نقاط على الحروف

إيران في المواجهة: الأسد وبوتين على ضفاف الحصاد الإيجابي

ناصر قنديل

منذ ترجم التحالف الروسي السوري الإيراني في تموضع القوات الروسية في سورية عام 2015 وانطلاق مسار دعم خطة الجيش السوري لتحرير الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية، انطلاقاً من حلب وصولاً إلى البادية ودير الزور والغوطة ودرعا وانتهاءً بإدلب. ويبدو لكل مَن يتابع ما هو أبعد من ظواهر الأمور أن التنسيق الروسي السوري الإيراني قائم في كل خطوة. فالتصعيد الإيراني بوجه الوجود الأميركي في المنطقة كردّ على اغتيال القائدين قاسم سليماني وأبومهدي المهندس، واعتبار العراق ساحة المواجهة الأهم سياسياً وعسكرياً، رافقته حركة روسية واضحة على المسارين السوري والليبي لحسم ضمّ تركيا إلى تحالف كامل مع روسيا، تتأسس على مشاريع نقل الغاز إلى أوروبا وما يعنيه اقتصادياً لتركيا في ظل الصراع المفتوح مع رعاية واشنطن للأنبوب الإسرائيلي، وانضمام اليونان وقبرص إليه، والنزاع على موقع مصر بين المشروعين، في ظل صراع لبناني إسرائيلي على ترسيم حدود حقول الغاز، وصراع سوري إسرائيلي على كل شيء، وتموضع إيطالي مع تركيا وروسيا. فجاء الإعلان عن وقف إطلاق النار في ليبيا، حيث يتقاسم الروس والأتراك العلاقات بطرفي النزاع، وفي سورية حيث على أنقرة أن تدفع فاتورة دورها في ليبيا بالاستعداد للخروج من سورية.

الانسحاب الأميركي من العراق بات حقيقة قادمة وفقاً للقراءة الروسية التركية. وهذا يعني الانسحاب الموازي من سورية حكماً، سواء استدعى ذلك من قوى المقاومة تصعيد العمليات أم لم يستدعِ، ولذلك فإن التفاهم على التسليم بمركزية دور الدولة السورية، وسيطرتها على كامل التراب الوطني السوري لم يعُد موضوعاً يحتمل المناورة والتأجيل، وعلى خلفية هذا الإقرار التركي نضجت الظروف لأول لقاء رسمي عالي المستوى علناً بين الدولتين السورية والتركية، برعاية روسية تمثل بلقاء رئيس مجلس الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك بالجنرال حقان فيدان رئيس المخابرات التركية، والمحور هو مستقبل إدلب، وترجمة المطالبة السورية بانسحاب تركي من كامل التراب السوري، ضمن جدول زمني يتم تنسيقه بين دمشق وأنقرة وموسكو، وبسط سلطة الدولة السورية وحدها على أراضيها بما يبدّد كل المخاوف من قيام كانتونات تحمل ألواناً عرقية وقومية، وتمثل مصدراً للقلق السوري والتركي كحال مشروع انفصالي كردي.

على الضفة الإسرائيلية التي تمثل الوجه الأهم للهموم الأميركية، لم يكن القبول بطلب الرئيس السوري بالإفراج غير المشروط عن عميد الأسرى صدقي المقت وعودته إلى مسقط رأسه في الجولان المحتل، بضغوط روسية واضحة، إلا استشعاراً من كيان الاحتلال وقادته بأن ملف الجولان سيفتح قريباً بعد رحيل القوات التركية والأميركية، وأن قرارات الضمّ التي كسرتها عودة المقت إلى الجولان، باتت مجرد حبر على ورق، وأن زمن الاختيار الإسرائيلي بين فتح ملف الجولان سياسياً مع موسكو وبين مواجهة خطر مقاومة يمكن أن تتحوّل حرباً لم يعد بعيداً، بعدما صار الرهان على مطالبة الأميركيين بالأكثر مستحيلاً، وقد وصلوا بسبب إطاعتهم للنصائح الإسرائيلية بمفاعيل التصعيد لإنضاج مسارات تفاوضية، إلى المأزق الذي لا مفر منه إلا بالانسحاب.

يجيد الإيرانيون ومعهم قوى المقاومة لعبة رمي الهدايا في حضن الروس منذ تحالفهم في سورية، ويبدو واضحاً، أن التفاهم الروسي الإيراني الذي حقق نجاحاً تراكمياً في احتواء تركيا، ينجح في فعل الشيء نفسه وفق معادلة المطرقة الإيرانية والسندان الروسي مع آخرين كثر ولو بنسب واتجاهات مختلفة، وتبقى لسورية الموحّدة والسيدة والقوية الأولوية في أهداف هذا التحالف الاستراتيجي.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى