العدوان الأخير على أطراف دمشق… و»استراتيجية الردّ» المركبة!
خالد العبّود
أمين سرّ مجلس الشعب السوري
في العدوان الصهيوني الأخير على أطراف مدينة دمشق يبدو أنّ هناك مشهداً مهماً تحتاجه طبيعة المعركة ذاتها، كي يتأكد لنا جميعاً، ولآخرين كثيرين قد لا يبدو أنهم الآن ضمن حساباتنا، أن ما يحصل ما زال يدور في الحلقة الأولى لأسباب العدوان الكبير على سورية منذ مطلع عام 2011، وأنّ شيئاً لم يتبدّل، خصوصاً أنّ تلك الأهداف كانت واضحة جليّة، على رغم أنّ بعضاً آخر أراد لها أن تكون في مكان آخر مختلف تماماً…
ربما الواقع الموضوعي لوجود حزب الله والقوة التي توفرها له قوى إقليمية من دعم مادي كبير وغطاء سياسي أكبر، يجعلانه قوّة فاعلة كبيرة ويعطيانه ميزة القدرة على التأثير في خرائط أمنية وسياسية على مستوى المنطقة، لهذا يبدو أنّه سوف يبقى في دائرة الاستهداف المركزي، وهو سوف يتحوّل بفضل العمل المستمر على حشد الطاقات واستثمار علاقات الحلفاء إلى مكون إقليمي رئيسي يسهم في رسم خرائط سياسية مهمة على مستوى المنطقة، بعيداً من موقعه على مستوى الداخل اللبناني، والتأثير الذي يحجزه كقوة داخلية لبنانية.
نقول هذا الكلام ونحن ندرك أنّ كيان الاحتلال خلال عدوانه الأخير سيخرج علينا كي يقول إنّه قصف أهدافاً داخل الأراضي السورية هي عبارة عن صواريخ محمولة لحزب الله، وهذا مهم جداً في المشهد العام يجب البناء عليه، لماذا؟ لأننا نعتقد أن كيان الاحتلال يريد القول بأنّه لم يقصف أهدافاً سورية، وهو يقول بشكل أو بآخر أنّه غير قادر على قصف الأهداف ذاتها داخل الأراضي اللبنانية، باعتبار أنّ هناك مئات القواعد الصاروخية لحزب الله منتشرة داخل الأراضي اللبنانية، لا سيما أنّه كان يحاول التجريب في العدوان على هذه القواعد، فكان ردّ حزب الله حائلا دون استمرار هذا السيناريو، وهو سيناريو لا يمكن أن يستمر كون كيان الاحتلال غير قادر على التعامل معه وغير قادر على أن يدخل مناكفة ثنائية ربما كان يريدها حزب الله لإيصال رسائل مهمة في ظل عدم تكافؤ بنيوي لنتائح هذه المناكفة، بمعنى آخر إنّ سيناريو «الاستهداف» الذي يقوم على هدف مقابل هدف لا يمكن أن يمرّ في هذه الحالة، وهي ليست لمصلحة كيان الاحتلال.
من جهة أخرى، نرى أنّ كيان الاحتلال يريد القول أيضاً، بأنّه لم يستهدف أهدافاً سورية، وهو أمر مهم جداً، ومؤشر كبير على أنّ هذا الكيان لا يريد أن يدخل مواجهة على أهداف عسكرية سورية، وهو لو كان قادراً على ذلك لفعلها، لكنّه يدرك إلى حدّ بعيد أيضاً أنّه غير قادر على الدخول بهذا السيناريو القائم على فعل وردّ فعل، لأننا نعتقد أن لديه قناعة تقول بأن استراتيجية الاستهداف القائمة على النيل من أهداف عسكرية سورية لن تمرّ من دون قاعدة مختلفة للرد والتعامل، وبالتالي لن يسلم من قصف أهداف لقواعد عسكرية داخل كيان الاحتلال.
هنا تبدو واضحة خطوط الحركة لكيان الاحتلال، والقدرة عليها، وتبدو واضحة أكثر خريطة القوة وتوزيعها الناظمة لمراكز القوى على مستوى المنطقة، وتبدو المناطق الآمنة والمواقع الآمنة والأهداف والمفاتيح الآمنة لحركة كيان الاحتلال في جسد تحالف قوى المقاومة، فهو يريد القول، بأنّه غير قادر على استهداف أهداف عسكرية لحزب الله داخل الأراضي اللبنانية، وغير قادر على استهداف أهداف عسكرية للقوات السورية داخل أراضيها، وغير قادر على استهداف أهداف عسكرية للقوات الإيرانية داخل أراضيها، فكيان الاحتلال يعتبر نفسه أنّه في اتفاقات ضمنية حول هذه المسائل الثلاث، هذه الاتفاقات إمّا قائمة على حسابات مصلحية له، أو قائمة على حسابات إقليمية ودولية مرهونة بطبيعة الصراع الأكبر، وبالتالي فإن هذه الحلقة المتاحة له سوف يبقى يعمل عليها في العدوان الكبير على الوطن السوري، وهو سوف يعمل على إحداث فجوة أكبر على هذا الصعيد، بمعنى أنّه يحتاج إلى تطوير وتوسيع دائرة الاستهداف في الحلقة التي يراها ضعيفة، يعني بها صواريخ حزب الله المحمولة في الأراضي السورية!
لكنّنا ندرك أيضاً أن مثل هذه الاستهدافات لا يمكن أن تبنى عليها نتائج استراتيجية، على العكس تماماً فهي قد تعطي الأطراف الأخرى مشروعية لجهة التحالف الذي عملت عليه، ولجهة الأهداف الجامعة لهذا التحالف، وهي التي سوف تنمّي عناوين الدفاع عن الذات والتفكير مليّاً في البحث عن آلية جامعة للتعامل مع هذا السيناريو الجديد…
نعتقد أنّنا مدعوون لوضع استراتيجية ردّ يجب ألا تكون في سياق التكتيك، وهو المعنى الذي اشتغل عليه كيان الاحتلال كي يحوّله إلى عنوان طبيعي مشروع، يدفع به لاستثمار متعدد الرؤوس، نازعا باتجاه صرفه أخيراً على مستويات عدّة، باعتبار أنّه بحاجة ماسة له، كونه العنوان الوحيد المتبقي لاستعرض عناصر القوة لديه، أو استعمالها، حيث يتمّ إبطال مفاعيل استعمال القوة لديه في أكثر من رأس وعنوان، من غزة إلى «جنوب لبنان» إلى إمكان التفكير بأيّ عمل في الداخل الإيراني وصولاً إلى التكفير بأن عمل مباشر على أهداف سورية، كلها هذه لم تعد قائمة، وبالتالي فإن إغلاق هذه الدائرة يحتاج إلى قدرة جديدة وطاقة جديدة تحتاجها قوى تحالف المقاومة!!
مثلما كان العدوان الأخير على سورية جامعاً لإيجاد «استراتيجية الجسد الواحد» بالنسبة للقوات المسلحة السورية وقوّة حزب الله، فإن العدوان على أطراف دمشق الأخير لا بدّ أن يكون محرضاً لإيجاد «استراتيجية ردّ مركبّة» جديدة، تتعامل مع العنوان بمعزل عن الجغرافيا وطبيعة الاستهداف!