تُجار أميركا والسيطرة على العالم… ترامب نموذجاً
} د. حسن مرهج
الولايات المتحدة الأميركية وما تُمثله من قوة سياسية وعسكرية، دأبت خلال عقود على هندسة المسارات الإقليمية والدولية، بما يتناسب وخططها الاستراتيجية، وتنفيذاً لهذه الخطط، فقد استخدمت واشنطن كلّ قواها لفرض غاياتها بالسيطرة على العالم، حتى لو وصل الأمر إلى عمل عسكري كارثي. هذه السياسة أُنشئت عبر ترويج صورة الولايات المتحدة المتفوّقة في شتى المجالات، لدى شعوب المنطقة العربية تحديداً، نظراً لأهمية هذه المنطقة، وتموضعها الاستراتيجي في خارطة العالم.
الواضح أنّ جُلّ رؤساء الولايات المتحدة، قد وضعوا نُصب أعينهم السيطرة على الشرق الأوسط، لتحكمه بمُجمل مسارات العالم. من هنا فإنّ كافة الرؤساء الأميركيين، قد وظفوا نفوذ أميركا لتحقيق هذه الغاية، وإن كان الأسلوب المتبع يختلف من رئيس لآخر، إلا أنّ الهدف الرئيس لا يحيد عن هذه النقطة، فمثلاً دونالد ترامب، يُمثل تجسيداً حقيقاً للزعيم الأميركي ذي الميول السلطوية، وهذا حقيقة ما توضحه تصريحاته أو تغريداته، أو لجهة مواقفه السياسية من مُجمل قضايا المنطقة والعالم.
دونالد ترامب كما يصفه الكثيرون بأنه رئيس أحمق، لكن على العكس، فهو يفعل ما يقوله صراحة، حتى أن سياساته واضحة للجميع ولا تحتاج إلى قراءة أو سبر، ولعلّ ترامب هو أكثر الرؤساء الذين يسعون وبشكل مباشر إلى تحقيق النظام العالمي الجديد، الذي يحكمه الدولار، إضافة إلى هيمنة أميركية خالصة المضمون والأهداف.
كثيرة هي التصريحات التي أدلى بها ترامب بصفته الشخصية كرئيس للولايات المتحدة، فهو الذي قال «أيها السادة: اليوم قرّرت أن أخبركم بكل ما يجري والى أين يتجه العالم في ظلّ كلّ المتغيّرات التي حصلت طيلة (400) عام، تذكرون عام 1717 الذي كان ولادة العالم الجديد، وتذكرون انّ أول دولار طبع عام 1778 ولكي يحكم هذا الدولار، كان العالم بحاجة الى ثورة فكانت الثورة الفرنسية عام 1789، تلك الثورة التي غيّرت كلّ شيء، وقلبت كل شيء، ومع انتصارها انتهى العالم الذي كان محكوماً طيلة 5000 سنة بالأديان والميثولوجيات، وبدأ نظام عالمي جديد يحكمه المال والإعلام… عالم لا مكان فيه لله ولا للقيم الإنسانية».
هذا الكلام يختصر حقيقة أهداف ونوايا الولايات المتحدة، حتى أنه يُجسّد وبشكل واقعي طريقة تعاطي واشنطن مع حلفائها وأعدائها على السواء، دليل ذلك قول ترامب «هذا النظام يعرف طبيعة عملي الخالي من القيم الإنسانية والأخلاقية، فأنا لا يهمّني ان يموت المصارع، ما يهمّني هو أن يكسب المصارع الذي راهنت عليه، ومع ذلك أوصلني النظام العالمي الى الرئاسة، أنا الذي أدير مؤسّسات للقمار، وأنا اليوم رئيس أقوى دولة، إذاً لم تعد المقاييس الأخلاقية هي التي تحكم، الذي يحكم اليوم العالم والكيانات البشرية هي المصالح».
وأيضاً في تصريحات أخرى، يقول ترامب «عندما سقطت ما سُمّيت بالخلافة الإسلامية العثمانية وحتى الديانة اليهودية، أسقطناها عندما ورّطناها معنا بالنظام العالمي، فالعالم اليوم بغالبيته يكره السامية، لذلك نحن قمنا بفرض قانون يحمي السامية، ولولا هذا القانون لقتل اليهود في كلّ بقاع الأرض. لذلك عليكم ان تفهموا انّ النظام العالمي الجديد لا يوجد فيه مكان للأديان، لذلك أنتم تشاهدون اليوم كل هذه الفوضى التي تعمّ العالم من أقصاه الى أقصاه، انها ولادة جديدة ولادة ستكلف الكثير من الدماء، وعليكم ان تتوقعوا مقتل عشرات الملايين حول العالم، ونحن كنظام عالمي غير آسفين على هذا الامر، فنحن اليوم لم نعد نملك المشاعر والأحاسيس».
وعطفاً على جملة ما قاله ترامب، يبدو أنه قد فضح حلفاءه الذين يُنفذون أجنداته في المنطقة، وهو دائماً ما يبتزّهم بُغية دفع الأموال لحمايتهم وحماية عروشهم، فحين يقول «هناك إشاعة كبيرة في العالم العربي بأنّ أميركا تدفع مليارات الدولارات لـ»إسرائيل؟ وهذه كذبة، فإنّ الذي يدفع لإسرائيل مليارات الدولارات هم العرب… فالعرب يعطون المال لأميركا التي بدورها تعطيه لإسرائيل، وأيضاً العرب أغبياء .. أغبياء لأنهم يتقاتلون طائفياً، مع العلم انّ لغتهم واحدة والغالبية من نفس الدين… إذاً المنطق يبرّر عدم بقائهم أو وجودهم، لذلك تسمعونني أقول دائماً، بأنّ عليهم أن يدفعوا»، فهذا يعني صراحة بأنّ ترامب قد وظف بعض حكام الخليج والدول العربية ضمن فريقه، وهي غاية أميركية واضحة المعالم والأهداف، فقد تحوّل هذا العالم إلى ما يُشبه الآلة، والتحكم الحصري بها من قبل واشنطن.
أما الصراع مع إيران، فقد كان ترامب واضحاً في توصيفه، فقد قال «أما صراعنا مع إيران ليس لأنّ إيران هي التي اعتدت علينا، بل نحن الذين نحاول ان ندمّرها ونقلب نظامها، وهذا الأمر فعلناه مع الكثير من الدول والانظمة، فأنت لكي تبقى الأقوى في العالم عليك ان تضعف الجميع».
وعليه، فإنّ نوايا واشنطن تجاه دول المنطقة، لا تحتاج إلى تأويل وتفسيرات، فالغاية الأميركية من إحداث شرخ في بنية النظام الإقليمي، إنما هو طريق لإنشاء نظام عالمي جديد على أنقاض الدول العربية والإسلامية، فواشنطن تنظر إلى هذه الدول على أنها شركات ربحية، فالذي يدفع أكثر ينجو، والذي يمتنع ستلتهمه العقوبات الاقتصادية وهيمنة الدولار، حتى أنّ الحروب في المنطقة، والتي حدثت عبر تحريض أميركي مباشر، إنما هي أسلوب جديد لتفعيل بنية النظام العالمي الجديد، فهذه المنطقة باتت مُهيأة للولوج إلى هذا النظام، ولعلّ واشنطن ستقوم بخلق بدع استراتيجية جديدة للتمكين سطوتها السياسة والعسكرية في المنطقة.
في النتيجة، بات واضحاً أنّ هدف جُلّ رؤساء الولايات المتحدة، يتمثل في إنشاء نظام عالمي جديد، وإن اختلفت رؤية كلّ رئيس، لكن الهدف يبقى ثابتاً. من هنا تحاول واشنطن إحداث أكبر شرخ ممكن في الشرق الأوسط، وتهيئة المناخ السياسي والعسكري، لقيام هذا النظام، وبصرف النظر عن المعاناة الإنسانية التي من الممكن أن تُصيب هذه الشعوب. لكن في المقابل، فقد أثبتت الدولة السورية وعبر الحرب عليها، بأنه من الممكن أن يتمّ التصدي للخطط الأميركية، وإنشاء تحالفات إقليمية ودولية، تكون سبباً في ضعضعة الخطط الأميركية، وبالتالي فإنّ مجريات الحروب التي شُنت في المنطقة تحت ذرائع حقوق الإنسان والديمقراطية ومحاربة الإرهاب، يُمكن إيقافها، فالولايات المتحدة الأميركية ليست قدراً، ويُمكن مواجهتها سياسياً وعسكرياً.