الأزمة اليمنية ومعادلات القوى الإقليمية…
د. جمال زهران _
أوشك العام الخامس في عمر الأزمة اليمنية أن ينتهي، تحوّلت فيها اليمن إلى حطام ودمار بشري ومادي بلا حدود، الأمر الذي يطرح تساؤلاً من جديد هو: لماذا كانت هذه الحرب؟ ولماذا استمرّت طوال السنوات الخمس؟ وما هو مستقبل هذه الأزمة اليمنية بعد انقضاء هذه السنوات؟
فالأمر الذي لا شكّ فيه، أنّ ذلك العدوان غير المبرّر، الذي قامت به المملكة السعودية تحت مسمّى “عاصفة الحزم أو الحسم”، كان يستهدف جولة سريعة يتمّ فيها القضاء على قبيلة الحوثيين التي تجرأت ودخلت معادلات السياسة في اليمن، وتجرأت بمطالبة في اقتسام السلطة أو الانفراد بها، باعتبار أنّ ذلك على غير رغبة المملكة، التي انتهزت الفرصة للتدخل والثأر من اليمن الذي كان ينتهج سياسات مستقلة بل ومغايرة عما تنتجه هذه المملكة. وقد بدأت المملكة العدوان بعد أن عبّأت له بمشاركة دول إقليمية بالقوات والعتاد، مقابل الأموال التي تقدّمها المملكة لحكام هذه الدول أو للدول ذاتها حسب المقاسات والتقديرات. وفي هذا الصدد، نشير إلى فضيحة تلقي الرئيس السابق/ حسن البشير حاكم السودان، مبلغ 100 مليون دولار في حسابه الشخصي مقابل إرسال الجنود السودانيين والذين راح منهم ضحايا بالمئات في سبيل قتال غير محدّد الهدف والهوية ظاهرياً على الأقلّ. وهو الآن يحاكم على هذا الفعل الإجرامي، وجاري سحب تدريجي للقوات السودانية في ظلّ الحكم الجديد، وليد الثورة السودانية. كما أنّ السعودية ورّطت دولاً بالإعلان عن مشاركتها، دون أن تشارك فعلياً بقوات برية على وجه الخصوص ومنها مصر. كما أنّ باكستان شاركت في البداية ثم قرر البرلمان الباكستاني سحب القوات وإلغاء القرار بالمشاركة. كما أعلن أنّ أميركا وافقت على هذا العدوان، باعتباره عملية سريعة تستغرق أسابيع محدودة، لكنها وصلت إلى خمس سنوات (60 شهراً – 1800 يوم!) دون حسم أو حزم، وفقاً للدعايات السعودية!
ولكن الهدف الحقيقي هو مواجهة غير مباشرة مع إيران، المستهدفة أميركياً وصهيونياً، لتحقيق نصر سريع يخيف إيران، ويجعلها تخضع للشروط الأميركية والسعودية بالتبعية، في إطار توازنات الإقليم وفي ظلّ معادلات النظام الدولي الجديد بعد دخول روسيا ساحة التنافس والتناطح الدولي.
ولكن العدوان الذي استمرّ في حرب طويلة، لمدة خمس سنوات دون توقف، ترك آثاراً فادحة، من المستحيل معالجتها بسهولة أو القفز على ما تمّ من دمار شامل للبشر والحجر، دون مراعاة لأيّ نوع من أنواع الانسانية أو احترام حقوق الإنسان أو الشعوب في اختيار مصيرها والسعي نحو تحقيقه.
ففي إحصائية حديثة تضمّنها تقرير صادر عن التحالف اليمني لرصد انتهاك لحقوق الإنسان.. تحالف رصد، ورد ما يلي:
مقتل (استشهاد) 15 ألف مدني وإصابة 23 ألف آخرين في الحرب على اليمن. فقد بلغت حالات القتل في صفوف المدنيين في اليمن منذ 21 أيلول/ سبتمبر 2014 حتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر من العام الحالي 15.240 مدنياً، بينما بلغ عدد المصابين 22 ألفاً و916 مواطناً. فضلاً عن ذلك، ورد أيضاً ما يلي:
– 4,272 مدنياً مختطفاً، 6,352 طفلاً مجنّداً.
– مقتل (استشهاد) نحو 1,300 مدني بسبب زرع الألغام.
واعتبر التقرير أنّ ما حدث في اليمن، انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بصورة غير مسبوقة، تستدعي المطالبة الفورية بوقف هذا العدوان وتلك الاعتداءات التي وصلت إلى حجم الجرائم الإنسانية، بل والتحقيق الدولي فيها.
ولا شك في أنّ هذه هي الخسائر البشرية، بينما الخسائر المادية في المباني الحكومية والأهلية، هي بلا حدود، وليس هناك تقرير بحصرها وصل إلى يدي. ولكن المؤكد أنّ حجم الدمار بلا حدود، كما أنّ انتشار الأوبئة في صفوف الشعب اليمني مثل الكوليرا وغيرها، كان واسعاً للغاية، ويشمل عموم اليمن.
ووفقاً لتقارير مراكز الأبحاث العالمية في بريطانيا، والسويد، وأميركا، فانّ حجم المنفق يومياً على العدوان السعودي على اليمن، بلغ 200 مليون دولار يومياً، أيّ مليار دولار كلّ خمسة أيام! وفي الإجمال فقد بلغ ما أنفقته السعودية على هذه الحرب طوال السنوات الخمس، 400 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم للغاية! وفي تقديرات لميزانية المملكة السعودية، فقد كانت هذه الحرب هي المعول الذي حطم الاقتصادي السعودي. وإذا أضفنا ما أخذه ترامب من ملك السعودية نقداً، والذي بلغ نحو 550 مليار دولار، لبلغ ما أضاعته المملكة على نزوات محمد بن سلمان ومغامراته الإقليمية، نحو تريليون دولار، وهو الباب الرئيسي لدمار الاقتصاد السعودي، بل ودمار المملكة مستقبلاً. فهي حرب بلا طائل، وهو إنفاق وصل إلى حدّ الدمار بلا سقف لمملكة كانت تتغنى بالغني والثروة، والمكانة.
وإجمالاً: فإنّ العدوان السعودي المدعوم أميركياً وأوروبياً وصهيونياً وبعض الدول الإقليمية، أحدث دماراً على كافة المستويات، ولكنه لم يغيّر أية معادلات على الإطلاق في موازين القوى الإقليمية. فالحوثيون لا يزالون مستمرين وازدادوا قوة وشراسة، وإيران كما هي وتزداد قوة، بينما يتراجع وينحسر الحضور الأميركي من المنطقة، ويتقلص نفوذ الولايات المتحدة في ظلّ معادلات القوة في الإقليم. ولا ننسى أنّ نجاح الحوثيين في ضرب أرامكو، غيّر من معادلات القوة إقليمياً وعالمياً. منذ تلك اللحظة منذ شهور عدة، وأوضاع جديدة قد تأكدت، وأوضاع تغيّرت وفي سبيلها إلى مشاهد إقليمية جديدة.
انّ مسارات الأزمة اليمنية في طريقها للانفراج في ظلّ معادلات القوة في الإقليم، لما يشهده الإقليم من استقطاب حول محورين: إما المقاومة أو الاستسلام، والنصر لمحور المقاومة، واليمن يقع في القلب.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية وأمين عام مساعد التجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومة ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.