إدلب وما بعدها.. بين التوازنات الإقليمية والدولية
} د. حسن مرهج
قلائل الذين يعرفون بأنّ معركة إدلب افتتحت بصواريخ كاليبر الروسية، التي أطلقتها البوارج الروسية من مياه المتوسط، الأمر الذي يحمل رسائل استراتيجية بالمقاييس كافة، حيث أنّ الضغط الذي تُمارسه قوى العدوان على سورية، بُغية منع تحرير إدلب، يدرك بأنّ روسيا قد وجهت رسائل صاروخية، ليس لمعاقل الإرهابيين فحسب، بل أنّ صوت تفجير هذه الصواريخ قد اصمّ آذان ترامب وأردوغان على السواء، خاصة أنّ واشنطن وأنقرة تسعيان إلى إحداث تغييرات ديمغرافية في شمال شرق سورية، إضافة إلى تنظيف صفحة جبهة النصرة الإرهابية، إيذاناً بدخولها إلى طاولة المفاوضات السياسية، التي ستُنتج الحلّ النهائي في سورية. لكن دمشق وحلفاءها وإنْ كانوا قد أفسحوا المجال للحلول السياسية، إلا أنّ وقائع الأمور وتطوراتها، تفترض تحركاً ثلاثياً يطوي ورقة إدلب، ويسحب أيّ تأثير سياسي لهذه الورقة من التداول، فـ روسيا أكدت مراراً على أنّ بؤرة الإرهاب في إدلب ينبغي أن تنتهي، وكذلك دمشق التي تركت باب المصالحات موارباً، إلا أنّ إصرار تركيا – أردوغان على المماطلة والتسويف، قد قرّب إعلان الساعة الصفر لتحرير إدلب.
بخطى متسارعة تقدّم الجيش السوري في محافظة إدلب، وبغطاء جوي سوري روسي، ما يعني عسكرياً بأنّ الدولة السورية تُطبّق اتفاق سوتشي بالحديد والنار، خصوصاً أنّ تركيا لم تلتزم حتى الآن بالاتفاق المبرم في مدينة سوتشي الروسية، الذي يشمل عدد من النقاط كان أهمّها تأمين طريق حلب – دمشق الدولي الذي يمرّ بمحاذاة عدد من المدن والبلدات السورية، منها خان شيخون ومعرة النعمان وخان العسل. فضلاً عن أن القذائف الصاروخية التي يطلقها الإرهابيون على المدنيين الأبرياء، لم تزل تنهمر على الأحياء الغربية من مدينة حلب، في خرق واضح للاتفاقيات المبرمة التي تُلزم الفصائل المسلحة بالابتعاد عن المناطق المحاذية لحلب، وسحب الأسلحة الثقيلة منها ضمن منطقة محددة تكون منزوعة السلاح.
الجولة الجديدة من معركة إدلب، تبدو أنّها تختلف عن سابقاتها، فالتوقيت السياسي يشي بأن استمرار كافة الأطراف الإقليمية والدولية تحاول الاستثمار في ملف إدلب، من أجل قطع الطرق على الدولة السورية لمنع التوصل إلى حل سياسي، وفي جانب آخر أكدته الكثير من المصادر الخاصة، بأنّ تركيا كانت تعدّ العدة لإطلاق هجوم كبير، بُغية استعادة المواقع التي حررها الجيش السوري في الفترة السابقة، لا سيما مدينة خان شيخون الإستراتيجية، كما أنّ تركيا وبحسب المصادر، ترغب في التأسيس لجناح اخواني في مستقبل سورية، خاصة أنّ الخواتيم السياسية والعسكرية، قد رُسمت بتوقيت دمشق، ما يعني بأنّ أردوغان سيفقد ورقته الرابحة في إدلب، من هنا كانت تركيا تحاول بعثرة أوراق الانتصار السوري، وإعادة الوقائع والمعطيات التي هندستها الدولة السورية إلى المربع الأول، لتأتي العملية العسكرية السورية مُعلنةً البدء بالقضاء على مشروع أردوغان الإرهابي في سورية.
أما في التوقيت العسكري، فمن الواضح أنّ انتشار الجيش السوري في شمال شرق سورية، بعد تفاهمات سورية كردية وروسية تركية، أعطى زخماً بإطار عسكري، لتُترجم المجنزرات السورية أقوى أبجديات السياسية. فالأرض سورية، وكذا السيادة سورية، وبالتالي فإنّ أيّ مراهنات إقليمية أو دولية، لا تعدو عن كونها تصريحات سياسية يُراد بها رفع سقف المطالب، خاصة أنّ الرئيس الأسد قد أعلن مراراً بأنّ تحرير إدلب سيتمّ إما سلماً أو حرباً، وهذا ما يُترجمه الجيش السوري واقعاً على الأرض.في النتيجة، يبدو واضحاً أنّ محاولات تركيا وأميركا لجهة رسم توازنات جديدة في شمال شرق سوريا، قد باءت بالفشل، فالتعويل على قدرة محور أعداء سورية، على اللعب بورقة إدلب، يبدو أنه بعيد عن الواقع، فالاستحقاقات السورية في ملفي إدلب وشرق الفرات، لا يُمكن المساومة عليهما، وبصرف النظر عن أيّ تفاهم سياسي، أو اتفاق روسي تركي حيال مشهد شمال شرق سوريا، فكل المعطيات تشي صراحة أن الدولة السورية وجيشها قد وضعوا النهايات السياسية، ولكن مع الإبقاء على الخيار العسكري ضدّ واشنطن وأنقرة وأدواتهما في سورية، موضع التنفيذ الدائم. وكما كان الجيش السوري عراب التفاهمات السياسية في عموم الجغرافية السورية، ستكون إدلب في عهدة الجيش السوري عبر تفاهم سياسي أو خيار عسكري بدأت بشائره.