبون بالهجرة، وقد فتحت أفريقيا أبوابها على مصراعيها لهم، وهم الذين حملوا ريادتهم وأحلامهم واتجهوا الى القارة الخضراء المعطاءة يحدوهم الأمل بالنجاح والنهوض باقتصادها وتطوّرها وارتقائها وحققوا ما أرادوا بعد ان تقدّموا في العمل والإنتاج واكتساب الخبرات والمهارات والثبات في المجتمع الأفريقي الجديد، وباتوا قادرين على مساعدة دول وشعوب أفريقيا وبث الروح والحياة في مختلف القطاعات الإنتاجية والتجارية والصناعية والزراعية، وتشاركوا وتعاونوا مع المواطنين الأفارقة ومتّنوا العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والإعمارية، وشّدوا من عزيمتهم ووفروا لهم فرص العمل وتسلّموا المسؤوليات في الشركات والمصانع اللبنانية، وبنوا او ساهموا في بناء المدارس والمستشفيات والمستوصفات في القرى النائية، ودعموا الجمعيات الخيرية والإنسانية والاجتماعية، وقدّموا المنح للمتفوّقين من طلابهم فحظوا على ثقة وتقدير وترحيب القادة الأفارقة في غير دولة فاحتضنوهم وأشادوا بإنجازاتهم ومشاريعهم التي عمّمت الفائدة على اللبنانيين والأفارقة، وهنا يحضرني كلام للرئيس السيراليوني أرنست كروما «لا اقتصاد في سيراليون من دون اللبنانيين، لذلك لا يمكنني ترحيلهم»، وما قاله حكيم أفريقيا، رئيس شاطئ العاج هوفيت بوانييه «انّ اللبنانيين هم هبة من السماء وبناة أفريقيا» والأمثلة كثيرة.
وقال: انّ الاغتراب اللبناني في أفريقيا بنجاحه وتميّزه اقتصادياً واستثمارياً تحوّل الى محط أنظار الدول ورجال الأعمال العرب حيث باتت الحاجة ضرورية وملحة للاستفادة من خبراته ولإمكانياته، خاصة انّ للمغتربين اللبنانيين امتداداتهم وعلاقاتهم فكان لا بدّ من توظيفها واستثمارها في مشارق الأرض ومغاربها، وهم صمام أمان لهذه العلاقات وترجمتها اقتصادياً وتجارياً واستثمارات متبادلة، ولتحقيق ذلك نظم المجلس القاري الأفريقي في العام 1991 وكنت رئيساً له آنذاك مؤتمراً اقتصادياً اغترابياً في القاهرة لرجال أعمال ومغتربين لبنانين في أفريقيا ومشاركة وزراء في الحكومة المصرية ورجال أعمال ومستثمرين مصريّين برعاية نائب رئيس مجلس الوزراء المصري آنذاك بطرس غالي، والذي تسلّم في ما بعد مهام الأمين العام للأمم المتحدة، واستفاض الحديث فيه حول إمكانية نقل النجاح اللبناني في أفريقيا الى مصر والتعاون والاستفادة من الطاقات الاغترابية اللبنانية ولتقوية أواصر الصداقة والشراكة الاقتصادية والاستثمارية من خلال إشراك اللبنانيين في منظومة العلاقات الاقتصادية العربية الأفريقية التي كانت محور لقاءاتنا مع مسؤولي جامعة الدول العربية.
وتابع فواز قائلاً: إنه الاغتراب اللبناني المؤهّل الذي تعملق واقتحم المجهول حاملاً معه رسالة المحبة والانفتاح والسلام الى حيث حطّ رحاله في دول العالم منطلقاً بمبادرات فردية نتيجة لظروف خاصة ثم تطوّر طبيعياً وحضارياً مع شعوب الدول المضيفة، ولم يكن موجّهاً من شركات قابضة ضخمة بل كان في رحلة شاقة وواجه الصعوبات واخترقها من دون ان يسبّب الأذى لشعوب هذه الدول، أو استغلالها والتعالي عليها، بل عمل كأهل البلاد تماماً وتأثر مثلهم بالتطورات الإيجابية والسلبية، وساهم معهم في مشاريع تنموية واجتماعية، ولا تخلو دولة من دول الاغتراب من صرح او مشروع بناه اللبنانيون الذين حملوا معهم عزيمة العمل ورسالة التعاون والتعاطي العلمي والحضاري، وقد أثمرت علاقات جيدة وتفاهماً مع الشعوب المضيفة وهي ثروة بحدّ ذاتها.
هذا الاغتراب أيها الأخوة المحصّن برسالته السلمية والحضارية والتشاركية لم يترك الدول المضيفة وخاصة في أفريقيا حاملاً معه ما جناه وجمعه من مال عند حصول أيّ اضطراب أمني أو سياسي أو اجتماعي، وعندما فرّ الكثير من الشركات الدولية أو توجّهت هي ورجال الأعمال الأجانب إلى أماكن أكثر أمناً وربحاً، بقي اللبناني فيها وعرّض سلامته وسلامة عائلته لما تعرّض له أهل البلد أنفسهم، ما ترك أثراً كبيراً وطيّباً لدى هؤلاء، إنه اغتراب صاحب هوية وانتماء ووفاء للدول التي استقبلته وحضنته كما لوطنه الأمّ الذي دعمه اقتصادياً واجتماعياً من خلال التحويلات المالية والمساعدات والاستثمارات التجارية والصناعية والزراعية.
صحيح انّ هذا الاغتراب بدأ إفرادياً ونجح، لكنه من الخطأ القاتل ان يستمرّ كذلك، وقد انتشرت في أكثر من دولة يتواجد فيها مغتربون لبنانيون الجمعيات والنوادي والروابط بعناوين وأشكال متعددة، مما حفز بعض المخلصين والحرصاء عليه في منتصف الخمسينيات الى الدعوة لتأسيس رابطة او جمعية اغترابية شاملة، وأنتجت في ما بعد الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم عام 1960 في مؤتمر اغترابي موسع عقد في بيروت برعاية رئيس الجمهورية انذاك اللواء فؤاد شهاب. واستطاعت هذه الجامعة في بعض المراحل الحفاظ على وحدة اللبنانين في الخارج ومدّ جسور الصداقة والتعاون مع شرائح اجتماعية مختلفة في دول الانتشار وفي تذكير المغتربين بانتمائهم الوطني والحضاري الى وطن ودولة وأمة، ولهذا السبب رفعت شعار وحدة المغتربين من أجل وحدة لبنان في مؤتمر باريس عام 1989، لكن سنوات الحرب في لبنان وما شهده من صراعات طائفية وسياسية انعكست على المغتربين وجامعتهم التي بدورها عانت من بعض الانقسامات ومن اختلالات رئيسية، ولا تزال تعاني رغم محاولتنا المتواضعة لإنقاذها وتقديمنا أفكاراً لتطويرها وتحويلها الى مؤسسة اغترابية عالمية بالتعاون مع شخصيات قادتها نحترم ونقدّر تحمّلها للمسؤولية وترؤسها على مدى ستة عقود، وقد شاركت في هذه المحاولات من خلال تدرّجي في أجهزتها على مدى أربعين عاماً من عضو فرع لها في ليبيريا الى أمين سرّ إلى رئيس للمجلس الوطني إلى رئيس للمجلس القاري الأفريقي للمرة الأولى بين 1988 و 1993، إلى رئيس لجنة الحوار انطلاقاً من التزامي بضرورة انتشالها وتفعيلها لتصبح بحق مؤسّسة العصر ولتكون فعلاً الممثلة الشرعية الوحيدة للمغتربين في العالم، لكن هذا لم يحصل ونحن بدورنا لم نيأس، ومستمرّون في المحاولة وبذل الجهود الى ان يتحقق حلم إنقاذها وتحقيق وحدتها.
اننا في المجلس القاري الأفريقي ومنذ انتخابي رئيساً له للمرة الثانية من نيسان 2015 وبالتعاون والانسجام مع أعضاء الهيئة الإدارية الكريمة ولجان المجلس قطعنا شوطاً كبيراً في تحقيق الكثير من الإنجازات، ونعمل على توحيد جهود المجالس الوطنية والإقليمية والفروع في أفريقيا والتواصل معها وفي ما بينها وبين الوطن الأمّ. ويلتزم المجلس بتطبيق النظام الأساسي للجامعة وتعزيز التضامن بين مختلف أجهزتها والبتّ بأيّ خلافات قد تعجز عن حلّها المجالس الوطنية والإقليمية والفروع في القارة الأفريقية، وقد بدأت ورش عمل المجلس منذ لحظة انتخاب الهيئة الإدارية الجديدة، حيث قمنا بزيارات لعدة دول أفريقية وشارك المجلس في مؤتمرات اغترابية واقتصادية عقدت في لبنان ودول عربية، مصر والأردن، وكذلك رعى المجلس القاري الأفريقي مؤتمر «اندحار الإرهاب في المنطقة وتأثيره على القارة الأفريقية» الذي عقدته المديرية العامة للأمن العام في أوتيل Four Seasons وشارك فيه 13 دولة أفريقية، بحضور وفود أجنبية وأمنية، انّ الإرهاب يشكل خطراً على كلّ المجتمعات التي يتفشى فيها، وكون الجاليات اللبنانية منتشرة في عدة أماكن في العالم وخاصة لها انتشار قديم، اقتصادي واجتماعي، في أفريقيا منذ حوالى 150 عاماً فإنّ الإرهاب يشكل خطراً مشتركاً على المواطن الأفريقي واللبناني سوية في القارة الأفريقية.
انّ نتائج المؤتمر الأول من نوعه في لبنان والمنطقة كانت محط إعجاب المشاركين والمراقبين، وكذلك التوصيات التي صدرت عن المؤتمر كانت أكثر من ممتازة.
وختم فواز قائلاً: بعد انتخابي رئيساً عالمياً للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم أودّ في هذه المناسبة أن أوجّه شكري العميق للأخوة الزملاء في المجلس القاري الأفريقي لتعاونهم الدائم وحسّهم العالي بالمسؤولية ودفعهم بالمجلس الى أعلى المستويات، ولكم احترامي وتقديري ولن أتوانى يوماً وعند اللزوم ان أكون إلى جانبكم.
هذا قليل من كثير قد لا يتسع الوقت والمجال للإعلان عنها وآخرها بالطبع انعقاد هذا المؤتمر النوعي والمهمّ جداً بالتعاون مع «هيئة تكريم العطاء المميّز» والذي نتمنى له ولكم النجاح والتوفيق لخدمة الوطن بمقيميه ومغتربيه.
وعلى ضوء الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها وطننا الجبيب لبنان نتيجة السياسات الاقتصادية المتعاقبة منذ سنوات عديدة. وهذه الأوضاع التي سبّبت انهياراً مالياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً طالت آثاره الطبقات الفقيرة وجعلتها تعيش في حالة توتر وخوف من المستقبل الغامض.
لهذا صمّمنا نحن المغتربون المنتشرون في كافة أصقاع العالم تخفيف القلق عن أمنها الغذائي. وأنا من خلال موقعي كرئيس عالمي للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم أعلن ومن على هذا المنبر إنشاء الصندوق الاغترابي لدعم صغار المزارعين، وكلنا أمل بأن يساهم ذلك في إعادة بعض الطمأنينة لشعبنا العظيم.
نور الدين
ثم كانت كلمة رئيس «هيئة تكريم العطاء المميّز» الدكتور كاظم نور الدين فرحّب في مستهلها بالحضور، وقال: في مؤتمرنا الثالث، تبزغ القامات الشامخة، والوجوه النيّرة، ورجال الفكر والأدب والعلم والتاريخ والجغرافيا… يفتخر بكم الوطن بشكلٍ عام، والجنوب اليوم بشكلٍ خاص، تعيشون مع وطننا الحبيب في كلّ الميادين التي تتعلق بالاغتراب، كاشفين من مدّخراته العلمية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والأدبية التي أغنت الوطن والمجتمع الانساني بنتاج المغتربين.
وقال: لعلّ هذا اللقاء الذي اعتدنا عليه في أوقات محدّدة، جاء هذا العام ليكون نشاطاً أظنّ أنكم آنستم به، لأنه يمثل إطلالة كاملة على المهجر، وحياة المغتربين وعلاقتهم بالمقيمين، ونشاطاتهم المتنوعة والتي طالت كلّ الميادين التاريخية والجغرافية والتنموية والتجارية والثقافية والأدبية والشعرية… فالمهجر دولةٌ خارج الدولة، وأمةٌ رديفة للأمة المقيمة، علماً أنّ ثراء المغتربين لا يعدّ في شتى الميادين، لقد أضاؤوا الوطن من البعيد، وأقاموا مجداً للبنان وراء البحار.
اضاف: إنّ هيئة تكريم العطاء المميّز آلت على نفسها أن تستمرّ في نشاطاتها التكريمية المميّزة، والتي انتقلت من تكريم البيئة الذي تمثل بمؤتمر البيئة والمجتمع في العام 2017، الى تكريم جبل عامل من خلال جمع جزءٍ من تراثه الذي يتطلب عدداً من المؤتمرات، وكمّاً من المجلدات، وقد تمثلّ ذلك بالمؤتمر الذي انعقد في هذه القاعة العام الماضي في شهر أيلول(2018)، وها نحن اليوم نكرّم المغترب اللبناني عموماً، ومغتربي جبل عامل خصوصاً، وأعلن من هذا المكان أنّ الاغتراب أيضاً يحتاج الى مؤتمرات عديدة للتمكّن من التعرّف على كافة خفاياه في كلّ الميادين، وأعدكم بأننا لن نكلّ بل سنتابع المسيرة التكريمية بدعمكم العلمي، المعرفي وأيضاً المادي لأنّ هكذا نشاطات تتطلب جهود الميسورين أصحاب الأيادي البيضاء، خاصة أنّ إنتاجنا المعرفي في هذا المؤتمر، كما نشاطتنا السابقة، يوزع مجاناً ليطال أكبر عيّنة مثقفة من فئات مجتمعنا اللبناني.
وقال: انّ هيئة تكريم العطاء المميّز، التي وعدت بمؤتمرات عاملية أخرى، وكانت قد حدّدت عنواناً لهذا المؤتمر الاغتراب العاملي. وفي يوم من الأيام تراءى أمامنا نور مبهج يشعّ، تبعناه فحط بنا في بلدة الغسانية في دارة رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، الحاج عباس فواز والذي كان رئيساً للمجلس القاري الأفريقي، وقد استقبلنا ببسمته المعهودة. وبعد أن عرضنا عليه الفكرة رحّب وقال: لما لا يكون هذا المؤتمر مؤتمراً للاغتراب اللبناني ونركّز في بعض محاوره على الاغتراب في جبل عامل. وانتهى بنا المطاف الى تبنّي رأيه الأكثر صوابية. وقد تكفل بتأمين كافة مطلبات هذا المؤتمر بما فيها السعي إلى إنجاحه، وها نحن نؤكد ذلك كوننا ركزنا على مجموعة كبيرة من الباحثين أصحاب الباع الطويل والخبرة في البحث العلمي، وهم يمثلون ينابيع معرفية متميّزة في كلّ الإختصاصات.
وشكر نور الدين رئيس الجامعة عباس فواز وأعلنه رئيساً فخرياً وحاضناً لـ «هيئة تكريم العطاء المميّز»، ونفخر بهذا الاحتضان.
وتابع نور الدين: أسمح لنفسي أن أتطرّق الى موضوع يفرضه الاغتراب ألا وهو علاقة الدولة اللبنانية بالمغتربين اللبنانيين والتي تتميّز بما يمكن أن تحصّله او يحصّله القيّمون على السياسة اللبنانية والمؤثرون فيها مادياً منهم (العلاقة هي علاقة استفادة)، أما الحماية فلم تلحظها حالات المصاعب التي تعترضهم، وحالات الخطف والقتل والنهب والسرقة، وإذا ما حصل ذلك فهو من باب حفظ ماء الوجه… وما حادثة رجل الأعمال الأستاذ حسن جابر ابن النبطية في الآونة الأخيرة إلا نموذج لتأطير هذه العلاقة. فالحمد لله الذي قيّض له عاملين اساسيين لإعادته سالماً الى ربوع الوطن: الأول أنه يحمل الجنسية الغابونية، والثاني متابعة رئيس المجلس القاري الأفريقي آنذاك الحاج عباس فواز للموضوع وبفعالية ومثابرة حيث وصل النهار بالليل من أجل ذلك، والأمثلة كثيرة… ومن هنا أعتبر انّ أهمّ ما نطالب به من هذا المؤتمر هو تنظيم هذه العلاقة، والمتابعة الجديّة لشؤون اللبنانيين، كلّ اللبنانيين في الخارج أينما حلوا والى أيّ طائفة انتموا، وكذلك تسهيل شؤون اللبنانيين للاستثمار في الوطن.
ثم قدّم نور الدين درعاً تقديرية لفواز.
بعد ذلك انطلقت أعمال المؤتمر ونظمت ندوات تناولت «تاريخ الاغتراب»، و»جغرافيا الاغتراب»، و»الاغتراب والتنمية».