موافقة أميركية على إمارة «النصرة» الحدودية والحماية «إسرائيلية»
كتب المحرر السياسي:
كشفت مصادر واسعة الإطلاع لـ«البناء»، على صلة بمتابعة تداعيات وأبعاد الغارات «الإسرائيلية» في سورية، عن معطيات توافرت لديها تسمح بالقول إنّ الشهور الفاصلة حتى الربيع ستكون حاسمة، في رسم موازين القوى التي ستبنى عليها التسويات التي ستحكم معادلات المنطقة، وعبرها بنسبة كبيرة جزءاً هاماً من التوازنات التي ستحكم العالم، سنوات طويلة وربما عقوداً مقبلة.
تجزم المصادر بتأكيد الاختلاف بين الغارات الأخيرة وكلّ التي سبقتها، فعلى رغم التشابه في العنوان، وهو منع وصول أسلحة كاسرة للتوازن من سورية إلى حزب الله، والتشابه في الظرف العسكري للمجموعات المسلحة المناوئة للدولة السورية، وحجم الضغط الذي تتعرّض له ويعرّضها لمخاطر خسائر نوعية، إلا أنها تختلف في الوظيفة والموضوع والإطار والمستقبل.
تقول المصادر، إنه ليس مهماً التوقف عند مسألة نقل السلاح واستهدافه ومدى صحتها، فالإسرائيليون يسلمون عبر تجديد الغارات أنهم على رغم وظيفة الغارات التي سبقتها كتهديد لوقف هذا النوع من الشحنات، فالغارات لم تردع سورية ولا حزب الله عن هذا النوع من التحدي، الذي يترتب في حصيلته، سواء دمّرت «إسرائيل» شحنة أو أكثر، نجاح المقاومة في مراكمة ما وصفه قائدها، واعترفت بصحته «إسرائيل»، بأنه تطور كمي ونوعي لسلاح الردع لديها، فتصير قصة شحنة السلاح تفصيلية، كمجرّد مبرّر في حال صحتها، لمخاطبة تأييد دولي تحتاجه «إسرائيل» وتعتبر أن هذا العنوان يسمح بحصولها عليه.
تضيف المصادر: كذلك لا ضرورة للتوقف طويلاً عند الوظيفة الرسالة للغارات قبيل سقوط مواقع هامة من أيدي المجموعات المسلحة، وقد اختبرت «إسرائيل» هذه الوظيفة للغارات مراراً وفي ظروف أشدّ قسوة كانت تمرّ بها سورية، وخصوصاً قبيل معركتي القصيْر ويبرود، وكانت النتيجة التي تعرفها «إسرائيل» جيداً ويعرفها العالم كله، المزيد من الإصرار على مواصلة الحسم، والحاصل معلوم وهو سقوط القصيْر ويبرود بيد الجيش السوري ومقاتلي حزب الله في هجمات ممتدّة لأيام، لم يأبها خلالها لخطر الإسناد «الإسرائيلي» أو التهديد «الإسرائيلي» بخطر الذهاب إلى الحرب كما كانت وظيفة الغارات.
تقول المصادر: الوظيفتان التقليديتان، ليستا إلا العنوان، أما الجديد فهو التوقيت السياسي للمنطقة، على أبواب تفاهم حول عناصر الحلّ في أوكرانيا مع الإعلان لأول مرة عن وقف لإطلاق النار يبدو شديد الجدية، مع ما بات ثابتاً من اقتراب الأميركيين والإيرانيين من التوصل إلى تفاهم وصف بالتاريخي، وضرورة تأمين بوليصة تأمين جغرافية سياسية لـ«إسرائيل» قبل ترتيبات المنطقة وخريطتها في ضوء كلّ المتغيّرات، والجديد هو الحاجة «الإسرائيلية» لاكتشاف وصفة ثالثة للخروج من الحلقة المفرغة القاتلة التي تعيشها في ثنائية العجز عن الحرب والعجز عن السلام، والتي أوصلتها إلى التشظي السياسي والعجز عن إنتاج مركز قيادي سيبقى فراغه سبباً للضعف واستطراداً لنمو التطرف، وتلاشي سيطرة الحكومة، وحضور شارع المستوطنين بديلاً للجيش والشرطة تدريجاً، ما يعني فوضى سلاح ستترجم حرباً بين السكان العرب الأصليين وقطعان المستوطنين تشكل بداية النهاية لـ«إسرائيل»، وفي قلب هذا المأزق البحث المعلن لـ«إسرائيل» عن كيفية رسم استراتيجية جديدة للتعامل مع المقاومة ما بعد عملية مزارع شبعا، التي قال «الإسرائيليون» إنها مبنية على مبالغة في تقدير القوة لدى المقاومة حول قدرة الردع لديها، والعامل الأهمّ هنا هو الكنز الذهبي الذي وقع بيد «الإسرائيليين»، وهم بانتظاره منذ أكثر من نصف قرن ولا يجوز التفريط به مهما كانت النتيجة، لأنّ الفرص التاريخية لن تتكرّر، والمقصود العلاقة المميّزة لـ«إسرائيل» بتنظيمين إسلاميين فاعلين هما تنظيم «الإخوان المسلمين» و«جبهة النصرة»، ومن ورائهما تركيا وقطر، جنوب المنطقة وشمالها، وتمويل قطري وازن من جهة ووزن سياسي إقليمي تركي يحمي من جهة مقابلة، فمع الإخوان الفاعلين في مصر على رغم نية العلاقة الطيبة لـ«إسرائيل» بالنظام الجديد، هم ضمانة دينية سياسية شعبية، وهم بين غزة والضفة والأراضي المحتلة عام 1948 والأردن شريك كامل في دولة «ثنائية القومية الدينية يهودية إسلامية»، تعفي من الانسحاب إلى حدود العام 1967، وتمتلك «الشرعية الدينية» من طرفيها اليهودي والإسلامي، و«جبهة النصرة» خط انتشار عسكري من حدود لبنان وسورية شمالاً في عرسال حتى الجنوب في شبعا وصولاً إلى محيط دمشق والحدود اللبنانية الفلسطينية السورية في القنيطرة، وانتهاء بالحدود الأردنية السورية عند الرمثا.
كل هذه المعطيات كانت محور الاتصالات «الإسرائيلية» – الأميركية بحثاً عن استراتيجية جديدة للحرب والسلام من جهة، والتركية – الأميركية بحثاً عن بديل للمنطقة العازلة والشريط الآمن على الحدود التركية السورية بهدف مواصلة الضغط على سورية من جهة أخرى، والحصيلة تتقاطع مع رغبة أميركية بمنع توظيف أي انهيار متوقع ضمن الشهور المقبلة في وضع «داعش» لتصبّ في تسريع انتصار سورية وجيشها ودولتها، هنا يصير البديل «الإسرائيلي» الوظيفي الجديد حاضراً، رعاية إمارة لـ«جبهة النصرة» جنوباً على مسار الحدود من الرمثا حتى عرسال، وتقديم الإسناد الناري لمنع سقوطها، لتكون حزاماً نارياً حول العاصمة السورية يمنع إعلان نصر سورية، وتكون الإضافة المطلوبة لحرب استنزاف للمقاومة، وتكون «إسرائيل» قادرة على استبدال العجز عن الحرب والسلام مستعدة لحرب استنزاف على القشرة الحدودية، استعداداً لتقديم مشروعها الجديد لدولة الثنائية القومية الدينية التي تضم الأردن، عندما يبدو أنّ الكيان الأردني دخل مرحة التفكك والانحلال، وبدا الإسلاميون التابعون للإخوان الجهة الوحيدة القادرة على الإمساك بدفة الحكم فيه بتفاهم ضمني مع «إسرائيل».
إذا صحت معطيات المصادر الواسعة الإطلاع يكون لبنان وسورية أمام حرب استنزاف لأشهر، ستكون «إسرائيل» الطرف الحاضر فيها علناً بالتشارك مع «جبهة النصرة»، بعد رفع مستوى التنسيق بينهما إلى أعلى المراتب، وهو ما كشف عنه الكمين الأخير الذي استهدف الجيش اللبناني في جرود رأس بعلبك ودور طيران الاستطلاع «الإسرائيلي» فيه، وهذا ما يفسّر إقدام «جبهة النصرة» على إعدام العسكري علي البزال، وهي تعلم أنّ التفاوض سيزداد تعقيداً، لأنها تدرك أنّ التفاوض على سقف تبادل موقوفين بالمخطوفين لن يحلّ مشكلة المصير المجهول لقوتها الضاربة مع الثلوج في الجرود، التي تستدعي تسليماً بشرعنة وجودها في الداخل اللبناني بتغيير قواعد التفاوض، والوقت الداهم لا يسمح بهذا الترف إلا إذا كان تحت الطاولة تغيير بحجم التدخل «الإسرائيلي» المباشر.
تختم المصادر بالقول إنّ ما لم يحسبه أصحاب هذه الحسابات، أنّ الحسابات التي ستحضر على المشهد من التحالف المساند للمقاومة ستنجح في تغيير قواعد الحرب بالمفاجآت.
في قلب هذه التحوّلات الكبرى تصبح اللغة الحاضرة هي لغة القوة والجيوش، ويصير لبنان معنياً بالتأكيد بالاستعداد لجولات مواجهة مقبلة.
تقدمت لغة الحرب على جهود المفاوضات في قضية العسكريين المخطوفين بعد سحب قطر وساطتها، ودخول «هيئة علماء المسلمين» مجدداً على الخط لكن من خلال ابتزاز الحكومة.
فقد برز على جبهة عرسال تصعيد لافت يحمل دلالات عسكرية مهمة، وتمثل بمواصلة الجيش اللبناني قصف المنطقة إلى جانب تشديد إجراءاته الأمنية مانعاً الصعود والنزول في اتجاه مواقع المسلحين في الجرد وإقفال طريقي وادي عطا والحصن بالسواتر الترابية لتضييق الخناق على المسلحين ومنع تواصلهم مع مخيمات اللاجئين في عرسال أو إدخال الإمدادات إليهم أو الاستفادة من قاعدتهم في البلدة.
وإذ أشارت مصادر أمنية لـ«البناء» «أن هذه الإجراءات لا ترتقي إلى قطع كلي للإمدادات على المسلحين، لاعتبارات جغرافية»، تتعلق بموقع عرسال التي يدعي بعض من أهلها أن لديهم مصالح في الجرود»، أكدت في المقابل»أن تدابير الجيش ستضيق من دون شك على المسلحين من دون أن تحدث اختناقاُ كلياً».
وأشارت المصادر إلى أن المسلحين قد يقدمون على رد فعل ميداني بمهاجمة الجيش مجدداً، أو السعي إلى إيجاد وسيط مقبول يمكن أن يجد حلاً لملف العسكريين، أو تفجير الوضع على كامل الجبهة لاختبار القوة، وبالتالي إما إحداث خرق إذا استمرت الظروف كما هي اليوم، وإما الانسحاب باتجاه القلمون».
«هيئة العلماء»: المقايضة أولاً
وأمس التقت هيئة علماء المسلمين مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وعرضت معه ملف العسكريين المخطوفين وأطلعته على مبادرتها التي اشترطت للمضي بها : أ- تكليف رسمي من الحكومة اللبنانية للهيئة. ب- القبول بمبدأ المقايضة.
وأكد رئيس الهيئة الشيخ سالم الرافعي لـ»البناء» أن وفداً من الهيئة سيلتقي رئيس الحكومة تمام سلام بعد عودته من فرنسا لإطلاعه على المبادرة والشروط ، واعتبر أن «لا حل لملف العسكريين المخطوفين إلا بقبول الحكومة بمبدأ المقايضة»، مشيراً إلى «أن الهيئة لن تبدأ بالتفاوض في الملف إلا بعد حصولها على تفويض رسمي من الحكومة التي عليها أن تبدي جدية في قبول مبدأ المقايضة».
وتمنى أن «لا تطول هذه الأزمة لما لها من تداعيات خطيرة على البلد»، لافتاً إلى «أننا نؤكد وندعو إلى إطلاق سراح النساء والأطفال من السجون، وأن يوقف المسلحون في المقابل تهديداتهم بقتل العسكريين».
لا مقايضة لا مفاوضات
وأكد الشيخ مصطفى الحجيري أبو طاقية لـ»البناء» «أننا وصلنا إلى مرحلة دقيقة وحساسة، وأن على الحكومة الاختيار بين المقايضة أو الحل العسكري، الذي نتائجه ستكون خطيرة على لبنان»، و بعدما سأل: «هل نحن مستعدون للحرب؟»، قال الحجيري: «علينا أن نتجنب الحل العسكري»، مراهناً على حد قوله، على العقلاء في الدولة اللبنانية بعد الذهاب إلى الخيار العسكري» في إشارة إلى تيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط.
واقترح أبو طاقية إلغاء كلمة المفاوضات واستبدالها بالمقايضة، لافتاً إلى «أن عدم الموافقة على المقايضة يعني لا مفاوضات»، مضيفاً: «الموفد القطري فُشّل، وهناك طرف في لبنان لا يريد لهذا الملف أن ينتهي»، معتبراً أن تنسيق الوزير وائل أبو فاعور معي، لا يتعارض مع جهود المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم».
مبادرة فرنسية للرئاسة بالتفاهم مع إيران
على خط آخر، جال مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المبعوث الخاص لوزير الخارجية الفرنسي جان فرنسوا جيرو على القيادات السياسية. وعلمت «البناء» من مصادر مطلعة «أن الموفد الفرنسي حمل معه مبادرة فرنسية بالتفاهم مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقوم على انتخاب رئيس جمهورية توافقي».
وأشارت المصادر إلى اهتمام فرنسي جدي بالحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، وأن هناك نوعاً من المرونة في الأجواء الإقليمية والدولية يشبه إلى حد كبير الفترة التي سبقت تشكيل الحكومة».
وفي السياق اعتبر جيرو أن «رئاسة الجمهورية هي شأن داخلي لبناني، وأن فرنسا ستقوم بكلّ ما بوسعها لتسهيل حصول هذا الاستحقاق من دون التدخل في الشؤون الداخلية للبنان»، معلناً أن فرنسا لا تضع «فيتو» على أحد». وأكد جيرو أن تسليح الجيش اللبناني يجري على قدم وساق ولم تبقَ إلا بعض الخطوات العملية.
وفيما تعقد اللجنة المكلفة دراسة قانون الانتخاب اجتماعاً غداً برئاسة النائب روبير غانم، أكدت مصادر نيابية لـ«البناء» أن المسائل معقدة، والمواقف داخل اللجنة لا تزال متباعدة، لا سيما بين الكتل السياسية المسيحية الكتائب، القوات والتيار الوطني الحر ». وإذ أشارت إلى «أن القوى المسيحية هي التي أجهضت في الاجتماعات السابقة الاتفاق على قانون للانتخاب، مع تراجع حزب القوات عن تبني مشروع اللقاء الأرثوذكسي، أكدت المصادر «أننا أمام خلاف مسيحي جديد قد يعيق الوصول إلى قانون انتخاب جديد». وشددت المصادر على «أن الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، لن يأخذ مكان اللجنة الانتخابية، بل سيؤدي دوراً يؤازر عملها».
من جهته، أكد حزب الكتائب بعد اجتماع مكتبه السياسي أمس، «أن أي قانون يعترف بخصوصية فريق هنا، ويتجاهل خصوصيات المكونات الأخرى هناك، يبقى غير جدير باعتماده قانوناً بديلاً يعول عليه ديموقراطياً».