إيران تركيا وروسيا في مواجهة اغتيال قاسم سليماني
} د. هدى رزق
لم يكن سيناريو اغتيال القائد العسكري قاسم سليماني الأكثر نفوذاً في إيران متوقعاً كان يُعتقد أنّ الأزمة بين أميركا وإيران هي تحت السيطرة في أعقاب انسحاب واشنطن من الصفقة النووية.
لم يكن هذا النمط معتاداً لدى المسؤولين الإيرانيين لكن مع بدء التصعيد في شهر مايو/ أيار ومع إسقاط طائرة أميركية بدون طيار في حزيران/ يونيو بالقرب من مضيق هرمز بنيران إيرانية وهجوم أيلول/ سبتمبر على أكبر مصفاة نفط في المملكة العربية السعودية قيل حينها إنها فعل مجموعة الحوثي اليمنية. تعهّدت واشنطن بفرض مزيد من العقوبات وأكدت أنها لا تسعى إلى شنّ حرب في المنطقة، لكنها في ما بعد ردّت على الهجوم على القاعدة الجوية الأميركية في كركوك والذي أسفر عن مقتل مقاول أميركي بقتل 25 من أعضاء وحدات التعبئة الشعبية المدعومة من إيران في ضربة واحدة.
أتى اغتيال قائد الحرس الثوري الإسلامي التي تعتبرها طهران رمزها الثوري ونائب الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في أعقاب حصار جزء من أراضي السفارة الأميركية في بغداد ادّعت اشنطن انّ هذه الضربة هدفت إلى ردع خطط الهجوم الإيراني المستقبلية وبناء على هذا الادّعاء، حاولت المؤسسات السياسية الأميركية الإيحاء بأنّ هذا القتل غير مستمدّ من سياسة الدولة لكن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي دحض هذه الفكرة عندما أعلن انّ استراتيجية قوة القدس المقبلة ستكون مماثلة لتلك التي كانت في عهد الشهيد الجنرال سليماني. يعتبر ما جرى بمثابة اعتداء على كبرياء أمة اعتبرت انها حققت الفوز في المنطقة. لكن طهران اليوم تواجه أكبر خسائرها. كان سليماني قائداً ميدانياً كذلك خبير في العلاقات العامة في إيران وخارجها، ولديه علاقات مع كلّ سياسيّي إيران إلى جانب علاقته المميّزة مع المرشد وكلّ المعسكرات المعتدلة والمحافظة والإصلاحية.
أما خارج إيران فلقد انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في موقف لافت ضدّ هذه العملية، معتبراً أنها أدّت إلى تفاقم التوترات الإقليمية وأنّ العملية جاءت “كصدمة”. خلال مقابلة أراها يوم الأحد، ولم يترك أيّ شك في أنه لا يريد أن تتورّط بلاده في نزاع بين الولايات المتحدة وإيران وكان قد قال إنه قد نصح ترامب بعدم تصعيد التوترات مع إيران في محادثة هاتفية جرت قبل حوالى خمس ساعات من استهداف سليماني والمهندس بالقرب من مطار بغداد مع أبو مهدي المهندس، وانّ ترامب لم يشر إلى خططه لاغتيال سليماني أثناء المكالمة. قال: “لقد صدمت».. أردوغان كان قد أشار إلى سليماني باعتباره شهيداً عندما قدم تعازيه إلى روحاني.
تركيا العدالة والتنمية تعتقد انّ هذا الهجوم هو بداية لمرحلة من العنف الأكبر. وهي في موقف دقيق… إذ انّ أنجرليك هي قاعدة تركية تستخدمها الولايات المتحدة وحلف الناتو للقيام بمهام في العراق وسورية وأفغانستان أما قاعدة كوريسيك فهي عبارة عن تركيب رادار يساعد على مراقبة إيران.
هذا الهجوم أقلق أنقرة، لأنه يشكل سابقة خطيرة كان سليماني عدواً لكن أعجب به كبار المراتب في الحكومة التركية يشير موقف أردوغان والبيانات المحايدة الصادرة عن المؤسسات الرئاسية إلى أنّ أنقرة تدرك كيف ارتفعت مستويات المخاطر في المنطقة وانه لا يمكنها بعد اليوم لعب دوراً بين إيران وأميركا فهي ليست ذات وزن بالنسبة لأميركا للعب دور صانع السلام، البلدان هما جزء من عملية أستانا التي تقودها روسيا لإبقاء سورية على وحدة أراضيها… ربما الموقف الذي لم تستطع أنقرة ضبطه هو موقف ظهر في إعلان الجيش الوطني السوري بشأن الهجوم الأميركي، وهنّأ الدول العربية والإسلامية على قتل “الإرهابيين والقتلة”. في الإشارة الى سليماني والمهندس.
أما في موسكو فلقد أثارت الأخبار دهشة صانعي السياسة والدبلوماسيين، حيث تقاتل روسيا منذ أكثر من أربع سنوات في سورية إلى جانب إيران وحكومة الرئيس السوري بشار الأسد بالتنسيق مع سليماني. لكن قلقها هو حول مسألتين الأولى حول الردّ المباشر الذي ستقوم به إيران وتهديدها واشنطن بسحب جنودها من منطقة غرب آسيا والثانية إذ ما كانت طهران قادرة على إيجاد بديل مناسب له والذي سيقود الآن عشرات من الجماعات المسالحة العاملة في سورية.
لكلّ دولة حليفة او عدوّة لإيران حساباتها. تركيا وروسيا معنيتان مباشرة بالعلاقة مع إيران في سورية وفي المنطقة ولا يمكن القول انّ مقتل سليماني سوف ينهي مشاكل الولايات المتحدة في المنطقة بل يمكن ان تكون القوات الأميركية المتواجدة في شرق سورية تحت نيران المقاومة الإسلامية. إيران اليوم عادت لتتصدّر المشهد في العراق وسورية في نضالها لإخراج الأميركيين من المنطقة بدءاً بالعراق ومروراً بسورية وربما في أفغانستان وهذا له أثمان سياسية بالنسبة لتركيا وربما لروسيا التي تعي ماهية علاقة الرئيس الأسد مع سليماني فقائد فيلق القدس قاد محادثات مع الروس حول طبيعة العلاقة التي تنسجها مع الدول العربية وأهمية ان تكون هذه العلاقة لمصلحة سورية وإيران أيضاً وليس فقط لمصلحة روسيا كقوة دولية.